جمال الدين الافغاني محاولةلفهم جديد السيد حسين الشامي قبل أن يودع العالم القرن التاسع عشر الميلادي، رحل السيد جمال الدين الافغاني، لتهدأ الصرخة التي أطلقها لايقاظ المسلمين ، وانقاذ كيانهم السياسي الذي كان على حافة الانهيار، ولم تمض الا سنوات قليلة حتى انهار ذلك الكيان الدولي لمركز الخلافة الاسلامية، بعدما عجزت كل محاولات الانقاذ التي تصدى لها ذلك الرجل العظيم. إن السيد جمال الدين من الشخصيات التاريخية التي تركت آثارها على حركة الاحداث في العالم، وهو يمثل الشخصية الاكثر بروزاً في التاريخ المعاصر، فلم تحض اي شخصية اخرى بالاهتمام الذي حضى به. حتى فاق الملوك والقادة والرؤساء والعلماء الذين عاصرهم، وهي ميزة من الصعب أن تتوافر عليها شخصية من الشخصيات مالم تتمع بقدرات غير عادية. وهذا هوما كان يتمتع به السيد جمال الدين حيث انتزعت شخصيته بكل جدارة اهتمام المثقفين والباحثين في المجالات التاريخية والاجتماعية والثقافية. وهوالامر الذي يمكن ملاحظته ببساطة من خلال مراجعة ماكتب حول شخصيته باقلام عربية وفارسية واجنبية، وكذلك الاهتمام الكبير بجمع تراثه، سواء المنشور منه في الصحف والمجلات، او المدون في دفاتره ورسائله وأوراقه الشخصية. وقد بدأت الكتابة عن شخصية السيد جمال الدين منذ الفترة القريبة التي أعقبت وفاته، وتواصلت بنسق متصاعد مع امتداد الزمن وتقادمه. ويكفي القول أن الافغاني يمثل الفصل الطويل في الدراسات التاريخية التي تتناول بدايات النهضة الإسلامية في التاريخ المعاصر، وان اي دراسة لا يمكن أن تتجاوزه بصرف النظر عن موقفها منه. كما دخل السيد جمال الدين كعنصر بارز في التاريخ الحديث لعدد من البلدان الإسلامية مثل إيران والعراق وافغانستان وتركيا ومصر والهند، ولا نظن أن هناك شخصية اخرى من معاصريه أو حتى الذين اعقبوه استطاعت أن تتبوأ هذه المنزلة وتدخل التاريخ الاقليمي لدول تختلف في قومياتها ولغاتها وسياساتها ونظمها الاجتماعية. ورغم كثرة ما كتب عن الافغاني، وغزارة النتاج الذي تناول حياته وأفكاره وظروفه، الا ان هناك الكثيرمن علامات الاستفهام لاتزال ترتسم حوله، وبشكل ملفت للنظر، فقد تقاطعت الاراء وتعددت، وتباينت المواقف منه وتنوعت، وتطرف عدد غير قليل من الباحثين في تقييم شخصيته وكتب شكيب ارسلان عنه يقول: (فيلسوف الاسلام وعلم الاعلام، كوكب الاصلاح الذي اطلعه الله في أفق المشرق بعد ان اشتد به الظلام، حجة الشرق الناهضة وآية الحق الباهرة. قد بلغ من شهرته واللهجة بذكره والضراوة بعبقريته ولاسيما بمصر والشام وسائر البلاد العربية، أن ترجمة حاله تكاد تكون أحدوثة الجميع، فلا حاجة الى الاطالة بجميع تفاصيلها([9]). اما الشاعر الكبير محمد اقبال فقد اعتبره حلقة الوصل الحية بين الماضي والمستقبل، وانه لو طال به العمر لحقق العالم الاسلامي انجازات ضخمة([10]). وقد تناوله في العديد من قصائده متحدثاً عن جوانب العظمة في شخصية جمال الدين. وقد كتب عنه الكاتب الشهير جرجي زيدان (لقد نشأ الافغاني قطباً من اقطاب الفلسفة، وعاش ركنا من اركان السياسة، وتوافرت فيه قوى الفلاسفة، ومواهب رجال الاعمال([11]). هذه بعض الاراء في تقييم شخصية السيد جمال الدين، وهي تعكس بوضوح اعجاب اصحابها بهذه الشخصية الفريدة. مع التأكيد على ان هذه الشواهد أوردناها على سبيل تسليط الضوء على جانب من شخصية السيد جمال الدين، وهو تأثيره الكبير على الذين درسوا حياته او عايشوه عن قرب. إن السيد جمال الدين من الشخصيات التاريخية التي تركت اثارها العميقة على حركة الاحداث في الساحة التي عاشت عليها، حتى عادت تحتل موقعاً يستعصي على النسيان في ذاكرة الشعوب. إن