نسبة الأقليات الإسلامية في العالم إن إعطاء رقم قريب من الصحة يبدو عسيرا جدا. ذلك أن هذهأولى.ة هي حصيلة عملية جمع لعدد الأقليات الإسلامية في كل قطر من الأقطار، وهذا لم تقم عليه مؤسسات تعتمد التعداد حسب أصوله العلمية والفنية.هذه صعوبة أولى. أما الصعوبة الثانية فإنه في البلدان العلمانية المتطرفة أو التي ترفض الدين، أو التي تعادي التدين و تحاربه بعنف و خاصة الإسلام، لا ُيظهر كثير من المسلمين انتماءهم الإسلامي خوفا على مراكزهم في الحياة العامة والمهنية. وقد قدر ت هذه الأقليات في مجموع العالم سنة 2000 بنصف مليار.(41) وقدرها آخرون سنة 1995 ب 372 مليون (42) وقريب من هذا العدد 371، 3 مليون في الدراسة الإحصائية د محمد محمود محمدين قبل عشر سنين عام 1986 (43) وكمثال يوضح هذه الصعوبة عدد المسلمين في الصين. لقد كانت السفارة الصينية بتونس قد تسوغت دارة بجواري. كنت على صلة بموظفيها. وكلما يعين سفير جديد أسأله عندما يزورني عن عدد المسلمين في الصين، وكان جواب جميع السفراء واحدا: خمسة عشر مليون مسلم، وتجمد العدد في هذا الحد لا يزيد ولا ينقص أكثر من عشرة أعوام.وعدد المسلمين حسب د. محمد محمود حمدين 95 مليونا (44) و معظم الذين اهتموا بتعداد الأقليات الإسلامية في العالم يقدرون أن مسلمي الصين يقاربون مائة مليون.وقد كان الأمير شيكيب أرسلان قد صدم بصعوبة تقدير عدد المسلمين في الصين فقال: أما عدد المسلمين في الصين فلا تزال الأقوال متضاربة في عددهم، فمن الجغرافيين من يحزرهم بعشرين مليونا، ومنهم من يحزرهم بأكثر من ذلك بكثير. وفي هذه المدة لما وقعت الفتنة بين الصين واليابان من أجل منشوريا أبرقت الجمعية الإسلامية في الصين إلى أوروبة بتلغراف احتجاج على اليابان قالوا فيه: إنهم يتكلمون باسم خمسين مليونا من مسلمي الصين.قال ثم ورد تلغراف من طوكيو يرد على مسلمي الصين زاعما أنهم 15مليونا لا50 مليونا . ثم قال ولا شك أن اليابانيين بخسوا مسلمي الصين عددهم لما رأوا من شدتهم على اليابان يين. وإذا قارنا هذا العدد مع تعداد السكان الذي أثبته في كتابه وفي مجلته (الأمة العربية) حوالي عام 1920من أن مصر مع السودان تعد 18مليونا والجزائر خمسة ملايين وطرابلس 700 ألف وتونس مليونان الخ هذا التعداد إذا راعينا النمو السكاني كما تم في بقية الأقطار يحتم أن يكون عدد المسلمين اليوم في الصين مائة مليون على أقل تقدير.(45) وقد كنت زرت الصين في صيف عام 1985 ومن المدن التي أقمت فيها مدينة لينشيا وأعلمني الوالي أن عدد المسلمين بها700 ألف وأن نسبتهم من مجموع السكان هي 52%. وبالمحافظة 1715 مسجدا ووجدت في بعضها مخطوطات عربية، ووقعت يدي على شرح السعد على كتاب الخطيب القزويني في البلاغة. كما أنه من ناحية أخرى كل المسلمات مقنعات تغطي الشابة رأسها بقناع أخضر والكهلة بغطاء أسود والعجوز بغطاء أبيض. وتكاد كل النساء اللاتي ينشطن في الحياة مقنعات. فهذه الدوال من وجود 1715 مسجد ومن كون معظم النساء مقنعات، دوال تثبت للناظر فيها أن نسبة المسلمين أعلى بكثير مما سمعته من السلطة المحلية. كما نزلت بمدينة سيان عاصمة مقاطعة شانسي. و حسبما صرح لي به الوالي:إن عدد المسلمين بسيان خمسون ألفا وبالمقاطعة التي تعد 30مليونا مائة وأربعون ألفا, ومع ذلك فإن الجامع الكبير وسط سيان مساحته 130000متر مربع. فهل يعقل أن يتسع الجامع بهذا المقدار إذا كان العدد المذكور صحيحا؟ أنماط الأقليات المسلمة تنقسم الأقليات المسلمة إلى أنماط عديدة أولا : العلماء الباحثون من مواطني الدول غير الإسلامية، الذين استقام فكرهم ولم يعمهم التعصب لدين الآباء والأجداد، فدخلوا في الإسلام بعد دراسة معمقة مقتنعين بأنه الدين الذي يكرم الإنسان، ويمتن العلاقات الإنسانية، ويقدم الإجابات التي لا تناقض العقل عن الكون والحياة، ويخرج الإنسان من الحيرة فتتبين له مسالك الحياة في صفاء لاغبش فيه، وينمي في معتنقيه الفضيلة والخير والقيم الخلقية الرفيعة. وهؤلاء وإن كانوا قليلي العدد في وسط الأقليات المسلمة إلا أن تأثيرهم على الطوائف غير الإسلامية تأثير له وزنه. وبجانب هؤلاء، الذين دخلوا في الإسلام نتيجة مخالطتهم للمسلمين، وهم على قسمين: قسم آمن متأثرا باستقامة سلوك من خالطوهم، ونظرتهم للحياة، وأعجبوا بالعلاقات الأسرية المتينة بين المسلمين. وقسم آخر دخلوا في الإسلام تبعا لرغبتهم في التزوج بمسلمة. لقد سافر عدد غير قليل من الفتيات للعمل في الغرب، التحق بعضهن بالمعامل وبعضهن بالعمل في المنازل، وتبع الاختلاط قيام علاقة، فيرغب كلا الطرفين أن تنتهي إلى عقد، و يقوم مانعا من تمام الزواج القانون والعائلة التي لا ترضى أن تتزوج ابنتهم ممن لا يدين بالإسلام، فتؤثر على خطيبها فيعلن إسلامه. وقد كنت أطلب من كل من يرغب في المبايعة على الإسلام أن يحسن أداء الصلاة بشروطها وأركانها، وأختبره في ذلك، وأن يتعهد لي بأنه بعد إسلامه سيقوم بالعبادات المفترضة ويطبق أحكام الدين الإسلامي في حياته، ورغم ذلك فإني غير متيقن بأنهم سيوفون بما عاهدوا عليه. ثانيا : المضطهدون الذين عانوا من التمييز العنصري ألوانا من المهانة، والذين وجدوا في انتسابهم للدين الإسلامي السند الذي يحل العقد التي ضربتهم بالذل والمهانة وعدم الثقة بالنفس.أعني الأفارقة الذين اختطفهم المستعبدون للأحرار من ديارهم وباعوهم لمن سخرهم في خدمة الأراضي البكر الشاسعة في أميركا، ورغم أن استصلاح الأراضي و البنية التحتية قد هدت قواهم وأكلت أجسامهم و ارتوت بعرق جبينهم، فإنهم رغم ذلك عوملوا معاملة قاسية، فيها سحق لكرامتهم وقتل لعزتهم. وبقوا مهمشين في المجتمع يأنف الأبيض أن يقترب منهم لا في وسيلة النقل ولا في قاعة الدرس ولا في المطعم ولا يقبل بحال أن يتساوى معهم في الحقوق الإنسانية. بلغ الظلم غاية مدى ما يمكن أن يصل إليه، فولد حقدا عنيفا من الأسود على الأبيض، وتزعم حركة الثورة ( درو علي ) فأسس سنة 1913 ( معبد البربر العلمي) وبعد سنة انضم إليه ماركوس جارفي فأسس حركة ( التقدم الزنجي الدولية ) ( درو علي) الذي ادعى النبوة أضفى على مشروعه قبسا من الإسلام، وأكد هوية الزنوج وجعلهم عنصرا ممتازا من الآسمسجد.والبربر، وأن الإسلام هو دينهما، والمسيحية للبيض.