الهجرة/ الفرص والتحديات
أ.د. محمد علي آذرشب
أستاذ في كلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة طهران
مقدّمة
الهجرة الفردية والجماعية – مهما كان أسبابها ودوافعها - من أهمّ مقدّمات تعارف الشعوب. وهذا التعارف هو بدوره مقدمة لازمة لحركة الثقافة، والحركة الثقافية تؤدّي إلى قيام الحضارات.
فالهجرة مظهر حضاري نَعِم به المسلمون في عصر الفتوحات الإسلاميّة، وقامت على أثر تعارف الشعوب حضارة إسلامية متميّزة بين الحضارات التي شهدها العالم حتى اليوم، وهذا التمايز يتمثل في الجمع بين التطوير المعنوي والتطوير المادي للجماعة البشرية. وَينْعَم به المسلمون اليوم، ولكن بدوافع أخرى يجب أن تُؤخذ بنظر الاعتبار، كي تتحول الهجرة في عصرنا أيضا إلى تعارف وحركة ثقافية وإنتاج حضاري بدل الانكماش أو الانصهار.
التعارف والتحضّر
قال سبحانه: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(([1]).
هذه الآية الكريمة تشير إلى نوعين من التعددية الطبيعيّة في المجتمع البشري وهي التعددية الجنسية (الذكر والانثى) وهذه التعددية تؤدي إلى استمرار نماء البشرية كميّاً، أمّا التعددية الثانية بسبب عطفها على الاولى قد تتضمّن معنى استمرار النماء البشري كيفياً. والنماء البشري الكيفي هو حركة الإنسان على طريق ممارسة دور الاستخلاف في الأرض وإعمارها مادياً ومعنوياً، إنه بعبارة أخرى حركة الإنسان الحضارية.
المشروع الإسلامي بعقيدته وتشريعاته يتجه نحو إخراج الناس من البداوة إلى الحضارة، ومن الظلمات التي لا تسمح للانسان أن يتحرك نحو الله، أي نحو الكمال المادي والمعنوي، إلى النور الذي يفتح أمام الإنسان آفاق الطريق والمستقبل، إنه إخراج الناس من حالة الموت المتمثلة في جمود الحركة البشرية، إلى الحياة بكل ما فيها من رشد ونماء وتطوّر: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (([2]).
انطلاقا من هذه القاعدة، لا نستبعد ما يذهب اليه الباحثون من أنّ الحضارات في تاريخ العالم نشأت بأجمعها على أثر الهجرات البشريّة. والحضارة الإسلامية ليست بمستثناة من ذلك. ويكفي أن نقف عند اللقاء العربي الإيراني على سبيل المثال في الكوفة والبصرة وبغداد، ونيشابور وإصفهان وبخاري وسمرقند و.. لنرى أن هذه المدن كانت حواضر للقاء العرب والايرانيين، وبالتالي مراكز للحضارة الإسلامية.
أكبر خطر يواجه الحركة الحضارية هو «الاستضعاف»، وأنا أفهم الاستضعاف بأنه فرض حالة شعورية من الضعف والهزيمة على الإنسان تشلّه عن الحركة نحو كماله المنشود، أي نحو حركته الحضارية. من هنا جاء التأكيد على الهجرة للتخلص من هذه الحالة الشعورية، وبالتالي لممارسة دور الاستخلاف ودور الانطلاق الحضاري في الأرض، وإلاّ كان ظالماً لنفسه:
)إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً(([3]).
حالات المهاجرين من العالم الإسلامي إلى الغرب
اسمحوا لي أن أستعمل عبارة المهاجرين من العالم الإسلامي، بدل المهاجرين المسلمين، لاعتقادي أن أبناء هذه الدائرة من المسلمين والمسيحيين واليهود والزرادشتيين والصابئة وغيرهم يشتركون في جذور حضارية واحدة، ويواجهون تحدياً مشتركاً في هجرتهم، كما أنهم يتقاربون كثيراً في الآمال والآلام في دار الهجرة، ولنا في أدباء المهجر الشمالي والجنوبي الامريكي خير مثال على ما نذهب إليه.