الاجيال تتطلع بشغف الى تلك الشخصيات الفذة كمعالم بارزة في مسيرتها اللاحقة، ومصابيح تنير طريقها الطويل. وما التاريخ الا سجل حافل لانجازات اولئك الرواد واعمالهم العظيمة. إن من الخصائص الهامة في شخصية السيد الاسد آپادي أنه تحرك وسط اجواء التداعي العام في البلدان الاسلامية، وكان من المقدر لحركته أن لا تتجاوز جدران الغرف المغلقة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الحالة السياسية والاجتماعية للبلاد الإسلامية. لكن القدرات الذاتية التي تمتع بها جعلته يتجاوز الحدود وينطلق بعيداً الى الافق الاوسع، فيؤثر في الساحات التي تحرك فيها بدءاً من رجل الشارع وانتهاء برجل الدولة، وتلك هي ميزة الشخصيات التاريخية. اننا نستطيع ان نجزم بأن العالم الاسلامي في زمن الافغاني كان يملك العديد من الشخصيات الفكرية التي تتمتع بقدرات علمية ضخمة، لكنها أدت دورها في حدود الدائرة الخاصة التي عاشتها، وفي أطار الظرف الزمني الذي حيته. ولم تتمكن من ان تتحول الى ظاهرة مؤثرة في امتداد الزمن. أما السيد جمال الدين فلقد استطاع من خلال عناصر التأثير في شخصيته ومن خلال الارادة الصلبة أن يصنع الكثير مما عجز عنه الاخرون. وأن يفرض نفسه ومنهجه كظاهرة لها قيمتها المتحركة في عمق حركة الزمن. فلم ينته كفرد، بل ظل يعيش كحالة فاعلة وان يترك من بعده تلامذة ومريدين تمتعوا بالقدرة على التحرك والتأثير، وهذا عنصر نجاح لا يتوفر لكل شخصية وان تمتعت بالكفاءة العلمية والمنزلة الاجتماعية والسياسية. عناصر الجاذبية والتأثير 1ـ هيئته وصفاته الشخصية كان السيد جمال الدين ربع القامة، أقرب الى القصر، أسمر اللون مع شيء من الصفرة، له لُمة مسترسلة الى شحمة الاذنين، مهيباً، جذاب الملامح وكان يبدو مشرق الوجه، منبسط الاسارير، تبرق عيناه عند الحديث، وتنفرج شفتاه عن إبتسامة لطيفة، وكان له نظرات قوية التأثير في مخاطبيه وكان لعينيه بريق عجيب كأنه بريق النور في حلك الظلام([12]). وقد وصفه تلميذه وصاحبه المقرب محمد عبده مفتي الديار المصرية، في ترجمته التي صدر بها رسالته في الرد على الدهريين بالقول »أما خلقه فهو يمثل لناظره عربياً محضاً من أهالي الحرمين فكأنما قد حفظت صورة أبائه من سكنة الحجاز، حماه الله ربعة في طوله وسط في بنيته، قمحي في لونه، عصبي دموي في مزاجه، عظيم الرأس في اعتدال، عريض الجبهة في تناسب، واسع العينين، عظيم الاحداق، ضخم الوجنات، رحب الصدر، جليل في النظر، هش بش عند اللقاء، قد وفاه الله من كمال خلقه ما ينطبق على كمال خلقه«([13]). وأما صفاته النفسية وسجاياه الاخلاقية فان الشيخ محمد عبده يطنب فيها بنفس الترجمة في مقدمة الرسالة بقوله »أما اخلاقه فسلامة القلب سائدة في صفاته، وله حلم عظيم يسع ماشاء الله. وهو كريم يبذل ما بيده، قوي الاعتماد على الله لايبالي ما تأتي به حروف الدهر، عظيم الأمانة، سهل لمن لاينه، صعب على من خاشنه، طموح الى مقصده، قليل الحرص على الدنيا، بعيد من الغرور بزخارفها، ولوع بعظائم الامور، عزوف عن صغارها، شجاع مقدام لا يهاب الموت كأنه لا يعرفه، فخور بنسبه الى سيد المرسلين (ص) ولا يعد لنفسه مزية أرفع ولا عزاً أمنع من كونه سلالة ذلك البيت الطاهر، وبالجملة ففضله كعلمه والكمال الله وحده«([14]). إن هذه الصفات الحميدة التي تجمعت في شخصية السيد جمال الدين من الهيئة الجذابة والشكل المهيب، والاخلاق العالية أثرت أثرها المتميز على ساميعه حين كان يلقي عليهم بخطبه الحماسية ليستنهضهم من الغفلة، ويزرع في عقولهم أفكاره ومبادئه الاصلاحية في محاربة الاستبداد وتعميق الوعي ضد الغزو الغربي لبلاد المسلمين. 