واستمرت الحركة تقوى شيئا فشيئا إلى موته عام1930، فخلفه في قيادة الحركة ولاس د فرض وأسس معبدا ثم حوله إلى مسجد. فكانت بدايات ( أمة الإسلام ) مع فرض الذي اتخذ أسماء عدة منها الولي فرض والمعلم فرض محمد، وكان يدعى تارة بالله وتارة المهدي الكبير من طرف أتباعه (46) مات فرض في ظروف غامضة سنة عام 1934 وخلفه في زعامة الحركة أليجيا محمد إمام فرع شيكاغو الذي تأسس قبل عام 1933 الملقب بالقديس النبي مبعوث الله، وبقي على زعامته الشاملة لم ينازعه فيها إلا مالكلم إيكس سنة 1960؛ ولكن مالكلم قتل سنة 1965فتفرد بالزعامة إلى أن توفي سنة1975عن 78 سنة (47)0وقد كان رجلا ماهرا مقتدرا على التنظيم والتسيير فبنى هرم جماعة الدعوة على مؤسسات قوية وتجلى نجاحه في خمسة ميادين: - قيادة فذة قوية و مركزية ربت القاعدة على الولاء والطاعة - تكوين مليشيا بالغة التنظيم يطلق عليها اسم ثمرة الإسلام (foi) تتكون من المجندين الأشداء الذين سبق لهم أن قاموا بالخدمة العسكرية، وهي الحامية لجميع المؤسسات التابعة للحركة، واتهمت هذه الحركة بأنها هي التي قتلت مالكلم إيكس، ويقودها رايموند شريف صهر أليجيا. - منظمة الأعمال التجارية، من نشاطها مصرف وشركة لصيد الأسماك وسلسلة من المطاعم. - المؤسسات التعليمية وتسمى جامعات الإسلام، والنظام التعليمي فيها بالغ الانضباط - سلسلة من أماكن العبادة القومية، وهي منظمة تنظيما جيدا للغاية تحت إدارة رجال مسؤولين عنها فيما يتعلق بالعضوية والوظائف العديدة التي تقوم بها هذه المراكز (48) أكبر أبناء أليجيا هو وارث الدين محمد .وقد كان على خلاف مع والده فأقصي من الحركة، وبينما كان أليجيا على فراش الموت دعا ابنه ورد إليه اعتباره وعينه خليفة له. فتولى المهمة بعد وفاة والده، وسار بها في منهج تصحيحي بعيد عن الغلو والشذوذ. فأعلن بعد سنة أن أباه لم يكن نبيا، وحول اسم المنظمة فأصبحت المجتمع الإسلامي العالمي في الغرب، وسمى أتباعه (أبناء بلال ) ربطا لهم بالصحابي الجليل مؤذن رسول الله وأمين بيت مال المسلمين. وأطلق على جميع المعابد لفظ المساجد وعلى رؤسائها الأئمة وفي سنة 1980 حور اسم المنظمة إلى جمعية الدعوة الإسلامية الأميركية، كما غير اسم الصحيفة الناطقة باسم المنظمة إلى المجلة الإسلامية. ودعا أتباعه إلى القيام بشعائر الإسلام نقية من كل شائبة. وتخلت القيادة عن الدعوة للكراهية العرقية وتمثيل الرجل الأبيض بالشيطان.وكان لهذه التحولات أثفرخان.رفض بعض أعضائها الإصفرخان.لجذرية وافرخان.عنها تحت قيادة لويس فرخان. يعلق الأستاذ قطبي مهدي على إنجازاته بقوله: ونجح الإمام وارث الدين أخيرا في تحويل منظمة أبيه إلى جماعة إسلامية سائدة ومقبولة لدى العالم الإسلامي، وصار زعيما معترفا به من جانب مسلمي أميركا والمجتمع الإسلامي الدولي، ولكن ذلك لم يتم بغير ثمن فادح، فقد انهارت الإمبراطورية الاقتصادية لـ (الأمة) بعد عدد من الأزمات الاقتصادية، وتراجعت العضوية إلى حد كبير، حيث تركها كثير من المؤمنين وبعض الزعماء المؤثرين. وقامت بجانب منظمته (المجتمع الإسلامي العالمي في الغرب ) منظمات أخرى أهمها ( دار الإسلام ) التي استمدت اسمها من تقسيم العالم الإسلامي إلى دار الإسلام ودار الكفر. وكانت منظمة تنظيما دقيقا قام عليها الإمام يحيى عبد الكريم، وتوسع إشعاعها حتى تبعها في نيويورك وحدها عشرون مسجدا ثم انقسمت في أول الثمانينات مع دخول رجل صوفي باكستاني فصيح عميق الإيمان، وشكل أنصار ه جمعية أطلقوا عليها (الفقراء) وكما يدل عليه اسمها هي ذات نزعة صوفية – كما نشأت في الستينات (منظمة أنصار الله) على يد رئيسها عيسى الذي يؤكد على أن الحضارة الأولى للعالم هي الحضارة الزنجية على ضفاف النيل في بلاد النوبة، واهتم بالسودانيين ودعا أتباعه لارتداء اللباس السوداني، ثم غير اسمه عندما قتل الإمام السوداني الهادي المهدي إبان ثورة جزيرة أبا عام 1969فسمى نفسه السيد الإمام عيسى الهادي المهدي. وقد زاره بعد إلحاح الزعيم الصادق المهدي في بروكلين، وكان مما لفت نظره إليه بعض التعاليم المرفوضة إسلاميا ومنها استخدام الإنجيل في صلواتهم وشعائرهم. ثم حور مهمته من زعيم إلى معلم. وغير اسم جماعته إلى (الرابطة النوبية الإسلامية العبرانية، وأصبحت نجمة داود التي يحيط بها الهلال شعار الجماعة، وأصبح الكتاب المقدس مصدرا وثيقا للتعاليم الدينية على قدم المساواة مع القرآن.(50) و تتحدث الموسوعة الفرنسية عن دورهم الاجتماعي فتذكر: إن المسلمين السود قد أسسوا مدارس في أكثر من خمس وأربعين مدينة، وهم يروجون محاصيلهم الزراعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميريكية يحملونها بوسائلهم من شاحنات وطائرات. إن مجلتهم Muslim W0rld News من أكثر المجلات انتشارا بين السود. ومن المهام التي نجحوا فيها العمل على إصلاح المساجين كي يتمكنوا من الاندماج في الحياة المدنية من جديد وكذلك مع المدمنين على المخدرات والكحول.وبالرغم من أنه لا توجد إحصائية رسمية فإن عدهم مقدر بمائة ألف في أميركا.(51) ثالثا :المهاجرون خارج أوطانهم طلبا للرزق. هؤلاء المهاجرون للقيام بالأشغال البد نية هم على أنواع: 1) منهم المغامرون الذين أبعدوا في الرحلة فنزلوا في القارة الأميريكية، ليتمكنوا من جمع أكثر ما يمكن من المال ثم يعودوا إلى بلادهم. لكن بعضهم قد نجح في أعماله واستطاع أن يتأقلم مع المجتمع الأميركي فقرر البقاء ودعا أهله وأقاربه للالتحاق به.ولكنهم كانوا أقليات محدودة جدا وموزعة وغير منظمة كامل النصف الأول من القرن العشرين . 2) ومنهم من هاجر إلى أوروبا طلبا للرزق، وقد عمل على تضخيم عدد المهاجرين إلى القارة الأوروبية وخاصة في النصف الثاني من القرن الماضي عوامل: - قرب المسافة بين سكان جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وشماله، حتى وصل الأمر ببعض المغامرين في السنين الأخيرة إلى أن يخرق البحر والحدود بإمكاناته الجسدية، أو في قوارب غير مجهزة بما يضمن السلامة، وابتلع البحر عددا غير قليل منهم. - استعمار أوروبا للعالم الإسلامي من القرن الثامن عشر إلى النصف الأول من القرن العشرين. وقبلت أوروبا معظمهم للقيام بالأشغال الشاقة, أو الخطرة على الصحة، أو التي لا يرضى الأوروبي أن يقوم بها. - الدمار الذي لحق أوروبا من الحرب العالمية الثانية، ونهضتها لبناء ما هدمته، وانطلاقها في ميدان التصنيع بخطوات واسعة مما أحوجها إلى الأيدي العاملة. - الأجور المغرية في أوروبا إذا ما قيست بالأجور في أقطارهم الأصلية، وتفشي البطالة بين المقتدرين على النشاط لضعف البنية الاقتصادية في العالم الإسلامي. - تمكن المهاجر إلى حد، من الحديث بلغة البلد الذي يقصده، ولهذا نجد الوافدين من الهند وباكستان يكثر التحاقهم بانقلترا، وسكان شمال إفريقيا بفرنسا وبلجيكا مثلا. - تشجيع الحكومات للهجرة باعتبارها موردا مهما للعملة الصعبة بما يرسله المهاجرون إلى أسرهم وإلى أهلهم من أموال، وبما ينفقونه عند عودتهم في العطل السنوية، مما يعتبر أحد عوامل التوازن المعتمدة في الميزان العام والدخل القومي. وهؤلاء المهاجرون منهم من يعود إلى وطنه عند بلوغه سن التقاعد أو لغير ذلك من الأسباب. ومنهم من تأقلم مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية في بلد إقامته، وتحصل على الجنسية مع أولاده وزوجته.