الحالات المشهودة في هؤلاء المهاجرين على ثلاثة أنحاء: الانكماش أو الانصهار أو التعارف. وسأقف عند هذه الحالات الثلاثة من منظور حضاري:
الانكماش:
هي الحالة التي يتقوقع الإنسان على نفسه، ويرى أن الآخر الغربي شرٌّ كله، لا يجوز أن يسمع منه شيئاً، ولا يجوز أن يتعامل مَعَه، وهذه ظاهرة من ظواهر الركود الحضاري، لأن الجسم المتحضّر حيّ يأخذ النافع ويلفظ الضار، ويهضم، ويتمثّل، ويُثري وجوده بذلك، لكن حالة الركود الحضاري التي أصابت العالم الإسلامي أفقدت المسلمين قدرة الموازنة بين التحدي والاستجابة، وجعلتهم بين إفراط وتفريط. وهذه الحالة نقلها أبناء العالم الإسلامي إلى مهاجرهم.
جدير بالذكر أن هذه الحالة غذّتها عوامل خارجية تتمثل في استهانة الغرب بالمسلمين، وغرس روح الذل والحقارة في نفوسهم، واتخاذ المواقف الحاقدة تجاههم، كما غذّتها عوامل داخليّة تبلورت في فكر إسلامي تكفيري، وفي فكر قومي يتغنّى بالأمجاد ويستحضر الماضي أكثر من التفكير في الحاضر والمستقبل.
الذوبان:
هذه الظاهرة أيضا من مظاهر الركود الحضاري في العالم الإسلامي، إذ إنها نتيجة الهزيمة النفسية التي تدفع إلى الاعتقاد بضرورة سيطرة الثقافة الغالبة، واستحالة عمل أيّ شيء مع وجود هذه السيطرة.
الذوبان يؤدي إلى اتخاذ واحد من المسارين التاليين أو الاثنين معاً. مسار الذوبان الفردي في الغرب وثقافته حتى ينسلخ المغترب تماماً عن أهله ووطنه، ويعيش لبلدان الاغتراب ولمصالح تلك البلدان، وقد يُسخّر لما يعادي مصالح بلده. والمسار الثاني هو دعوة شعوب البلدان الإسلامية إلى التخلّي عن كل ما يمتّ إلى أصالتها بصلة، ثقافة الغرب قدوة في حياتها، وذلك في زعمهم الطريق الوحيد للتخلّص من حالة التخلّف.
التعارف:
رغم سيادة مظاهر الافراط والتفريط في الموقف من الغرب، بسبب حالة الركود الحضاري في أمتنا الإسلامية، لكن الجذور الثقافية الحيّة في أعماق المسلمين تدعوهم إلى عدم الاستسلام أمام هذه الحالة ومحاولة استعادة وجودهم الحضاري، وهذا ما نشاهده في مواقف كثيرة فردية وجماعية للمسلمين المغتربين، هذه المواقف يجمعها الايمان بأنّ الأمة الاسلاميّة مؤهّلة لأن تستعيد وجودها الحضاري، شرط أن تجعل خطابها متناسبا مع العصر، وتتحرّك بمستوى احتياجات العصر. عندئد تستطيع أن تقف على قاعدة صلبة من ثقافتها لتحاور الغرب، تأخذ منه وتعطيه، وتنطلق من نقاط قوته التي استند إليها في حركته، لبعث حركة في الأمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
أخطار الانكماش
الإنسان المتدين لا يملك إلاّ أن يقف بإجلال واحترام أمام الذين انعزلوا عن طوفان الفساد والفحشاء المتفشي في عالم الغرب ووطّنوا أنفسهم على الالتزام الصارم بالدين وبتعاليم الشريعة. لكنّ هذا الاحترام لا يمنعنا أن نرى ما يمكن أن تنطوي عليه هذه الحالة من سلبيات.
السلبية الاولى: هي نظرة هؤلاء إلى الغرب باعتباره القوة الغالبة التي لا يمكن التحاور معها، وأن التحاور سيؤدي إلى انجرار المحاوِر المهاجِر إليه.