2- ثقافته الواسعة توفرت للسيد جمال الدين فرصاً عديدة للاطلاع على ثقافة عصره، وعلومه فكانت النجف بما تمثله من أصالة وعمق في الفكر الاسلامي، منطلقه الأول، أضافة الى معارف الهند وعلومها وثقافات فارس وأدابها. كما أتاحت له رحلاته الكثيرة في العالم الاطلاع على عادات الشعوب وثقافاتها مما شكل مصدراً اضافياً الى رصيده الثقافي الواسع المتنوع. ففي النجف الاشرف التي درس فيها السيد جمال الدين أربع سنوات نهل من علومها في التفسير، والحديث، والفقه، والاصول، والكلام، والمنطق، والحكمة، والرياضيات والطبيعيات وغيرها، ومقدمات الطب والهيئة([15]). ويروى عن الفقيه المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي الذي كان زميلا للافغاني في تلك الفترة انه قال عنه »لقد كنا ندرس معا علم التصوف (العرفان) عند الحاج عباس قولي بالنجف، وكان الافغاني من حسن البيان، بحيث يستطيع إن أراد ان يصور الحق باطلاً والباطل حقاً«([16]). ثم سافر الى الهند عام 1854م ودرس هناك مبادئ العلوم الحديثة، كما درس علم الاديان قبل أن يعود ثانية الى النجف ليكمل دراسته([17]). كما ان السيد جمال الدين سافر كثيراً في ارجاء العالم المختلفة، فاكتسب من هذه السياحات علوماً كثيرة، وتجارب ثرة، أضافها الى ثقافته الإسلامية الاصيلة التي نهلها من النجف الاشرف، وقد شكلت هذه الثقافة الاصيلة والمعرفة الواسعة عنصراً مهماً في شخصيته، مكنته من أن يتبوأ مكانة متميزة في اوساط أهل العلم والسياسة وفتحت له الأفاق الرحبة للوصول الى مراكز القرار السياسي والتأثير عليه في العالم الاسلامي، آنذاك، فحين كان في القاهرة وذاع صيته، وانتشرت أخباره حتى اذا ما اتجه الى استانبول كانت شهرته قد سبقته اليها، وفتحت أمامه الطريق ليحتل موقعاً في مركز الخلافة السياسي، حيث عهد اليه بادارة شؤون المعارف فيها حتى قال عنه الاديب المعروف جرجي زيدان وهو يصف قوة تأثيره على تلامذته وسحره الفطري على مريديه »ففتحوا أعينهم واذا هم في ظلمة، وقد جاءهم النور فاقتبسوا منه، فضلاً عن العلم والفلسفة، روحانية أرتهم حالهم كما هي، اذ تمزقت عن عقولهم حُجبُ الأوهام فنشطوا للعمل في الكتابة وانشأوا الفصول الادبية والحكمية والدينية«([18]). وكانت للسيد جمال الدين مجالس سيّارة في القاهرة غنية بالعلم والادب والسياسة كما وصفها الصحفي سليم عنحوري فقال »ان الفئة التي كانت تتألف حوله على هيئة نصف دائرة فيها اللغوي، والشاعر، المنطقي، والطبيب، والكيمياوي، والتاريخي، والجغرافي والمهندس، والطبيعي، وأنهم كانوا يتسابقون على القاء ادق المسائل عليه، ويبسطوا أعوص الاحاجي عليه، فيحل اشكالها فرداً فرداً ويفتح أغلاق طلاسمها ورموزها واحدا واحدا بلسان عربي لا يتلعثم ولا يتردد بل يتدفق كالسيل من قريحة لا تعرف الكلال فيدهش السامعين ويفحم السائلين«([19]). 3- المرونة والقدرة على التكيف تميز السيد جمال الدين بقدرة خارقة على التكيف مع المحيط الاجتماعي والسياسي الذي يحل فيه، وتمثل ذلك في تغييره ألقابه.. فهو الافغاني، والحسيني، والكابلي، والاستانبولي، والأسد آپادي، ولم يقتصر التكيف على ألقابه، بل كان زيه هو الاخر يتبدل حسب ظروف وتقاليد المجتمع الذي يحل فيه، فمن العمائم السوداء والبيضاء، والخضراء الى طربوش أزهري او تركي، وعقال وكوفية حجازية. فحين وصل السيد جمال الدين الى استانبول كان في زي سيد أفغاني على جبة وكساء وعمامة عجراء. فشرع بتعلم اللغة التركية حتى تمكن بعد مدة وجيزة من أن يتكلم بها ويكتب([20]). وحين سافر الى أوربا لبس الطربوش، ولكنه في الحجاز كان يلبس العقال والكوفية. وعندما وصل الى إيران خلع السيد جمال الدين زيه