وعلى الجانب الآخر في الغرب الأوروبي كانت الجامعات والمعاهد العلمية تسير وفق الأنماط القديمة السائدة في العصر الوسيط، والتي تغلب عليها الفلسفة المدرسية Scholastic Philosophy المستندة إلى منطق أرسطو والتراث العلمي اليوناني القديم، مضافاً إليها التعاليم الكنسية الصارمة التي تحرم أي نقاش في المسائل التي تخالف منظورها للعلم والحياة والكون بوجه عام، حتى في المسائل العلمية التجريبية البحتة التي لا تدخل في مجال اختصاصها كمسألة دوران الأرض، التي خيّر العلماء بين إنكارها أو التعرض للسجن والتعذيب أو القتل بتهمة (الهرطقة)!! ولذا طبعت الحركة العلمية في تلك الفترة بطابع الخوف وافتقاد الحرية، وهي شرط أساس من شروط الإبداع. وحينما بدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية لأهم نصوص الفلاسفة والعلماء المسلمين كالكندي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم والرازي وابن رشد وغيرهم، وتركت آثارها الإيجابية على عدد من العلماء وبعض الجامعات في الغرب، سارعت الكنيسة لتحيطها بالشكوك أو تعاملها بانتقائية خاصة فتقبل ما يفيدها من تطور بعض العلوم كالطب والصيدلة وتهمل الباقي، أما المناهج العقلية والتجريبية التي ساهمت في تقدم تلك العلوم، والجوانب العقديّة التي ألهمت الإنسان المسلم، وأطلقت حريته في النظر وتأمل آيات الكون فقد أهملت أو حوربت محاربة شديدة، كما حصل مع الفيلسوف ابن رشد قاضي قرطبة، الذي شنت عليه الكنيسة حرباً شعواء بعدما أحست بخطره عليها. وحينما أطلت العصور الحديثة في الغرب الأوروبي بداية بعصر النهضة شكل ذلك صدمة للمؤسسات التقليدية، رافقها تطور وتغير في شتى ميادين العلم والمعرفة وفي نظرة الإنسان للعالم، وبدأ الفلاسفة والعلماء في اتباع مناهج علمية