السلبية الثانية: هي فقدان مشروع الدعوة لدى هؤلاء، ولا يرون أنهم يتحمّلون مسؤولية إيصال الرسالة الإسلامية إلى المجتمع الغربي.
الثالثة: غياب المشروع الحضاري الإسلامي من أذهان هؤلاء، وعدم ارتفاعهم إلى مستوى تقديم هذا المشروع بلغة العصر وعلى مستوى احتياجات العصر إلى الغرب.
الرابعة: أنهم يفوّتون على أنفسهم فرصة التعرّف الموضوعي على الغرب بسلبياته وإيجابياته، وبذلك يفوّتون على أمتهم فرصة »التعارف« مع الحضارة الغربية.
والخامسة: أن هذه المجموعة قد تُستَغل لردود فعل غاضبة انفعالية تجاه الغرب، وبذلك يوفّرون لأعداء الاسلام فرصة اتهام الاسلام بالارهاب.
أخطار الذوبان
أخطار الذوبان كبيرة جداً، ولعلّها كانت من اكبر المؤثرات على مسيرة العالم الإسلامي في العصر الحديث.
فالمهاجرون المنهزمون أمام الغرب كان لهم دور كبير في الاتجاهات العلمانية في العالم الإسلامي، كما كان لهم الدور الهام في فسح المجال أمام الهيمنة الغربية للسيطرة على مقدرات العالم الإسلامي.
اضرب لذلك مثالاً من إيران، وأمثاله في العالم العربي وتركيا وشرق آسيا كثير.
المثال الذي أقدمه من إيران هو دور المهاجرين الايرانيين إلى القفقاس، التي كانت يوما جزءاً من إيران، ثم انفصلت لتكون مرتعاً للتآمر على إيران في مطلع القرن الماضي.
يرى الدكتور علي أكبر ولايتي أن هؤلاء المهاجرين الايرانيين في القفقاس كانوا يشكلون الرأس المفكر لطبقة المثقفين الايرانيين الذين اتخذوا مواقف عدائية مستمرة تجاه الدين وعلماء الدين، وكان نفوذهم في الحركة الدستورية الايرانية (1323 – 1327هـ) هو الذي جعل هذه الحركة تنحرف عن مسارها، وأدّت إلى إعدام عالم الدين الكبير الشيخ فضل الله النوري، وجعلت أنصار هذه الحركة التي سميت (مشروطة) موضع حماية السفارة البريطانية.
الدكتور ولايتي في كتابه »مقدمة فكرية لحركة المشروطة« ([4]) .
يذكر نماذج من هؤلاء المغتربين المتغربين الموجهين لحركة التجديد الثقافي في إيران، ونقف عند واحد منهم هو »ميرزا فتح علي آخوند زاده«.
حين نطالع أفكار هذا الرجل نجد أنها هي نفسها أفكار المثقفين المهزومين الايرانيين منذ مطلع القرن الماضي حتى يومنا هذا.
ميرزا فتح على آخوند زاده (1228 – 1295) ولد في القفقاس حين كانت جزءاً من إيران، ثم انفصلت عن إيران بحراب الجيش الروسي حين كان آخوندزاده في السادسة عشرة من عمره، وحوّلها الروس إلى منطقة معزولة عن إيران روحياً وثقافياً ودينياً، طبعاً كان هناك من المسلمين الشهامى من ناضل الاحتلال الروسي مثل الشيخ شامل الذي حارب الروس 25 سنة (1834-1895م)، ولكن كان هناك من خضع للاحتلال وعمل مع المحتلّ، مثل آخوندزاده الذي اشتغل 40 عاماً في خدمة الروس إدارياً ، كما كان مع المجموعة التي هاجرت إلى القفقاس مصدر إشاعة روح الهزيمة أمام الفكر الغربي المادي في الشعب الايراني. ويمكن تلخيص أفكاره فيما يلي: ([5]) .