الافغاني الذي عرف في تركيا ومصر وتزيا بزي سيد من علماء الشيعة حيث وضع العمامة السوداء على رأسه، والعباءة على كتفيه، والمداس الاصفر في قدميه ولقب نفسه بالحسيني([21]). (لقد كانت حياة السيد جمال الدين رحلة دائمة، لا تعرف الاستقرار…، كانت حياته رحلة الى العلم والعلماء، وطموحاً لتحقيق الاهداف العظيمة وقد عبر عن ذلك حين عرض عليه أبوه أن يقيم معهم في مدينته الصغيرة قائلاً: أنني كصقر محلق، يرى فضاء هذا العالم الفسيح ضيقاً لطيرانه، وإنني لأعجب منكم اذ تريدون أن تحبسوني في هذا القفص الضيق الصغير، ثم ودعهم وانصرف)([22]). إن هذه القدرة العجيبة على التكيف السريع والمرونة الفائقة التي امتاز بها السيد جمال الدين مكنته من التحرك الواسع في مختلف الاقطار الاسلامية، متجاوزاً الحواجز الاجتماعية، والمذهبية، واللغوية التي تحول بين دعاة التغيير، وبين الانفتاح على القطاعات الاجتماعية المختلفة، وتمنع وصول كلمة الاصلاح اليها. وفيما نعلم انه لم يسبقه أحد من المصلحين، فضلاً عن العلماء الى هذه الصفة في المرونة والقدرة الكبيرة على التكيف مع الظروف والاعراف والعادات الاجتماعية خدمة لرسالته التي نذر نفسه من أجلها فكانت عنصراً مهماً من عناصر الجاذبية والتأثير في الاخرين. 4- التحرر ورفض الجمود الفكري كان السيد جمال الدين ينفتح على الفكر الاسلامي بكل مشاربه ويتعامل مع المسلمين بشتى مذاهبهم الفقهية ومدارسهم العقائدية، ساعياً الى الوحدة الاسلامية نابذاً لعناصر الفرقة والتعصب، مما أتاح له ذلك آفاقاً للتحرك باتجاه مشروعه النهضوي في مختلف الساحات الإسلامية التي انفتحت عليه واستجابت لمشروعه الاصلاحي الداعي الى الجامعة الإسلامية واقامة دولة اسلامية قادرة على الوقوف بوجه التدخل الغربي في شؤون الامة الإسلامية وفي سبيل تحقيق هذا الهدف كان يعمل على التقريب بين الشيعة والسنة. (فعندما كان في استانبول كان يجتمع بثلاثة ايرانيين كانوا يسكنون استانبول آنذاك وهم الميرزا حسن خان الملقب بخبير الملك، والشيخ أحمد روحي الكرماني، والميرزا عبد الحسين الكرماني، وكان اجتماعهم في قصر السلطان حيث اعدت لهم قاعة خاصة فيكتبوا الرسائل الى عملاء الشيعة في العراق وايران يدعونهم فيها الى الالتفاف حول السلطان عبد الحميد من أجل تقوية الامة الإسلامية اتجاه الكفار الذين يريدون ابتلاعها). ويرى بعض الباحثين أن تلك الرسائل أثرت في أوساط علماء الشيعة الذين دعا بعضهم الى الاعتراف بخلافة السلطان العثماني ويرى آخرون ان دعوة الافغاني كان لها بعض الاثر في حركة الجهاد التي قام بها علماء الشيعة في العراق خلال الحرب العالمية الأولى عند اندلاعها. وكان السيد جمال الدين على الرغم من أصله الشيعي لا يتعصب للتشيع تعصباً أعمى، ففي الوقت الذي نراه ينتقد أهل السنة على »سدهم باب الاجتهاد نراه ينتقد الشيعة على عاداتهم في ضرب أجسادهم بالسلاسل ضمن اقامة المآتم الحسينية([23]). وكان يقول إن اثارة قضية الخلافة بعد وفاة النبي(ص) أمر يضر المسلمين في الوقت الحاضر ولا ينفعهم فكان يتساءل في ذاك قائلاً. (لو أن اهل السنة وافقوا الشيعة الان على أحقية علي بالخلافة، فهل يستفيد الشيعة من ذلك شيئاً أو أن الشيعة وافقوا أهل السنة على أحقية أپي بكر فهل ينتفع أهل السنة ثم يهتف أما آن للمسلمين أن ينتبهوا من هذه الغفلة ومن هذا الموت قبل الموت([24]). 