وهؤلاء ما تزال تشدهم إلى أوطانهم الأصلية عواطف صلة القربى والحنين الفطري إلى مراتع الصبا. وعلى جميع الأحوال فهم المعرضون أكثر من غيرهم من المهاجرين إلى المشاكل التي تتعقد مع تقدم الزمن وأهمها: - معظم هؤلاء لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الابتدائي، ولذا تجد انبهارهم بمظاهر الحياة الغربية قد يسلبهم اعتزازهم بمقوماتهم الحضارية، ويسهل اندماجهم فيها بالتقليد غير الواعي القاصر على المظاهر واللذة والمتعة، فتمسخ هويتهم، دون أن يصلوا إلى المستوى الذي يقبلهم فيه المجتمع الغربي كمُكَون من عناصره تبعا لعوامل الرفض المبنية على الاختلاف في العرق واللغة والدين، وإن كانت غير مصرح بها ولا معلنة بوضوح. - إن التقدم التقني مكن المصانع والإدارات من البرامج الالكترونية التي يستطيعون بواسطتها الاستغناء عن كثير من العمال. وفي مقابل هذا لم يتطور اقتصاد البلدان النامية تطورا يستوعب الأيدي العاملة. وفي مواجهة ضيق مسالك التحصيل على الرزق لألئك العمال، يخاطر عدد غير قليل منهم فيهاجرون إلى أوروبا هجرة غير قانونية، مرفوضة من أوروبا الموحدة. ويكونون معرضين في كل لحظة إلى القبض عليهم وإرجاعهم إلى أوطانهم الأصلية، كما أن المصانع وهي مراقبة لا تقبلهم ولا تمكنهم من العمل. وأمام هذه المضايق يتصيدهم تجار المخدرات، والفساد والشذوذ والدعارة، وينضاف إلى إقامتهم غير الشرعية سقوطهم في حمأة الجريمة. ثم يعودون إلى أوطانهم بعد أن يكون فريق منهم قد قضى مدة وراء قضبان السجون، وآخرون يعودون وهم يحملون أوبئة جنسية يزرعونها فتنتشر العدوى مخربة صحة مواطنيهم. - إن الاستغناء الذي ذكرحادة وينتهي العاملة وغلق أوروبا أبوابها في وجه الواردين من الجنوب، دفع بعضهم إلى الزواج كيفما اتفق بمواطنة من البلد الذي يقيم فيه، حتى يتمكن من التحصيل على الموافقة القانونية للإقامة من السلط المعنية.ومعظمهم يتعرض لمشاكل حادة وينتهي الزواج بالفشل الذريع، وضياع الذرية. - والخطر الكبير هو ما يكون عليه الجيل الثاني. ذلك أن المستوى الضعيف الذي عليه أصولهم من الناحية الثقافية، وكذلك الدينية في كثير من الأحوال، يجعل هذه الإمكانيات المحدودة تضعف عن مقاومة مغريات التغريب التي تؤثر بعوامل المدرسة والأقران والبيئة الثالثة. وكلما زاد التواصل في الإقامة امتدادا مع الزمن زاد معه الاندماج قوة وإحكاما، وبالتالي تنقطع جذور الانتماء الأصلي، وتحتل الواجهة آثار الصدمة الحضارية الغالبة. ولذا لا تعدم أن ترى من بينهم من يحمل اسم بول صالح وألفرد محمود وألبارت حسان. وقد حدثني أحدهم أن ولده قد تأثر عندما سمع بوفاة عمه فاشترى شمعة له وذهب فأوقدها له في الكنيسة المجاورة، يريد أن يبين لي مقدار تعلق ابنه بالعائلة وحبه لها. رابعا : المهاجرون لمواصلة دراساتهم العالية في النصف الثاني من القرن العشرين تضاعف عدد الطلبة الذي قصدوا الجامعات في أميركا الشمالية وفي أوروبا وقد كان بعض هؤلاء قد تم استلابهم في مراحل التعليم الثانوي، فانصرفوا عن الدين وعن قيمه، ولم يروا في مواطنيهم إلا تراكمات من التخلف وخيل إليهم أنهم أسمى منهم ويودون قطع صلة انتسابهم إليهم، لقد انبهروا بالحياة الغربية تبعا لما درسوه من الأدب والفلسفة التي امتزجت بأرواحهم وأذواقهم وبالتالي بعقولهم، فاغتربوا بمداركهم قبل أن يغتربوا بأبدانهم. وعدد غير قليل منهم قد اختار البقاء في الغرب وتزوج هناك وكانت ذريته أشد إيغالا منه قاطعة الصلات مع الوطن والعائلة والتقاليد. وقسم آخر انتقل إلى الجامعات الغربية وهو محصن بدينه وخلقه وطهارته، معتز بثقافته. الرؤية واضحة عنده، هي أنه التحق بالجامعات الغربية ليأخذ عنهم العلم الذي هو قدر مشاع بين البشر جميعا، والتقنية التي تمثل قدرة الإنسان على التحكم في المادة بأفضل طريقة، وهي أيضا قدر مشاع بين البشر جميعا.أما الأخلاق والتعامل بين البشر والنظرة إلى الوجود وعلاقة الإنسان بالكون وخالقه، فهو واثق بأنه غني عن الغرب. وهؤلاء لسعة مداركهم وقوة شخصياتهم وأصالة ثقافتهم، قد كان لهم التأثير الصالح على الأقليات الإسلامية في الغرب. ففي أميركا الشمالية تأسست رابطة الطلاب المسلمين(msa )في أوربانا بولاية إلينوي سنة 1963 ضمت الجمعيات الطلابية التي كانت موزعة، وكان الالتزام بالإسلام يتخطى أي انتماء آخر، هدفهم اعتماد الإسلام إطارا فكريا وأسلوب حياة ورسالة، ليصلوا لتكوين مجتمع مثالي، وخدمة الإسلام. وتطورت أنشطتها، واستفادت من التجربة الواعية قدرة على مزيد إحكام للتنظيم، والتخطيط البصير للمستقبل. وفي سنة 1975وافقت الجمعية العمومية خلال مؤتمرها السنوي في توليدو بولاية أوهايو، على إدخال تغييرات على دستورها أدت إلى بعث أمانة عامة من عاملين متفرغين، وأنشئ مقر دائم للرابطة في مزرعة ضخمة بولاية إنديانا ( مساحتها500 ألف متر مربع قيمتها نصف مليون دولار ) وأنشئت إدارات للتعليم والنشر، والتدريب والعلاقات العامة والمالية والإدارة. وكان كل العاملين في المنظمة يحمل درجة الدكتوراه في مجاله. وأنشأت الصندوق الاستئماني الإسلامي الذي يتولى ضبط مالية المنظمة واستثماراتها، وأشرفت على الصندوق التعاوني المعروف باسم أمــانة (amana) كما كونت مؤسسة أخرى باسم مركز التدريب الإسلامي (itc) مهمة المركز بالدرجة الأولى هي التعليم الديني، والتدريب، ونشر الإسلام، وتوزيع المطبوعات الإسلامية. والملاحظ أن كثيرا ممن أتموا دراساتهم ودخلوا ميدان الحياة العملية واصلوا نشاطهم في الرابطة، وكانت الرابطة بالنسبة لهم المدرسة التي يستطيعون من مواصلة الانتماء إليها تعزيز شخصيتهم الإسلامية. والتنظيمات الخاصة المعترف بها التي كونوها حافظت على صلتها بالرابطة، مثل جمعية العلماء والمهندسين المسلمين الأميريكين (amse) وجمعية علماء الاجتماع المسلمين الأميريكيين (AMSS) والجمعية الطبية الإسلامية (IMA ) (52) خـامسا :المناطق الإسلامية التي استحوذت عليها دول غير مسلمة مجاورة أقوى منها، وتعسفت في معاملتها، وبقوة السلاح وخبيث المكر تريد أن تبقيها تحت سيطرتها. وقد ظهر هذا بصفة خاصة في السياسة التي سارت عليها روسيا خلال القرنين الماضيين، فقد ابتلعت دولا إسلامية عديدة. ثم إنها ارتبطت معها في الظاهر بمعاهدات تعطيها بها حكما ذاتيا، إلا أنه في واقع الأمركانت معاهدات مغشوشة ومفروضة تكرس سيطرة الروس، وتمكنهم من الاستيلاء على ثرواتهم وخاصة من البترول والغاز والذهب وأنواع أخرى من المعادن. ولنأخذ الشيشان صورة من صور التحكم الروسي في المسلمين الشيشانيين. أسلم أهل الشيشان في القرن السادس عشر. وانتشرت بينهم الطريقة النقشبندية، وقاوموا المطامع التوسعية الروسية مقاومة بطولية، وهم الذين قادوا الثورة القوقازية ضد المحتل الروسي في القرن التاسع عشر والتي انتهت باستسلام القائد الشيشاني البطل باساياف سنة 1859، وفي عام 1917أعلنوا استقلالهم. وكانت أرضهم مسرحا لمصادمات عنيفة بين الروس البيض، والبلاشفة. وبانهزام الروس البيض في سنة1920 ألحقت بالجمهورية الاشتراكية السوفياتية المستقلة بالجبال التي تضم دول القوقاز. وفي عام 1934ضمت روسيا جمهورية الشيشان إلى جمهورية أنقوشيا. وأخذت اسم الجمهورية الاشتراكية السوفياتية المستقلة للشيشان وأنقوشيا في ديسمبر عام 1936- واحتلت ألمانيا أرض الشيشان عام 1942 هادفة إلى التمكن من السيطرة على منابع النفط بباكو، وحلت الجمهورية.