1- رأى ما فعله الروس في داغستان بتغيير حروف الهجاء العربيّة إلى حروف لاتينية خطوة لازمة لتطوير المنطقة الإسلامية، ودعا إلى إنقاذ إيران مما سمّاه »كارثة الخط الإسلامي القديم«.
2- إن كلّ ما يعانيه الشعب الايراني من تخلّف إنما يعود إلى الافكار الدينية، ولابدّ من التخلّص منها لاسعاد الشعب والوطن.
3- حاول غرس روح كراهية العرب في نفوس الايرانيين. فهو حين يتحدّث عن ضرورة إصلاح الخط، يطفح حديثه بهذه الكراهية يقول: »أحد الآثار المشؤومة لسيطرة العرب الوحوش (كذا) على ثغور إيران أنهم فرضوا علينا خطاً يجعل المستوى المتعارف من التعليم من أشقّ الأعمال… والآن فان المصنف يبذل غاية جهده لإنقاذ شعبه من هذا الخط القذر الدنيء (كذا) المتبقي من تلك الاقوام، ولانتشال شعبه من الظلمة والجهالة إلى نور المعرفة«([6]) .
عطاء التعارف
إذا كانت نهضة العالم الإسلامي تتوقّف على »التعارف« فإن المهاجرين إلى الغرب يستطيعون أن يوفّروا جانباً مهمّا من هذا التعارف شرط أن يؤمنوا بالمشروع الحضاري الإسلامي ويفهموا مصادر قوّته، ثم يفهموا مافي الغرب من سلبيّات وإيجابيات، ويعلموا علم اليقين أن تخلّف العالم الإسلامي ليس حالة طبيعية دائمة، بل هو حالة مفروضة طارئة، وأن العامل الأول في فرض هذه الحالة هو القوى الغربية الطامعة، وأن المشروع الإسلامي قادر على أن يقدّم للعالم خطاباً مؤثراً في تعديل الطغيان المادّي السائد، ويلطّف من الروح القلقة المضطربة لإنسان العالم الغربي.
الواقع أن هناك على المستوى الفردي والمؤسسي مَن ارتفع إلى مستوى التعارف، ولكن هذه الظاهرة لابدّ من تعميمها فلذلك العطاء الذي لا يخفى للعالم الإسلامي وللغرب وللانسانية جمعاء.
وأقف عند بعض الظواهر الفردية والمؤسسية في هذا المجال:
ظاهرة مالك بن نبي/ نموذجاً لفكر التعارف الحضاري
مالك بن نبي (ت 1974) من الظواهر الحضارية الفردية للانسان المسلم الذي عاش في الغرب بوعي وانفتاح وعمق. وهو بذلك يعتبر من روّاد »التعارف« بين الشرق والغرب، وبالتالي من دعاة الاستئناف الحضاري، أو الاقلاع الحضاري على حدّ تعبيره.
لو ألقينا نظرة على أفكار هذا الرجل لوجدناه بحق أبرز مفكر عربي عنى بالفكر الحضاري منذ ابن خلدون، مستلهماً فكره من التراث الإسلامي كما استلهم في أحايين كثيرة أعمال بعض الفلاسفة الغربيين.
دراساته عالجت أمراض الأمة مع وصف أسباب نهضة المجتمعات، ووضع الاستعمار تحت المجهر، فحلّل نفسيته، ورصد أساليبه الخبيثة في السيطرة على الأمم المستضعفة، وخاصة المسلمين، ووضع للأمة الإسلامية معادلات وقوانين »الاقلاع الحضاري«([7]) .
في كتابه شروط النهضة الذي كتبه بالفرنسية وترجمه عمر كامل مسقاوي وعبدالصبور شاهين، يفتتح فصوله نأنشودة رمزية يعبّر فيها عن أهدافه ويبلور بسطورها خطابه، آثرنا نقلها في هذا المقال لما فيها من المجمع بين الجانب الشعوري لهذا الرجل وفكره يقول:
»أي صديقي:
· لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق.
· وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض من خدر النوم وملابسه الرثة.
· ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنفته، هنالك في السهل، حيث المدينة التي نامت منذ أمس مازالت مخدرة.