5- الشجاعة الادبية وقوة البيان كان السيد جمال الدين يمتلك بياناً بليغاً يؤثر في مستمعيه ويشدهم اليه حتى وان كانوا من أشد مخالفيه فقد سجل (ابراهيم الهلباوي) ذكرياته عن فترة وجود السيد جمال الدين في الازهر. فقال (كنت طالباً في الازهر الشريف لم اتجاوز السادس عشر حين نزل السيد جمال الدين مصر، واقبل عليه الادباء والمتنورون يستمعون الى احاديثه العلمية ويحضرون مجالسه ودروسه وكان الشيخ محمد عبده من هؤلاء الذين أعجبوا بالسيد وتشيعوا له فحقدت عليه وصرت أتربص به، وباخوانه الدوائر لاني كنت كما يعتقد أشياخي الذين تأثرت بهم بان السيد جمال الدين رجل ملحد، ونزل مصر ليضل الناس ويجمع حوله شيعة ينشرون إلحاده وضلاله. حتى أصبح قذى في عيني لا أستطيع رؤيته، وصرت أتوخى أن تقع هنة من السيد جمال الدين او أحد أتباعه لاشفي بها حقدي عليه، ثم يذكر الهلباوي كيف انه عندما التقى بالافغاني أعجب به وانمحت من ذهنه تلك الاوهام التي كان يتلقاها من مشايخه عنه)([25]). وقد وصفه جرجي زيدان بقوله (انه كان خطيباً مصقعاً لم يقم في الشرق أخطب منه). وذكر شبلي شميل (انه شهد خطبة في الاسكندرية فوقف ساعتين يتكلم بلسان عربي فصيح، والقاء حسن الكلام مفيد حتى أدهش الناس) ويعتقد الوردي ان هذه المقدرة الخطابية هي من جراء دراسة السيد جمال الدين في النجف الاشرف([26]) إبان شبابه. وكان السيد جمال الدين في مجال الكتابة والبحث يقول »تطويل المقدمات دليل على سقم النتائج، وليس في كل اختصار بلاغ والتكلف للسجع ينفر منه الطبع، ويحسن وقعه اذا جاء عفوا«([27]). كما كان يمتلك شجاعة أدبية استطاع من خلالها أن يقتحم مراكز التأثير السياسي والاجتماعي في مختلف البلاد التي حل فيها، ولم يكن يتهيب من مقابلة الملوك والسلاطين واقتحام مجالسهم رغم ما يحيط تلك المجالس عادة من بهارج وأپهة ومظاهر القوة والجبروت، والتي تبعث الخوف والرعب في قلوب الناس. كان السيد جمال الدين يخاطب الحكام والسلاطين بلهجة الناصح الشجاع دون خوف او وجل فقد وقف مخاطباً الشاه بقوله (استطيع أن أفخر بنفسي أن أرى عاهل إيران قد استيقظ من سباته العميق، واخذ يفكر في تعمير البلاد ورقيها ويثق بي. نعم انني ايراني آسدآپادي، وان كافة العلوم بحمد الله مخزونة في صدري فلا تنظر الى وحدتي، وصغر جسمي فاني استطيع أن أطمس جبل دماوند هذا بقبضة يدي الصغيرة، فأين ماكنت واكون لا أبغي الا حفظ الجامعة الإسلامية ورقي المسلمين واستقلال بلادهم، فبقدر ما أشعر بالنوايا السلطانية الخيرية أپذل ما استطعت الجهد لمؤزرتها وتنفيذها، إن خراب وذلة وشقاء الايرانيين التعساء تعود الى الذات السلطانية نفسها)([28]). وفي لقائه مع قيصر روسيا بشأن نظام الحكم وضرورة مشاركة ابناء الشعب في بناء دعائمه قال جمال الدين »في ظني يا صاحب الجلالة القيصر إن عرش الحكم تثبت دعائمه اذا استند الى رضاء الملايين من رعيته المخلصين ولا شك إن ذلك يكون أجدى على الحاكم من اي يكون هؤلاء الملايين أعداء ألداء له يترقبون الفرصة ويتحينون اللحظةالتي يظهرون فيها ما تختزنهُ قلوبهم من سم البغضاء والكراهية وما يعتمل في نفوسهم من ثار الثأر والانتقام«. كان رد الفعل لدى القيصر الروسي أن أنهى المقابلة مع الافغاني وأفهمه بأن استمرار اقامته في روسيا أمر غير مرغوب فيه. وقد بارح السيد جمال الدين الافغاني روسيا بالفعل سنة 1889م ولكنه وجه حديثه الى »عبد الرشيد ابراهيم« بالقول يا ولدي.. لا تتكدر وتغتم.. انك سوف ترى مآل قيصر روسيا كما انك ترى ايضاً النهاية الحتمية للاستعمار في الهند([29]). بهذه الروح القوية والشجاعة الادبية النادرة كان السيد جمال الدين يواجه الحكام والملوك والقياصرة. ورغم الألم والوحدة وظلام اليأس المخيم على النفوس الا انه كان يرى بنظرته الثاقبة خيوط الامل ويتنبأ بفجر المستقبل الذي لابد ان يجيء. 6- المبدئية ونكران الذات كان السيد جمال الدين صاحب مبدأ ورسالة نذر نفسه من أجل