وبعد نهاية الحرب اتهمت روسيا سكان البلديالأنقوش.ن مع ألمانيا، وأجلاهم ستالين بالقوة إلىالأنقوش.كما أجلى بقية المسلمين من سكان القوقاز كالشركس وغيرهم0ثم وقعت إعادتهم إلى مواطنهم عامالأنقوش.رار سوفياتي في بقاء الجمهورية متحدة مع الأنقوش. وفي أكتوبر عام 1991 أعلن القوميون الشيشان المجتمعون في المؤتمر الوطني لشعب الشيشان بقيادة الجنرال دوداياف، أعلنوا استقلال الشيشان. ولكن روسيا اعترفت أولا بالتقسيم، ولكنها لم تعترف باستقلال الشيشان وقبلت الأمر كواقع دون أن تسمح بالانفصال. ثم إن الشيشانيين امتنعوا من التوقيع على المعاهدة المؤسسة للفيدرالية الروسية. فعمدت روسيا إلى فرض حصار اقتصادي على الجمهورية المستقلة. وفي سنة 1994اختار بوريس يلستين أن يتدخل عسكريا. مما ترتب عنه مجازر رهيبة، وكان وقعها الأكبر على المدنيين من جراء القصف المدفعي المكثف. وسقطت معظم المدن في أيدي الجيش الروسي في شهري فيفري و مارس 1995وبالرغم من تفوق الروس العسكري كشفت الحقائق أنهم عاجزون عن إخضاع بقية التراب الشيشاني. وقام الشيشانيون بحجز رهائن بصفة مذهلة. وحتى وإن أصيب الرئيس دوداياف بصاروخ روسي إصابة قاتلة فإن ذلك لم يؤثر على استمرار المقاومة. ولما أراد بوريس يلستين أن يترشح لانتخابات 1996 وجد نفسه تحت ضغط المشكلة المتمثلة فيما يلي: ما بين أربعين ومائة ألف قتيل من المدنيين، وأربعين ألفا تم تهجيرهم، وهزائم للجيش الروسي وخسارات كبيرة في صفوفه إذ بلغ عدد قتلاهم أكثر من أربعة آلاف، و تشهير العالم بما يجري في أرض الشيشان، وكذلك الرأي العام الروسي، وتململ داخل الجيش. وبناء على ذلك وقع قائد الجيش الروسي مع رئيس أركان جالجمهورية. أصلان مسخادوف اتفاقية تعترف بموجبها روسيا بالسيادة الشيشانية داخل الفيدرالية الروسية.وأجلت الاتفاقية إلى31 ديسمبر 2001 ضبط تفاصيل ميثاق الجمهورية . وفي عام 1997 انتخب أصلان مسخادوف رئيسا بأغلبية عريضة. وفي سنة 1997 وقع بوريس يلستين على وثيقة السلام مع أصلان، ووضعا بذلك حدا للحرب. ومن سنة 69إلى سنة 99 لم تستقر الأوضاع استقرارا كاملا في الشيشان، وتعللت روسيا بذلك ودخلت بجيوشها تعيد اكتساح الشيشان في سبتمبر 1999 واستمرت شهرين تقصف بمختلف الأسلحة الثقيلة العاصمة قروزني حتى فر منها أهلها وسقطت خرابا بأيدي الروس في فيفري 2000- وبعد انتخاب بوتين نصب في الشيشان حكومة موالية لروسيا تحت رئاسة أحمد قاداروف في جانفي 2001 و أسندت متابعة القضية والقيام عليها إلى مصالح الأمن الروسي ( الكاجيبي ) سابقا. ورغم أن روسيا تدعي أن المشكلة الشيشانية تسير نحو الحل فإن استمرار المقاومة كبد الروس خسائر فادحة. ثم إن انكشاف ما قام به الجيش الروسي من إبادة جماعية وتعذيب ومفقودين أوجب إدانة روسيا من الرأي العام العالمي. وكان الشيشانيون يلقون تأييدا من القوى العظمى، وتم اقتبال وزير خارجيتهم في واشنطن في مارس 2001- ولكن قضيتهم أخذت منعطفا آخر وخسرت التأييد الذي كانت تلاقيه غداة حوادث الحادي عشر من سبتمبر. واعتبروا إرهابيين 0(53) وسكتت الولايات المتحدة لتسكت روسيا عما تقوم به أميركا في الشرق الأوسط. والغطاء العنكبوتي الجديد هو الإرهاب. واصل المقاومون مقاومة روسيا بكل الطرق، ومنها ما تم في السنة الماضية من قتل رئيس الجمهورية الموالي للروس أحمد قاداروف، ومن أخذ كل الحاضرين في المسرح رهائن، هذه المأساة التي أنهاها الروس بطريقة وحشية بشعة و فظيعة. إن القضية الشيشانية تكشف أن سياسة القوى العظمى هي سياسة لا تقدر إلا المصالح الخاصة تقديرا ينفي كل اعتبار للقيم الإنسانية الرفيعة. إنهم إن تدخلوا فشهروا بظلم أو استنكروه فإنما يفعلون ذلك تبعا لغايات ليس فيها أبدا رعاية للموازين الخلقية، ولا نجدة ولاعطف على المقهورين والمستضعفين. ليس معنى هذا أن نقطع الصلة بهذه القوى، بل على العكس نتعاون معهم ونحن واعون بأهدافهم، ونكرس هذا التعاون لتحقيق المصالح الإسلامية و لا ننخدع بظواهرهم. إن ما يحويه العالم الإسلامي من قوى تجعل غيرهم لا يستطيع بحال من الأحوال أن يبني حضارته أو تقدم بلاده إذا هو ألغى من المعطيات ما للعالم الإسلامي من ثروات ومواقع متحكمة في أمن العالم العسكري والاقتصادي، فلا نتنازل عما وهبنا الله. ولكن هو التعامل الذي يفرض على الطرف الآخر الذي تسيره مصالحه أن يعلم أن مصالحه مع العالم الإسلامي مسدودة قنواتها إذا كان يضطهد من اهتدى بهذا الدين من الأفراد والجماعات. إن عقدة الخوف تقيد الأرجل وتطمس على العقول، وتبرر للخائف حلول الاستسلام والمهانة. على العالم الإسلامي أن يدرك قادته وشعوبه أن عليهم أن يتحرروا من الخوف وقبول ما يحاول المستكبرون فرضه عليهم. قال الله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذي آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين*وليمحص الله الذي آمنوا ويمحق الكافرين ) (54). إن الشيشانيين ظهروا على مسرح الأحداث لأنهم بمقاومتهم الباسلة، وتقديمهم للتضحيات أجبروا العالم وقوى الإعلام أن يلتفتوا إليهم وأن ينقلوا أخبارهم، فتبرز مشكلتهم كإحدى المشاكل العالمية التي تهدد السلام العالمي والحقيقة هي: أنهم ليسوا وحدهم بين أشداق الوحش الروسي، بل إن كثيرا من مسلمي القوقاز وروسيا الوسطى بين ثقل طبقي الرحى المتسلطة العاملة على طحنهم. إن قضية الشيشانيين هي كالقضية الفلسطينية في القسم الذي سلمته الأمم المتحدة مغتصبة له من أهله الفلسطينيين وعمرته الصهيونية العالمية بشتات من مختلف الأعراق والجنسيات والحضارات، وبررت قيام دولة إسرائيل وطرد السكان الأصليين من أراضيهم وديارهم ومراتع صباهم ومستودع ذكرياتهم، بررته بالشرعية العالمية ( شرعية الغاب ). فكلا الشعبين يمثل مأساة الاضطهاد والتشريد والتسلط والاغتصاب. إن الوحدة الجامعة بين المؤمنين من وحدة العقيدة ووحدة الشريعة ليحمل كل فرد من المؤمنين مسؤولية القيام بما تقتضيه هذه الوحدة من دفاع ونضال لحماية كل مضطهد سواء أكان فردا أو جماعة أو قطرا، حتى يتمكن كل فرد من حريته في ممارسة ما تقتضيه عقيدته، فشرفه عندما يلتزم تلك الممارسة، وسيبقى الغاصب غاصبا لا يرفع طول مقامه حق من اغتصبه، ولا يخوله أي شرعية. إن مفهوم الوحدة الإيمانية هو مفهوم لا يؤخذ من نص واحد لأن النصوص الدالة عليه من الكثرة والبيان والوضوح بلغت درجة ارتفع بها إلى مستوى الضروريات التي عبر عنها الأصوليون بحفظ الدين الذي يحتل المرتبة الأولى في مراتب المصالح المعتبرة. سادسا : السياسيون المعارضون الذين فروا إلى الغرب، وتمكنوا من الإقامة في البلد الذي قبلهم. وهؤلاء بهم شوق كبير للرجوع إلى أوطانهم ويتربصون أول فرصة تسنح لينشطوا داخلها حسب المبادئ التي آمنوا بها المشاكل التي تواجهها الأقليات الإسلامية القضية الأولى التي تطرح، هي أنه هل لهذه الأقليات من حقوق وما هو سندها؟ هذه الحقوق أقرتها المواثيق الدولية التي التزمت بها دول العالم ووقعت عليها ضمن حقوق الإنسان التي هي سند السلام العالمي. وبالنسبة للمقيمين في الغرب من المسلمين فإن هذه الحقوق ليست منحة من الرجل الأبيض الثري المستعلي، ولكنها حقوق بذل ثمنها مقدما المسلمون، من دمائهم ونشاطهم الفكري والعضلي. 1) إن المسلمين من معظم الأقطار قد أسهموا إسهاما فعالا في انتصار العالم الحر في الحربين العالميتن اللتين هددتا الحضارة الغربية في وجودها، و من أمثلة ذلك ما تحدثت عنه وسائل الإعلام وسجلته وثائق الحرب العالمية الثانية من البطولات والشجاعة والتصميم في كثير من المجابهات العسكرية وبخاصة معركة كاسينو إحدى المعارك الفاصلة التي جرت في جنوب إيطاليا، والتي كانت كتائب شمائل إفريقيا هي التي دحرت العدو واقتلعت النصر وفتحت لجيوش الحلفاء الباب للتدفق إلى الشمال فأحاط فك الكلابة الشرقي بجيوش المحور. 2) إن أوروبا بعد أن هدمت الحرب مصانعها وخربت ديارها وقتلت أعدادا كبيرة من عمالها أسعفها العالم الإسلامي بالقوى البشرية التي أسهمت في الصناعة وبناء المساكن وتعبيد الطرق وإنشاء المواني والبنية التحتية بصفة عامة، فالرفاه والثراء والمدنية التي ينعم بها مواطنوها، نصيب واضح منها من صنع المسلمين. 3) إن الغرب يحمل وزر الاستعمار من القرن الثامن عشر إلى العقد الأول من النصف الثاني من القرن العشرين.وقد عمل طيلة ذلك الزمن الثقيل على سلب خيرات الشعوب المستعمرة وتعطيل تقدمها الاقتصادي، وفرض عليها أن تكون سوقا لمنتجات المستعمر. فالأراضي الخصبة استولى عليها المستعمرون، والتصنيع الذي أخذت بوادره تظهر وتحول العالم الإسلامي من الصناعة التقليدية اليدوية إلى الصناعة الآلية بما يتبع ذلك من ثراء وامتلاك للتقنيات الآلية قضت عليه. ومن أمثلة ذلك ما وثقه ابن أبي الضياف فذكر أنه في شعبان 1243/1819 تم إنشاء أول سفينة حربية (كرويطة) (corvette)في دار الصناعة بتونس في عهد محمود باشا باي (56) ثم إن المشير أحمد باشا باي أهدى للدولة العلية ( تركيا) في أواخر محرم سنة1258 /1842 هدية لتمكين أواصر الود بين تركيا وتونس منها سفينة حربية من النموذج السابق كما يقول ابن أبي الضياف: كرويطة متمومة بمدافعها وسائر ما يلزمها وهي من عمل تونس. ثم يذكر مشهد تسليمها فيقول: ولما وصلنا القسطنطينية العظمى، قابلتنا الدولة العلية بما يقتضيه فضلها، وقبلت الكرويطة أحسن قبول، وأتاها السلطان عبد المجيد، وطلع إليها وأكل فيها ما أعددناه لتلقيه، وقابلنا في الجفن المعروف بالمحمودية...... ووزير البحر يومئذ طاهر باشا، والصدر الأعظم عزت محمد باشا (57) كما يحدثنا أنه تم إنشاء مصنع للملف (قماش صوفي رفيع) يقول ابن أبي الضياف: وفي سنة 1260/1844تم بناء دار الملف التي أنشأها الباي حذو قنطرة محمد باي بطبربة ( قرية تبعد عن العاصمة 20ميلا) يحرك الوادي آلاتها على أسلوب معجب باعتبار حالة هذه المملكة إذ لم يتقدم مثلها مع ما فيها من مصلحة البلاد وأرخها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم بما نصه: أرحها فقد أبلى السنابك وخـــدها ** وأتعبها غور الفلاة ونجدها وألق عصا التسيار إن كنت طالبا** عجائب آثار الملوك تــعدها ويختمها بقوله: فجئت بها مع وصف حال مؤرخا ** مصانع ما فوق البسيطة ندها ويوم تطهرت تونس من رجس الاستعمار لم يكن بها ولو مصنع للإبر 4) إن ثروات الأرض والمعادن قد استحوذت عليها الدول المستعمرة وأضافتها إلى ثرواتها، فتركت أهل البلاد المستعمرة نهبا للفقر والخصاصة، رصيدهم لبناء اقتصادهم الفقر وقلة ذات اليد، وليس لهم من سبيل إلا الالتجاء إلى الغرب يقترضون منه بالربا. وبهذا ضاقت فرص العمل في بلدانهم. فإذا ما هاجروا إلى الغرب الذي سبق له أن امتص ثرواتهم، فإن ذلك استرجاع لبعض حقهم المسلوب، ولم يأخذوه منحة وإنما هو بعرق الدماغ وعرق الساعد والجبين. فمن الوقاحة ما تصرح به بعض وسائل الإعلام: إن على هؤلا الوافدين أن يعودوا إلى بلدانهم، وكذلك ما اتخذته بعض الأنظمة من التشجيع على العودة بما يسمونه( منح مساعدة ) المشاكل التي تواجه الأقليات المسلمة وبعض المقترحات للتغلب عليها إن القسم الأول من المنحدرين من أعراق غربية سواء أكانوا من العلماء أو من ذالاختيار.السليمة، أومن الذين دخلوا في الإسلام لتسوية أوضاعهم القانونية في الزواج والحقوق المترتبة عليه كالميراث هؤلاء لا يتعرضون لمشاكل كبيرة لكونهم اعتنقوا الإسلام.ولكن هذا لا يعني أنهم بعد أن هداهم الله لا تنتظرهم بعض المشاكل تبعا لهذا الاختيار. على سبيل المثال ما يحملونه من ثقافة صاحبتهم السنين السابقة، والتي تؤثر حتما في اختياراتهم وسلوكهم، وبعضها مما لا ينتبهون إلى ما يشوبه من ترسبات تلكم الثقافة المغايرة للثقافة الإسلامية.ومن ذلك أن محيط علاقاتهم الاجتماعية يتأثر حتما بإسلامهم، فعندما يرغبون في الزواج إن كانوا عزبا، أو أولادهم فإن اختيار القرين يجب أن يخضع لأحكام الإسلام، و يضيق نطاق الاختيار. ومنها مقدار معرفتهم بالأحكام العملية الإسلامية. ومن أفضل الحلول في نظري أن يعتني الطلبة المهاجرون والعلماء المستقرون من المسلمين بهم، وأن يكونوا مؤسسات مشتركة من جمعيات وفضاءات لمختلف أنواع النشاط، فيتم الاتصال ويتعمق الود حسب قانون تأثير المعرفة في قبول الآخر والتفاعل معه, وأما الأميركيون المنحدر ون من أصول إفريقية والمعبر عنهم بالمسلمين السود فإنهم قد اقتلعوا كثيرا من حقوقهم، وقابلوا تطرف المهاجرين البيض إلى أميركا بتطرف مضاد معتبرين أن السود أفضل من البيض، بل إن بعض طوائف منهم من غير المسلمين ادعوا أن الله أسود لأن الأسود أفضل من الأبيض ولا يكون الإله إلا من الجنس الأفضل. كما انحرف كثير منهم عن الإسلام فكرا وعقيدة وعبادة وينتسبون رغم ذلك للإسلام باعتبار أنه الذي حققوا به ذاتيتهم، وننوه بالحركة التصحيحية لوارث الدين محمد في التزامه بالشريعة الإسلامية مطهرة مما أدخلها عليها والده من تصورات لا أساس لها ولا سند، ومن نبذه للكراهية للجنس الأبيض، وفي ذلك منطلق قوي لما يمكن أن يأتلف بينهم وبين المهاجرين من المسلمين إلى أميركا من وحدة تكون خيرا على المسلمين وعلى الأمير كيين. وذلك لأن جذورهم في أميركا لا تختلف في أصالتها وامتدادها عن أصول البيض، وقدرتهم على استيعاب بني عمومتهم وجلبهم إلى الإسلام أمضى من دعوة المهاجرين من غير السود. وأما الأقليات من الطلبة المسلمين الذي هاجروا إلى الفيه.استكمال دراساتهم التخصصية، ثم اختاروا بعد التخرج البقاء، واحتلوا مراكز وإن اختلفت في أهميتها إلا أنها في مجموعها مراكز محترمة ولها تأثيرها.إن وضع هؤلاء يختلف حسب نظم ونظرة البلد الذي يقيمون فيه.