· ستحمل إشعاعات الصباح الجديد، ظِلَّ جهدك المبارك، في السهل الذي تبذر فيه، بعيداً عن خطواتك.
· وسيحمل النسيم الذي يمر الآن البذور التي تنثرها يداك.. بعيداً عن ظلك.
· ابذر يا أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيداً عن حقلك، في الخطوط التي تتناءى عنك… في عمق المستقبل.
· ها هي بعض الأصوات تهتف. الأصوات التي أيقظتها خطواتك في المدينة، وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي. وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم، سيلتئم شملهم معك بعد حين.
· غنِّ! يا أخي الزارع ! لكي تهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر، نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
· وليدوِّ غناؤك البهيج. كما دوّى من قبل غناء الأنبياء، في فجر آخر، في الساعات التي ولدت فيها الحضارات.
· وليملأ غناؤك أسماع الدنيا، أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك.
· ها هم ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ، السوقَ وملاهيه، لكي يميلوا هؤلاء الذين جاءوا على إثرك، ويلهوهم عن ندائك.
· وها هم قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات، لكي تغطي الضجة على نبرات صوتك.
· وها هم قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار، ولكي يطمسوا بالظلام شبحك، في السهل الذي أنت ذاهب إليه.
· وها هم قد جمّلوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة.
· ولكن شمس المثالية ستتابع دون تراجع، وستعلن قريباً انتصار الفكرة، وانهيار الأصنام، كما حدث يوم تحطّم »هُبل« في الكعبة ([8]) .
بن نبي استوعب مناهج التفكير الأوربي، ومن هنا جاء مشروعه الحضاري وفق منهجية واضحة، وهو ضمن اهتمامه باستئناف الحركة الحضارية للأمة تناول بالتفصيل إسلامية المعرفة، واصلاح مناهج الفكر، ولذلك فان مشروعه يبقى قادراً على تقديم خطاب معاصر في الاستئناف الحضاري وعلى توجيه العاملين في استنهاض الامة([9]) .
اهتمّ بالتجربة اليابانية التي انفتحت الانفتاح الواعي الفاعل على الغرب، فأخذت منه مواضع قوته دون أن تنفعل أو تذوب يقول: »فإذا كان اليابان قد بنى مجتمعاً متحضراً؛ فهو قد دخل الأشياء من أبوابها، وطلب الأشياء كحجة، درس الحضارة الغربية بالنسبة لحاجاته، وليس بالنسبة لشهواته. فلم يصبح من زبائن الحضارة الغربية يدفع لها أمواله وأخلاقه، أما نحن فقد أخذنا منها كل رذيلة، وأحيانا نأخذ منها بعض الأشياء الطيبة التي قدرها الله لنا«([10]) .
ويرى أن الطالب المسلم يذهب إلى الغرب، وهو لا يعرف كيف يتعامل معه، لذلك لا يذهب إلى منابع الحضارة بل إلى سلّة نفاياتها يقول:
»الواضح أن المشكلة التي تطرح نفسها لا تتعلق بطبيعة الثقافة الغربية، بل بالطبيعة الخاصة بعلاقتنا بها. فالطالب المسلم الذي يتحلق بمدرستها هو بين نموذجين: الطالب المجد، والطالب السائح. وكلا الطالبين (المجد والسائح) لا يذهبان إلى منابع الحضارة، بل إلى حيث تتفطر فيها أو تلقي فيها نفاياتها«([11]) .
ظاهرة مالك بن نبي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1ـ تشخيص ما تعانيه الامة في ركودها الحضاري.
2- الايمان بأنّ الدين الطاقة القادرة على »أن تبني الإنسان حتى يقوم بدوره في بناء الحضارة«([12]) .
3- استيعاب الفكر الغربي، ولذلك كان مشروعه يقوم على أساس منهجية واضحة.
4- الكشف عن حقائق أنصاف المثقفين المهزومين أمام الغرب في عالمنا الإسلامي، وعن حقيقة الدجالين المتاجرين بالدين. والتحذير من الانبهار بالغرب وبيان الاسس التي يجب أن يقوم فيها تعاملنا مع الحضارة الغربية.