تحقيقها، فلم يسع الى تحقيق مجد ذاتي، أو مصالح شخصية، وقد أدى ذلك به الى أن يقف منه الحكام في مختلف الاقطار الإسلامية وغيرها موقف الخصومة والعداء، فيما كانت جماهير الامة تزداد إعجاباً به وتأييداً له. فقد وجدت فيه البطل الذي لايهزم والقائد المخلص الذي لا يخون والشخصية النموذجية المضحية من اجل المبدأ ومصالح المسلمين. فعندما دعي الى لندن من قبل الحكومة البريطانية للتشاور معه حول الاوضاع في السودان بعد اندلاع ثورة المهدي فيها. فقد عرض عليه اللورد (ساليس بوري) زعامة السودان بأن يكون ملكاً عليها، رفض هذا العرض بشدة وأجابه قائلاً (ان هذا العرض لدليل على الجهل السياسي أيها اللورد، دعني أسالك هل اصبحتم تملكون السودان حتى تنصبوني ملكاً عليها..مصر للمصريين، وكذلك السودان فهي جزء لا يتجزء من الخلافة العثمانية ولا يزال صاحبها حياً، ولديه القوة المادية والمعنوية، ويستطيع أن يصلح الامور بكل سهولة. اذا بريطانيا راغبة في تحسين احوال الناس فلتتوجه الى إيرلنده، أولاً فهؤلاء اقرب اليكم، وتوجد صلات عميقة بينكم وبين الايرلنديين، وهي تساعد على الاتفاق فيما بينكم، وهي أقوى من الاتفاق الذي تريده مع مصر والسودان وبقية دول الشرق الاوسط)([30]). إن المبدئية ونكران الذات صفة واضحة في حياة السيد جمال الدين، كما إن سيرته الذاتية، وعزوفه عن الزواج يكشف عن انه قد وطن نفسه على الجهاد الدائب المتواصل والحركة المستمرة والتجوال الصعب من اجل التبشير بافكاره الاصلاحية. فقد كان يرى إن العالم الاسلامي يتجه نحو كارثة ماحقة ولايكاد يحس بها ويدرك أبعادها، فكان يطلق الصرخة تلو الصرخة عبر خطاباته الكثيرة أينما حل، ومن خلال صحيفته العروة الوثقى التي اصدرها في باريس وهي تمثل بحق اشراقة الصحافة الإسلامية الرائدة في العصر الحديث والتي هزت أعماق الماضي وعبرت اسوار الزمن. هذه باختصار أهم العناصر والصفات التي امتازت بها شخصية السيد جمال الدين الافغاني ذات الجاذبية والتأثير، فأصبح فيلسوف الشرق وحكيم الاسلام، ورائد النهضة والتحرر والصوت الذي مازال يملأ سمع التاريخ. الافغاني محاولة لفهم جديد تحدثنا عن الملامح العامة لشخصية السيد جمال الدين الافغاني الاسد آبادي، وأبعاد شخصيته التي تميزت بالتأثير والحركة والمرونة والفاعلية. وهي من المسائل التي تناولها الباحثون بأسهاب في الكثير من الكتب والبحوث. لكن الاختلاف الكبير الذي طبع تلك البحوث، يعني بوضوح إن الصورة الحقيقية للسيد الافغاني لم تكتمل بعد، أو بعبارة أدق أنها لم ترسم بعد، وأن البحث العلمي لايزال أمامه مسؤولية رسم هذه الصورة. أنها مسؤولية حققية لاكثر من اعتبار، فالافغاني شخصية فريدة بأتفاق الآراء، غير ان هذا الاتفاق ينطلق من اتجاهين متناقضين تماما، احدهما سلبي في نظرته، والاخر ايجابي فيها. كما انه مثّل ظاهرة حضارية في التاريخ الاسلامي المعاصر، وعنصر بارز وكبير في المسار الزمني للفترة التي عاشها، هذا بالاضافة الى كونه لا يمثل مرحلة في مسار التاريخ، بل انه يعتبر صانع مرحلة ومؤسس منهج حركي في العمل الاجتماعي والسياسي، وهذا كله يفرض على البحث العلمي تكوين صورة واضحة المعالم، محددة الخطوط حول شخصية السيد جمال الدين الاسد آپادي، باعتبار ان هذه العملية لا تتصل بالافغاني كشخص، بل بالافغاني كجزء من حركة التاريخ وبداية المرحلة اساسية فيه وهي النهضة الإسلامية في العصر الحديث. وعلى هذا الاساس فأن تحديد الموقف العلمي الصحيح من الافغاني، ورسم صورة موضوعية له، انما هو اعادة جديدة لكتابة التاريخ الاسلامي المعاصر، وتحديد موثق للعناصر الاساسية للنهضة الإسلامية الحديثة، وآليات حركتها في المجتمعات