فقد كان لهم مثلا دور بارز في الولايات المتحدة وكندا قبل الحادي عشر من سبتمبر، وكان اندماجهم في المجتمع الأمريكي الاندماج العقلاني، فهم يعتبرون أنفسهم مواطنين للبلد الذي يعيشون فيه ويعملون على رفاهيته وأمنه، و تُسهم مجهودا تهم الفكرية والإنتاجية في مسيرة الرقي والازدهار. وهم من ناحية أخرى حريصون أشد الحرص على التمسك بهويتهم، معتزون بأعراقهم، يهتمون بمشاكل إخوانهم المسلمين، ويمثلون بسلوكهم وتطبيقهم للمنهج الإسلامي في العلاقات البشرية الصورة المؤثرة في كل من يتابعها. ولعل من أهم مشاكلهم القضايا الأسرية في أولادهم عندما يبلغون سن الزواج، وكذلك المدارس التي تتولى تربيتهم تربية تمكنهم من المستوى المعرفي الذي يفتح لهم أبواب التخصص العلمي والتقني من ناحية ويعنى بالنواحي العقدية والسلوكية والعبادية. وكذلك الفضاءات الإسلامية الاجتماعية في الجد وفي الترويح. نعم إن بعضهم قد استطاع التغلب على كثير من هذه المشاكل بفضل إخلاصهم وعزيمتهم الفولاذية التي يسندها الإيمان والعلم، وكذلك اغتنامهم لبعض الظروف المواتية عندما سنحت، ولكن هذه المشاكل في مناطق غير قليلة ما تزال قائمة حتى إنها فرضت على بعضهم العودة إلى بلده حفاظا على دين أولاده واستمرار الإسلام في أعقابه. وأما الأقليات التي هاجرت طلبا للرزق فهي المعضلة الكبرى. أولا: شعورهم بذاتيتهم مختلف جدا. فبعضهم معتز بأصوله ملتزم بدينه، مستقيم في سلوكه، وهؤلاء هم القاعدة العريضة للمغتربين همهم في ضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم، سواء أكانوا مقيمين معهم في الغرب أو بقوا في بلدانهم يواجهون الحياة بالتدفقات النقدية من ذويهم. وبجانب هؤلاء قسم غير قليل منحل، مبهور بالأضواء الراقصة على الواجهات، مغرم بالتقليد في السفا سف و في النواحي السلبية للحضارة الغربية. لا يذكرون الله إلا قليلا وهم عن الآخرة هم غافلون. خرجوا من بلدانهم تعمر أدمغتهم أنانية هابطة، وغرائز عارمة، وصور للحياة الحيوانية تبيح لهم كل سلوك وتدفعهم للفساد والشر. إن هذا الخليط يواجه كله على درجة متفاوتة عوامل التغريب والهضم. أما النوع الأول فإن مشكلتهم ليست في ضمان حقوقهم في أجورهم وعطلهم ونحو ذلك، فهذا وإن كان هاما إلا أنه في الدرجة الثانية، ويوجد في الغرب من المؤسسات المدنية من يقوم بالدفاع عنهم ويضمن لهم معظم تلك الحقوق، كلما كان دخولهم إلى البلدان الغربية واستقرارهم فيها حسب قوانين البلد، ولكن المشكلة الكبرى هي في عوامل اقتلاع جذورهم، ومسخ ذاتيتهم، وبالتالي انبتاتهم عن المحضن الثقافي الذي يتحقق به وجودهم الإنساني، الذي يحميهم من الضياع والإحساس المر الأليم به، ويجعلهم كالريشة الطائشة في مهب الريح ليس لها قرار. وأما النوع الثاني فمشكلتهم أعمق، واستعدادهم للالتحاق بطابور الرذيلة والشر والفساد كبير. لا تتوقف جنايتهم على أنفسهم ولكن بكل أسف تتعداهم لتوسع الهوة وعوامل الرفض الكامنة في عدد غير قليل من الغربيين. إنهم بسلوكهم وتحللهم الخلقي يؤيدون الحجة التي يتذرع بها المتعصبون فيجدون من ذلك المبرر لما ينادون بها من وجوب تطهير مجتمعاتهم من الهمجية والجريمة والخوف التي يدعون أنها قد استفحل أمرها بسب الاختلاط الذي نشأ عن الهجرة. وهؤلاء باعتبار أن شعورهم بالانبتات يطغى على كل رقيب داخلي، ويجردهم من كل حصانة دينية أو خلقية أو حضارية، فإن مشاكلهم من العسر والتعقيد قد بلغت حدا خطيرا. وعلى دولهم، وعلى البعثات الدبلوماسية على مختلف مستوياتها وعلى الجمعيات الإسلامية في الغرب، عليهم جميعا أن يحللوا هذا الوضع تحليلا موضوعيا، ثم من المتحتم أن تتآلف جهودهم لتحويل خط سير هؤلاء شيئا فشيئا، والدواء الأول هو ضبط مراكز تواجدهم والاتصال بهم، وإعادة غرس الانتماء في ضمائرهم. إنها مهمة ليست سهلة ولكنها شاقة وعسيرة تفاقمت بتراكم إهمالها وتضخم العدد. إن جميع الصعوبات يمكن تذليلها والتغلب عليها متى صدقت العزائم وقوي الإخلاص وحسن التوكل والاعتماد على الله. وبجانب مشكلة الهوية المهددة جملة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تقتضي الدراسة والتأمل والسعي الجاد والمتتابع الصبور للظفر بالحلول، ثم العمل على تنفيذها. تتمثل الهوية أولا في مساعدة الفرد على ممارسة حياته حسبما تقتضيه عقيدته، فلا يفتن في عبادته ولا فيما يتناوله من الأغذية ولا في إجراء حياته الأسرية على القيم التي يؤمن بها. وتتمثل الهوية ثانيا في لغته، إذ اللغة هي مجلى أفكيتلوه.افته، ووسيلته للاتصال مع بني جنسه، ومع دينه، ومع تاريخه.تظهر بصفة خاصة هذه الإشكالية في الجيل الثاني وما يتلوه. فإذا كان المهاجر الأول قد هاجر وهو يحذق لغته، فإن الجيل الثاني وما يتلوه بعامل الدراسة، وبعامل البيئة، وبوسائل الإعلام القوية الغازية، يكون عاجزا عن التلقي أو الإبلاغ باللغة الأصلية لأسرته.وبعجزه ذاك تتقطع الروابط بينه وبين البلد الذي هاجر منه والداه، ويسلخ ثقافيا سلخا مشوها. لقد نما عدد المسلمين بالغرب نموا مطردا من النصف الثاني للقرن الماضي. ولتحقيق فاعليتهم في المجتمعات التي يعيشون فيها لا بد لهم من تنظيم حياتهم الاقتصادية تنظيما يوفر لهم الرفاه المادي من ناحية و يمكنهم من التأثير في المجتمع الغربي الذي يقوم على سلطان المال. هم في حاجة إلى استقرار في بيوت يملكونها، ومن موارد مالية تساعد أولادهم على المضي في الدراسة إلى المدى الذي تسمح به مؤهلاتهم. وفي هذا الباب لا غنى لهم عن التكتل الاقتصادي بإقامة مشاريع اقتصادية يسهمون فيها بما يوفرونه، وإيقاظ روح التعاون فيما بينهم. إن الأقليات الإسلامية لا بد لها من تنظيم علمي محكم للنواحي الاجتماعية التي تمكن لها من الاحتفاظ بهويتها كالمساجد، وتأسيس الجمعيات التي يعودون إليها في الشدة والرخاء في المنشط والمكره.وأول شيء ينبغي العناية به هو التعليم، هو إنشاء المدارس والعناية ببرامجها عناية تفرز العقل البصير والروح المستنير و الخلق القويم والجسم السليم . لقد أسس اليهود في سنة 1860 المدرسة اليهودية L ALLIANCE ISRAILITE ضبطوا برامجها ونشروها في جميع البلدان التي يوجد فيها تجمع يهودي وتم الاحتفال بمرور مائة سنة على إنشائها سنة 1960 – ويكفينا حافزا للعناية بأمر التعليم أن أول آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم)(57). وهذا وفي خاتمة هذا البحث المتواضع أريد أن أنهيه بجملة من المقترحات الأساسية. 1) الاهتمام بضبط الواقع كما هو. وذلك بالقيام بإحصاء دقيق وعلمي يعرف من تهمه قضية الأقليات الإسلامية بعددهم في كل بلد يقيمون به، ذلك أن كل بحث وكل مجهود يكون ناقصا أو منحرفا إذا لم يتم حصر من يهتم به العامل في الميدان. يذكر الأمير شيكيب أرسلان في رسالته إلى أكرم زعيتر: ومن الغريب أن الإفرنج ينظرون إلى الإسلام في كل محل كأنه ساكن بقعة واحدة، وهم يجسون نبضه في كل قطر حتى يعرفوا كيف يعاملونه في القطر الإسلامي الذي تحت ولايتهم. تأمل إن فرنسا أرسلت بعثة طويلة عريضة أنفقت عليها أموالا لأجل البحث عن أهمية الإسلام في الصين، وهل هو هناك كثير العدد كما يقال أم لا ؟ لأن الأقوال اختلفت. فأنت ترى أنها لأجل سياستها في مسلمي المغرب تريد أن تزن قوة الإسلام حتى في الصين....