مما ترك المجال مفتوحاً أمام تسرب الدعوات المغرضة في تشويه مفاهيم بعضهم والتقول عليهم بما لا يؤمنون به[178]. وهكذا نلاحظ روحاً تقريبية عالية هدفها الانفتاح على مختلف الآراء، والمنطقية في العرض، والعلمية في البحث والاستدلال، والسعي لتضييق الخلاف بين المسلمين. ويتجلى هذا المعنى أيضاً حين يتحدث عن أصول المقارنة، فيركز على الروح الموضوعية »ونقصد منها هنا أن يكون المقارن مهيئاً من وجهة نفسية للتحلل من تأثير رواسبه والخضوع لما تدعو إليه الحجة عند المقارنة سواء وافق ما تدعو إليه ما يملكه من مسبقات أم خالفها« ويضيف »فإذا كان بهذا المستوى من القدرة على التحكم بعواطفه... كان أهلاً لأن يخوض الحديث«[179] ثانياً: دراسة أسباب الخلاف. وهي الأصل الثاني من أصول المقارنة. فبعد أن أرجع ابن رشد في مقدمة كتابه »بداية المجتهد ونهاية المقتصد«[180] الخلاف إلى الصغريات، أي إلى الاختلاف في تنقيح الصغريات لحجية الظهور (أعني ظهور الكتاب والسنة) أو لحجية القياس، يؤكد السيد الحكيم أن للخلاف في الكبريات أكبر أثراً من الخلاف في الصغريات، ويقصد به الخلاف في أصول الفقه ليكشف عن هدفه العام في الكتاب، وهو تضييق شقة هذا الخلاف، تحقيقاً لما ذكره من قبل في التقريب بين المذاهب الفقهية. وإذا كان لنا أن نضيف شيئاً هنا قلنا إن هناك منشأ آخر لاختلاف نتائج البحوث الفقهية وهو الاختلاف في ترتيب الأدلة وكيفية الرجوع إليها، إذ يجد الباحث في بطون الكتب الفقهية الاختلاف الكثير بين الفقهاء مع أن الواقع