الإسلامية. اننا في الوقت الذي ندعو فيه الى اعادة دراسة السيد جمال الدين ، ندرك صعوبة هذه المحاولة والمشاكل الهائلة التي ستواجه الباحث في هذا الاتجاه، لكنها مسألة طبيعية في مجال الدراسات التاريخية، باعتبار ان محاولة اعادة الكتابة التاريخية في القضايا المختلف حولها، تكون اصعب بكثير من محاولة التدوين التاريخي للقضايا التي لم يتناولها البحث سابقاً . فالاولى تعني اعادة تأسيس البناء التاريخي بكل تراكماته المعقدة واتجاهاته المتقاطعة. اما الثانية فهي عملية بناء على أرض مبسوطة، وهذه واحدة من حقائق البحث التاريخي. ان دعوتنا لاعادة كتابة تاريخ السيد الافغاني تنطلق من المرتكزات التالية التي تحاول ان تحدد ملامح المنهج العام لهذه المحاولة: اولاً: خضعت معظم الكتابات التي تناولت شخصية السيد جمال الدين الى مناهج بحث مقيدة بتوجهات مسبقة كالقومية والاقليمية، والطائفية فهناك عدد غير قليل من القوميين العرب الذين درسوا الافغاني، بذلوا جهودهم من اجل اثبات ان السيد جمال الدين الافغاني ينتمي الى افغانستان وليس الى ايران، وذلك بدافع قومي سياسي معاد لايران. وفي المقابل هناك العديد من الكتاب الايرانيين حاولوا اثبات الجنسية الإيرانية له بدافع قومي بعيد عن موضوعية البحث العلمي. وهذا لا يعني اننا نتبنى عدم ايرانية السيد جمال الدين، ولكننا نريد ان نؤكد على ضرورة اعتماد الموضوعية في مثل هذه الدراسات. فالمهم هو الوصول الى الحقيقة بكل تجرد وأمانة، فالافغاني سواء كان ايرانياً ام افغانياً فان ذلك لا يؤثر على قيمته كشخصية تاريخية لامعة. وفي هذا السياق ايضاً.. نلاحظ ان عددا من الكتاب انطلقوا من النظرة الطائفية في تحديد المذهب الذي ينتمي اليه السيد الافغاني. فلقد تعسف البعض من كتاب السنة المعجبين بشخصية الافغاني في اسلوب بحثهم من اجل اثبات بأنه سني المذهب. كما ان بعض كتاب السنة المعادين للافغاني وصفوه بأنه رجل شيعي كنقطة للطعن في شخصيته. ان هذه القيود التي يتحجم الكاتب داخلها، تخرج البحث عن الموضوعية وتحوله الى وجهات اخرى لا تتمع بالنزاهة العلمية المطلوبة في حقل الدراسات التاريخية. ثانياً: اعتمد الكثير من الباحثين منهجا خاصا في دراسة تاريخ السيد الافغاني، وهو منهج تفسير الماضي بأدوات الحاضر. وفي الحقيقة ان هذا المنهج يعتمده الكثيرمن الباحثين في دراسة التاريخ سواء الحديث منه او القديم، فيحاولون تفسير الاحداث التاريخية برؤى الحاضر وضوابطه وموازينه. وفي اعتقادنا ان هذا المنهج يعطي تفسيرات بعيدة عن الواقع التاريخي للاحداث.. باعتبار الحدث التاريخي وليد ظروفه واجوائه الاجتماعية والثقافية والسياسية، فلا يمكن فهمه فهما صحيحا مالم يتم استيعاب تلك الظروف، وتفسيره ضمن سياقاتها العامة التي تكوّن خلالها. لقد درس الكثيرون السيد جمال الدين بهذا المنهج، ونظروا الى شخصيته ومواقفه بموازين اليوم، فكانت تفسيراتهم مجانبة لحقائق الامس، لان ثمة تطورات هائلة حدثت في المجتمع الاسلامي خلال الفاصلة الزمنية التي تفصلنا عن فترة السيد جمال الدين الاسد آپادي. وعلى هذا فلابد من الانطلاق في دراسة السيد جمال الدين ، من منهجية الاستيعاب الدقيق للظروف والاجواء التي عاشها وتحرك فيها، والاحاطة التفصيلية لاعتبارات العصر وقيمه الاجتماعية والثقافية والسياسية. وفي اعتقادنا أن اعتماد هذه المنهجية سوف يساهم في رسم الكثير من ملامح صورة السيد الافغاني التي يكتنفها الغموض. ثالثاً: ان دراسة الشخصيات في التاريخ الانساني بشكل عام، اذا تم تناول كل واحدة منها كحالة خاصة، فان ذلك قد يقدم صورة غير واقعية عنها سواء في السلب او الايجاب، لان هذه المنهجية