إذ هم لا يعلمون الإسلام إلا كتلة واحدة. ومثل فرنسا إنكلترة وهولاندة والروسية وإيطالية وإسبانية والجميع (58) 2) التتبع العلمي لجميع القوانين الداخلية والأممية التي تكون سندا لضمان حقوقهم. 3) مساعدة الأقليات على بعث جمعيات مدنية تدرس المشاكل العامة والخاصة وتقوم بما تحتاج إليه تلك الأقليات للاحتفاظ بهويتهم ولتنمية اقتصادهم، ولتمكينهم من فضاءلت مختلفة لإبراز هويتهم من ناحية ولتمكين التعارف بينهم من ناحية ثانية، وللترويح عن أنفسهم من جهة ثالثة. 4) العمل على أن تقوم العلاقات على الانتماء للإسلام الموحد لا الانتماء القطري المتعصب الذي كان سببا لفشل كثير من الجمعيات. فتسند مثلا مسؤوليات العمل في الجمعية المسلمة للكفاءة التي للفرد. ليكونوا دوما تحت راية قوله تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون (59) وقوله تعالى (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون (60) لقد تابعت تمزقا مؤسفا في بعض الجمعيات في الغرب دفعه التعصب من أتباع بلد رغبة في أن يستحوذوا على تسيير الجمعية. 5) أن يتحلى المدافع عن القضايا الإسلامية بأدب الخطاب، وأن لا يعنف في حديثه لا في الصيغة ولا في الكيفية ولا في المضمون. فقد استعمت إلى عدد غير قليل من المخلصين المتحمسين لقضايا الأقليات الإسلامية، وكان خطابهم لم يخل من الكلمات الجارحة، (الظلم والاستبداد وعدم الحياء) إلخ وترتفع أصوات بعضهم إلى مستوى الصخب. والحجة تضعف بالصياح وتقوى بالإلقاء الرصين لأن الأول رشح العاطفة والثاني سبيل العقل الهادىء المؤثر. وعلى المدافع أن يعلم أنه ليس محاكما للأنظموحججه.ية، هي أنظمة رضي بها أهلها، والأقليات الإسلامية ترغب في الحياة داخل هذه الأنظمة، وما اختارت الانتقال إلى الغرب إلا لمزايا في الغرب، فليبرز المدافع هذه المزايا ويؤكدها، ويجعلها تقتضي أن لا يصحبها ما تتألم منه الأقليات الإسلامية.إن الهجوم يوقظ في الطرف الآخر رفض المهاجم وحججه. لقد علم الله نبيه والمؤمنين كيف يتألفون قلب من يدعونه بإظهار ما يوحد بينهم فقال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنز إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون(61) 6) أن يتم على نطاق واسع تبصير الأقليات الإسلامية بأن عليهم أن يجمعوا بين الإخلاص لهويتهم، وأصولهم الثقافية، وانتمائهم إلى الجامعة الإسلامية والقومية، وبين الإخلاص للبلد الذي يعيشون فيه ويتقاسمون أرضه وخيراته مع بقية المتساكنين، فيكونون حريصين جد الحرص على نمائه واستقراره وأمنه ورفاهيته، وأن يشاركوا المشاركة الفعالة في جميع القضايا التي تكون محل اهتمام جميع المتساكنين، حتى يظهر منهم من الواقع المطبق أنهم يعيشون في المجتمع لا على هامشه، وأن لهم الدور الفاعل في نجاح المجتمعات التي أووا إليها. وأن يهدفوا إلى بلوغ المناصب التي تخولهم الإصلاح والعدل من الداخل. وفي التجربة اليهودية ما يوضح ما ذكرته، لقد مضت قرون على المسيحيين وهم يعاملون اليهود معاملة قاسية، ينظرون إليهم باحتقار ويقرنون اليهودي بالقذارة فشاع في استعمالهم: يهودي قذر. sale juif . واستطاع اليهود اليوم أن يفرضوا احترامهم على جميع الشعوب الغربية، إن لم أقل جعلوا الغربي يخشى ويحذر أن يتجرأ حتى على معاكسة مخططاتهم أو نشر الحق الذي لا يرضون عنه، فضلا عن إذايتهم. 7) أن تهتم منظمة المؤتمر الإسلامي بتتبع الوضع الذي عليه المسلمون في كل بلد يكونون فيه أقلية ز فتضبط عددهم، وتتعمق مشاكلهم، ثم تعد تقريرا عنها وعن الحلول التي يمكن أن تساعد على حلها. 8) أن تضع مقدما استراتيجية لهذا العمل بعقد اجتماع مع وزراء الخارجية للدول الإسلامية تلتزم فيه كل دولة بأن تكلف كل بعثة دبلوماسية لها بتقديم تقرير عن دراستها لوضع المسلمين في نطاقها، ثم تقوم المنظمة بتقرير تأليفي يحدد الواقع بوضوح، من حيث الإنجازات التي تمت والاحتياجات مرتبة حسب أهميتها، و العدد الحقيقي أو القريب من الواقع لها. والمشاكل حسب درجة أهميتها. 9) أن يكون للمنظمة مدونة تجمع فيها كل القرارات الأممية التي اتخذت لفائدة الأقليات. وكذلك القوانين المحلية، ما هو في صالحهم وما هو في غير صالحهم.وأن ترفق استراتيجيتها السابقة باستراتيجية للدفاع عن حقوق الأقليات بالاعتماد على الموجود من القوانين والتراتيب وبالعمل على استحداث ما يوائم تلكم القوانين والمبادئ ونسخ ما يتناقض معها. 10) أن يقدر تقديرا علميا نمو الأقليات الإسلامية من ناحيتين: ناحية التكاثر الطبيعي، وناحية من سيلتحقون بالغرب في السنين القادمة. وهذا المنفذ أرى في الأفق نزول الستائر الحديدية العازلة والمانعة من تدفق المسلمين للعمل في الغرب، رغم افتقار دول الاتحاد الأوروبي حسب التوقعات إلى ما يقارب خمسة وعشرين مليونا من المهاجرين لضمان تطور الصناعة مع عامل الشيخوخة و الهرم لهذه المجتمعات، وذلك بالاستعاضة عن المسلمين بالمواطنين للدول الشرقية التي كانت تعيش في فلك روسيا، وانتشار البطالة بين مواطنيها. فعلى منظمة المؤتمر الإسلامي أن تعمل على مواجهة هذا التحدي، باعتبار أنه يؤثر في اقتصاد عدد غير قليل من الأقطار الإسلامية، وباعتبار أن نشر الإسلام في العالم من أهم طرقه هذا التمازج بين المسلمين وغيرهم في بلاد الغرب. 11) العناية بإنجاز برنامج تربوي يرعى المستوى المعرفي الذي يجب أن يكون مساويا على أقل تقدير لمستوى المدارس الحكومية، وأن تضمن مواده التحصيل على القاعدة الأساسية لربط التلميذ بثقافته وتحفظ هويته.ثم العمل على إنشاء المدارس في الأماكن التي تتجمع فيها الأقليات الإسلامية. يسهم في إنجازها أصحاب اليسار من الأقليات ومن أثرياء العالم الإسلامي. ويبحث إمكان أن يكون بعضها مؤسسات اقتصادية تدر ربحا. 12) أن تبعث جمعيات من العلماء المتميزين المقيمين في الغرب يتولون النابهين من التلاميذ المسلمين بالمساعدة ليتمكنوا في نهاية تعليمهم الثانوي أو في المراحل الأولى من التعليم الجامعي من النجاح في المناظرات للدخول إلى المدارس العليا، وإلى الالتحاق بالاختصاصات الفنية التي يختار لها الموهوبون. وذلك أنهم بتمكنهم من متابعة تعلمهم بهذه المدارس يكون منهم إطارات عليا في مختلف أنواع النشاط الحكومي والاقتصادي، كما يرتبط بينهم وبين النخبة صلات تصل بهم إلى مراكز مرموقة ومؤثرة تخدم قضايا الأقليات بصفة خاصة، وقضايا العالم الإسلامي بصفة عامة. هذا ما يسره الله لي في متابعة هذا الموضوع الممتد الأطراف المتعدد الجوانب. نحوت في تحريره منحى من حاول إلقاء نظرة شمولية بعيدة عن التفصيل و التعمق والتدقيق. والله أعلم وأحكم. وهو حسبي ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ملــخص البحــث اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد ما بنى الدولة الإسلامية بضبط حقوق كل المقيمين في الفضاء الإسلامي. وكانت هذه سنته كلما توسعت علاقاته وامتد نور الإسلام، يضمن دائما لكل فرد حريته وكرامته. وأعطى للوفاء بذلك ذمة الله وذمة رسوله وذمة المؤمنين لكل من يعيش داخل الدولة الإسلامية وإن رفض