أما تيار المجددين والمصلحين فقد شخص في الجامعات الحديثة مظاهر سلبية عديدة، لكنه شخّص أيضا بعض الظواهر الإيجابية التي يمكن الاستفادة منها في تحديث مؤسسات التعليم الديني العالي، والتي لا تمس بعض الثوابت التي تعتبر بمثابة صمام أمان للعقل المسلم من الانحراف والتبعية الثقافية للغرب، وما يترتب على تلك التبعية من نتائج تعزز السيطرة السياسية للدول الاستعمارية على بلاد المسلمين، حتى وإن حصلت الدول الصغيرة على استقلالها الظاهري. ومن أهم الإيجابيات التي شخصها المصلحون في التعليم الجامعي: أ- المناهج وطرق التعليم، والتدرج العلمي، وضبط مراحله بالاختبارات المنتظمة. ب – إطلاع الطالب فيها على الكثير من العلوم العصرية، التي تفتح عينيه على العصر والتطورات الحاصلة فيه، فيعيش زمنه، ويكون أكثر تأثيرا في مجتمعه، بينما كان الكثير من طلبة العلوم الدينية يعيشون في غربة عن أزمانهم ومجتمعاتهم، إلا من خرق ذلك بجهد فردي خاص. ج – تشجيع البحث العلمي الذي يخضع لمعايير منهجية وأكاديمية دقيقة، وخاصة في ميدان الدراسات العليا. د – وجود أنظمة وشروط للقبول تتيح قبول الطالب في هذا الفرع أو ذاك، بحيث لا ينتظم في الدراسة إلا من كان مهيئاً ذهنياً ونفسياً لذلك، وليس لمجرد أنه يتزيا بزي أهل العلم. من هنا بدأ التفكير بـإنشاء الكليات والجامعات الدينية، أو تطوير المؤسسات التقليدية القائمة، لتكون على غرار الجامعات الحديثة، رغم اختلافها عنها في الأهداف وفي الوسائل أحياناً. كما شهد القرن التاسع عشر والقرن العشرون