بطبيعتها تفرض على الباحث ان يعيش جوا خاصا مع الشخصية - موضوع البحث – فقديخضع تحت تأثيرها من اكتشافه لعناصر العظمة التي تميزت بها. او أنه قد يجد في حركتها الخارقة مايثير عنده الشبهات وردود الفعل، فيقف منها موقفاً سلبياً. إن هذه المنهجية وجدناها معتمدة من قبل العديد من الباحثين في المجال التاريخي، وقد أعطت نتاجاتهم صورا غير واقعية عن الشخصيات التي درسوها. ولا حظنا ان الشخصية الواحدة تصدر حولها دراسات متوزعة على اتجاهين متعاكسين، احدهما ايجابي يمجد الشخصية، والاخر سلبي يتهمها ويحاكمها بعنف وقسوة. والذي نريد أن نؤكد عليه هنا أن الشخصية الخارقة ليست ظاهرة طارئة او استثنائية في التاريخ الانساني، فهناك عدد ضخم من الشخصيات المتفردة في تاريخ كل امة ومجتمع ودولة، وهي حالة انسانية عامة يمكن اكتشاف الكثير من مصاديقها منذ التاريخ الموغل في القدم وحتى عصرنا هذا، وتستمر هذه الحالة مادامت الحياة. وعلى هذا فان البحث اذا انطلق من استيعاب هذه القضية، فانه لم يتفاجأ بشخصية الافغاني أو بأية شخصية اخرى يتناولها بالدراسة والبحث، مهما كانت هذه الشخصية بارزة ولامعة وعظيمة. لانه سيكون في مواجهة نموذج واحد في سلسلة طويلة جداً من امثال هذه النماذج الخارقة، وقد تفوق الشخصية التي يدرسها في قدراتها وخطورتها وثأثيرها. وعند ذلك لن يخضع لتأثيرها سلباً او ايجاباً، بل ستخضع الشخصية كموضوع تاريخي لمنهجية البحث التاريخي. رابعاً: إن النتاج الضخم الذي تناول السيد جمال الدين الاسد آپادي هو حصيلة ثقافية كبيرة، بصرف النظر عن تقييم مفرداته ومواقف الكتاب والباحثين من شخصيته. فلابد من احترامه كجهد ثقافي، مع ملاحظة أن ماكتب لا يمثل النتائج القطعية حول السيد جمال الدين. كما أن النتاجات القادمة لا يمكن بالضرورة أن تكون هي الابحاث النهائية في هذا المجال. وهذه واحدة من مسلمات البحث التاريخي. وعليه فان النتاجات السابقة يمكن أن تخدم محاولة الكتابة الجديدة، وذلك بالاستفادة من عناصر القوة والضعف فيها. كلمة في الختام إن دعوتنا هذه لاعادة كتابة التاريخ المتصل بشخصية السيد الافغاني، انما هي في الحقيقة دعوة الى اعادة كتابة التاريخ الاسلامي المعاصر، بدءا بأهم مراحله الزمنية، وهي المرحلة التأسيسية للنهضة الإسلامية الحديثة. ونحن نرى في ذلك مسؤولية اسلامية كبيرة، باعتبار أن تاريخنا الحديث لم تدونه اقلام اسلامية، بل خضع لمناهج بحث دخيلة على الواقع الاسلامي. فرضت على المثقف المسلم بوسائل متنوعة، فشوهت الكثير من الحقائق، وفسّرت عناصره الاساسية بتفسيرات بعيدة عن اصولها الموضوعية. وقد نجحت في تلك المحاولات الى حد بعيد، وهذا ما نلمسه من خلال مراجعة حركة تدوين التاريخ الحديث للبلدان الإسلامية فقد طمست معالم الكثير من الرواد والقادة الجماهريين، وصنع مكانهم رجال اخرون كانوا يعيشون على هامش الاحداث. لكن صناعة التاريخ حولتهم الى ابطال. كما أن حركة الامة المناهضة للاستعمار والاستبداد صورها البحث التاريخي المغرض بغير صورتها الحقيقية، وحاول استفراغها من مضمونها الاسلامي الاصيل الذي تميزت به. وهذا ما لاحظناه في المناهج القومية والماركسية والاستشراقية التي كتبت تاريخنا الاسلامي المعاصر. مع ملاحظة أن هذه المحاولات شملت ايضا التاريخ الاسلامي، بشكل عام، وحاولت تفسير التراث الاسلامي وفق تصوراتها ورؤاها الخاصة، مما يشكل اساءة كبيرة للبنية التاريخية الإسلامية. ان دعوتنا لاعادة كتابة تاريخ السيد جمال الدين الاسد آپادي هي دعوة لاعادة كتابة التاريخ الاسلامي برؤى واقلام ومناهج اسلامية اصيلة.. فليس أخلص للتاريخ من أپنائه. والحمد لله رب العالمين.