الدخول في دين الله وهم أهل الذمة. كما ضمن لمن يريد النشاط داخل حدود الدولة أيضا، الأمان على نفسه وماله وعرضه وجميع حقوقه في حدود المدة المتفق عليها مع المستأمن. والتعامل مع غير المسلمين في التجارة و غيرها لم ينقطع منذ العهد النبوي، وأما الاستعانة بغير المسلم في القتال فذلك من مواقع الخلاف بين الفقهاء، ولذا فإن المصلحة التي جاء بها شرع الله هي التي تحكم في الواقعة المعينة فينظر في كل حالة على انفرادها. أما إقامة المسلم في غير دار الإسلام فإن إقامتهم إذا أمنوا على دينهم، فهي مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية وخاصة في نشر الإسلام إذا التزم المسلمون السلوك الذي سار عليه الصالحون. والأقليات الإسلامية لم يقع إلى حد اليوم حصرها حصرا دقيقا ولا قريبا من الدقة مما يفرض العناية بذلك حتى يكون المهتمون بأمر تلكم الأقليات على بينة في ضبط الاستراتيجيات الفاعلة لحل المشاكل التي تعترضهم. والأقليات الإسلامية أنماط يمكن حصرها في المجموعات التالية. أولا : أبناء الأمم الغربية في أوروبا وأميركا الذين هداهم الله للإسلام من العلماء والمفكرين، أو من الذين يسر الله لهم الاختلاط بصالحي المسلمين فشاهدوا من استقامتهم وأمانتهم ما حبب إليهم الإسلام وزينه في قلوبهم، أو من الذين أسلموا ليتمكنوا من الزواج بمسلمة, ثانيا : من نشأوا في أميركا من المنحدرين من الأصول الإفريقية الذين استعبدوا ليقوموا بتعمير القارة الجيدة. وهؤلاء منهم من ينتسب إلى إسلام كما رسم صورته من خياله، ومنهم من يتمسك بالإسلام النقي من الدخيل والهوى.ولهم جمعيات عديدة نجح بعضهم نجاحا اقتصاديا مرموقا. وهم بانتسابهم للإسلام يمثلون قوة للأقلية المسلمة في أميركا. وعلى الأقلية المسلمة أن تتعاون معهم وتصحح شيئا فشيئا ما يستدعي التقويم بالحكمة والموعظة الحسنة. ثالثا : المهاجرون من المسلمين إلى الغرب طلبا للرزق تضخم عددهم بسبب قرب أوروبا من كثير من مناطق العالم الإسلامي وبسبب استعمار الغرب لبلدانهم، وللدمار الذي لحق بأوروبا من الحرب العالمية الثانية وحاجتها للقوى العاملة لتنهض باقتصادها، ولضعف الاقتصاد القومي عن تشغيل العدد الكبير من البطالين. وللأجور المغرية التي تتجاوز بكثير أجور بلدانهم. وقد شجعت الدول أبناءها على الهجرة لتحل بذلك مشاكلها الاقتصادية من ناحيتين، تشغيل البطالين الذي يمثل مشكلة اجتماعية إن تفاقمت أنذرت بالخطر، ولتغذي رصيدها من العملة الصعبة بما يتدفق منها نتيجة ما يوفره المهاجرون من أجورهم لأسرهم. وهؤلاء يعانون من مشاكل عديدة أخطرها الذوبان ومسخ هويتهم، وخاصة بالنسبة للجيل الثاني وما يتلوه. والسقوط في الحياة الهامشية المنحرفة لمن تسلل منهم إلى أوروبا مخترقا قوانين الهجرة. رابعا :الطلبة الذين التحقوا بالغرب لمواصلة تعلمهم العالي، ثم استقروا في الغرب بعد أن أتموا دراستهم ومنهم الإطارات العليا. وقسم غير قليل منهم كان لهم بحمد الله نشاط وتأثير إيجابي. وعليهم المعول في إعطاء الصورة المثلى للمسلم الحق الصالح، وخاصة في أميركا الشمالية. خامسا: المناطق الإسلامية التي استولت عليها دول غير إسلامية وضمتها لترابها فأصبح المسلمون أقلية بالنسبة للمجموع العام الذي تتكون منه الدولة. وهؤلاء قد بذلوا من التضحيات الشيء الكثير. وهم وإن كانوا يتمتعون بالعطف العالمي إلا أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فقدوا ذلك العطف وصنفوا في إطار الإرهابيين مما يفرض على المسلمين أن يناصروا إخوانهم المضطهدين. سادسا : السياسيون الذي فروا من بلدانهم خوفا من التعذيب والسجون.وهؤلاء يتربصون أول فرصة تفتح لهم باب العودة لأوطانهم. وتتنوع المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية تبعا لخصائص كل فئة. فالمسلمون المنحدر ون من أصل غربي لا يواجهون مشاكل كبرى. أما المسلمون المهاجرون فإن الطلبة الذي آثروا البقاء في الغرب بعد التخرج معظمهم أقدر على التأقلم والتأثير في المحيط الغربي. وعليهم المعول في حل كثير من المشاكل التي يعاني منها إخوانهم، وكما أنهم خير دعاة للإسلام في محيطهم الجديد. أما المهاجرون من العمال ومحدودو الثقافة فهم معرضون للذوبان وضياع هويتهم كما أن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية تحتم عليهم أن يبعثوا في محيطاتهم مختلف أنواع الجمعيات التي تعينهم على تحقيق حياة مستقرة. ولمنظمة المؤتمر الإسلامي الدور الكبير في التوجيه والمساعدة. الهوامش: _______________ 1) المعجم الوسيط ج2ص758 2) Encarta 2004 3) نفس المصدر 4) الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام ج4 ص241/243/295 والأموال لأبي عبيد215/219 5) سيرة ابن هشام ج4ص259 6) نفس المصدر ص266 7) التحرير والتنوير ج17ص223/2224 8) سورة التوبة آية 20 9) الموطأ شرح المنتقى ج2 ص 173 10) فتح الباري ج7 ص 69 11) المنتقى شرح الموطأ ج2 ص173 12) نفس المصدر 13) مشارق الأنوار ج2 ص246 14) فتح الباري ج 7 ص77 15) الجامع لأحكام القرآن ج8 ص115 16) سورة الإسراء آية 70 17) الجامع لأحكام القرآن ج8ص113 18) الأموال لأبي عبيد ص 140 الأحكام السلطانية ص 145 19) المنتقى ج 2 ص175 20) تفصيل ذلك ودليله انظر الهداية على بداية المجتهد ج6 ص96/99 21) الأموال لأبي عبيد ص55 22) شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 3 ص142 23) الأموال لأبي عبيد ص 50/51 24) المنتقى ج 2 ص176/177 25) الموطأ ح 367 ج 1 ص 377 26) سورة التوبة آية 6 27) الجامع لأحكام القرآن ج 8 ص 76/77 28) متفق عليه فتح الباري ج13 ص 275 29) رد المحتار ج 3ص249 نقلا عن فتح القدير 30) المدونة ج 3 ص 77/79 31) إكمال الإكمال ج5ص191 32) شرح النووي على صحيح مسلم ج7 ص488وابن عابدين ج 2 ص235 33) شرح الزرقاني على مختصر خليل ج 3ص 148 34) بدائع الصنائع ج6 ص 112/113 35) ابن عابدين ج 3 ص253 36) سورة النساء آية 92 37) الموسوعة الفقهية الكويتية ج 20ص206/207 38) التحرير والتنوير ج5ص178/200 39) سورة النحل آية 106 40) الجامع لأحكام القرآن ج 10ص 182/183 41) الأمة الإسلامية وقضاياها المعاصرة للشيخ عبد الوهاب عبد الواسع ص 341 42) محمد الرياني الوجيز في جغرافيا العالم الإسلامي ص46 43) الأقليات المسلمة في العالم ظروفها المعاصر ة ص 406 44) نفس المصدر ص 407 45) حاضر العالم الإسلامي ج 3ص 365/366 46) Encarta 2004 47) نفس المصدر 48) المسلمون في أميركا بحث الأستاذ قطبي مهدي أحمد ص 33 49) نفس المصدر ص33/34 50) نفس المصدر ص 36/37 51) Encarta2004 52) المسلمون في أميركا ص26/28 بحث د قطبي مهدي 0 53) ENCARTA2004 باختصار141 54) سورة آل عمران آية 139/140 55) إتحاف أهل الزمان ج 3 ص 129 56) نفس المصدر ج 4 ص 58/59 57) سورة القلم 1/5 58) رسالة الأمير شيكيب بخط يده ملحقة بالمحاضر الحكم أمانة ( المكتب الإسلامي ) 59) سورة الأنبياء آية 92 60) سورة المؤمنون آية 52 61) سورة العنكبوت آية 46