ويجب أن نعترف أن أساليب المعالجة والنقاش حتى وإن اتسمت بأعلى درجات الموضوعية والصراحة لا تنتهي إلى الايجابية المطلوبة لأن جذور الخلاف في أكثر الأحيان جذور نفسية والحواجز تأخذ نفس الطابع. وفي ظل هذا الوضع لا يمكن الوصول إلى ما من شأنه تمهيد الأجواء لبناء الأُمة الواحدة المتفقة على الحد المطلوب في رؤيتها العقائدية والفقهية والتاريخية. ومع ذلك لا يجوز أن تتحطّم آمالنا وطموحاتنا في توحيد أمة التوحيد على صخرة اليأس، وأن لا نسعى إلى التمسك بحبال الإيمان باللّه ورسوله وكتابه في جوّ نفسيّ نقيّ، مصممين فيه على أن ما يمكن أن نتفق عليه من خلال البحث العلمي والمعالجة الموضوعية يجب أن نؤمن ونعمل به حتى وإن خالف قناعاتنا الموروثة. وما لا يمكن أن نتفق عليه لا يجوز أن نجعل منه عقبة في طريق بناء الوحدة الإسلامية في ظل خاتمة الرسالات والنبوات. إن من الحقائق التي يجب أن لا نغفلها، هي أن أحد أهم جوانب مسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية جانب نفسي موروث تلقّته الأجيال من دون دراسة أو مناقشة تتيحان التحرّر منه والانطلاق من بوتقته نحو جوّ من التأمل والمعالجة الموضوعية، الأمر الذي أدى إلى تراكم الكثير من الحساسيات التي شكّلت عقبة كبيرة في طريق محاولات التقريب. ويجب أن لا نغفل أن السياسة لعبت دوراً كبيراً - على امتداد التاريخ - في تعميق الفجوة النفسية بين أتباع تلك المذاهب، فتارة تصوّره على أنه خطر يستهدف القضاء على أتباع هذا المذهب أو ذاك، وأخرى على أنه عقيدة لا يجوز التنازل عنها وهكذا. ولو تصفّحنا أوراق التاريخ لوجدنا أن الكثير من الدماء سفكت بسبب سياسات الحكّام في إطار تعميق الخلافات المذهبية وإخراجها من إطارها العلمي والفقهي إلى الوضع الأصعب المتمثل بالحواجز النفسية والروحية، وتسخيرها لمصحة الحكام وليس لمصلحة الإسلام والأمة الإسلامية.