ظاهرة ميخائيل نعيمة/ الالتزام بحضارة الشرق
ميخائيل نعيمة وزملاؤه في المهجر الامريكي الشمالي والجنوبي يمثلون في معظمهم ظاهرة على غاية من الأهمية للمغتربين من عالمنا الإسلامي. على الرغم من الفتن الطائفية والسياسية التي اضطرتهم إلى الهجرة من بلدانهم، فإنهم لم يُعرضوا عن ثقافة بلدانهم، ولم يتنكّروا لها، بل ظلّوا أوفياء للغة العربية والأدب العربي، بل أكثر من ذلك قدّموا إلى الغرب أدبا صوفياً عرفانياً يدلّ على أنهم عرفوا ثغرات الحضارة الغربيّة، وعرفوا البلسم الذي يُعالج داءها، فكانت مدرستهم نموذجاً للالتزام بحضارة الشرق، رغم أن أكثرهم مسيحيون!!
وهذا الالتزام وقاهم من الانبهار بحضارة الغرب، كما أنهم شعروا بقوّة ما يستندون إليه من ثقافة، فراحوا يعرّفونها على الغرب. وفهموا الهزيمة التي يعيشها أبناء جلدتهم في العالم الإسلامي فراحوا يحذّرون الأمة من هذا الانبهار.
إنها ظاهرة تستحق الدراسة أن يقف ميخائيل نعيمة المسيحي (ابن هذه الدائرة الحضارية الاسلاميّة) سنة 1932 أمام أبناء قريته »بسكنتا« بعد اغتراب دام عشرين عاماً ويخاطبهم قائلاً:
»منذ عشرين سنة أدرتُ وجهي إلى البحر (أي إلى الغرب) وظهري إلى صنّين (جبل في القرية). واليوم صنين أمامي والبحر ورائي، وأنا بين الاثنين كأني في عالم جديد، وكأني ولدت ولادة ثانية«.
»ما أبعَدَ السلامَ المخيّم في جبالكم عن الجلبَة المعسكرة في مدينة كمدينة نيويورك!.. فعلام تُصرّون على تزويج سلامكم من تلك الجَلَبة؟«.
»سلامكم هو أنفاس العزّة القدسيّة المنبعثة من صخوركم وترابكم وأعشابكم. وتلك الجَلبَةُ هي تطاحُنُ المطامع والأهواء البشرية في سبيل الريال. والاثنان لا يتزاوجان ولن يتزاوجا. وليس أضلَّ ممّن يعتقدُ أنّ بإمكانه التوفيق بين ريال نيويورك وسلام صنّين. فريال نيويورك نقاب كثيف يحجُبُ وجه الله. وصنّين عرشٌ من طهارة يبدو عليه وجه الله سافراً. مَن اختار منكم ريالَ المهجر وكلَّ ما في قلبه من جَلَبة لا تستكنُّ، فليطلّق سلام صنّين«.
»إنكم تفاخرون كل المفاخرة بتاريخ بلادكم فتدعونها »مهد الانبياء« فما نفعكم من هذا المهد وقد أصبَحَ اليومَ عُشاً طارَ منه فِراخُهُ؟ ما نفعكم من أنبيائكم ما لم يَشُعَّ نورُهم في قلوبكم؟ أراكم قد دفنتموهم في بطونِ الكتُبِ وفي ظلمات المعابد وياليتكم تدفنونهم في أرواحكم.. يا أبناء بلادي! لا يبهرنّكم برقٌ يلعلعُ في عيون المدنية الغربية. إنه برق خُلّب، ولا يهولنّكم رعد يزمجر في صدرها، إنه لحشرجة الموت، ولا يحزننّكم أن لا علَمَ لكم يخفق في مقدمة أعلام الأممِ. فإنني لست أرى بين تلك الاعلام ولا عَلماً لا أثر فيه للدم والاغتصاب والتهويل والارهاب«([13]) .
أزمة الدارسين في الغرب
الطلبة المهاجرون إلى الغرب للدراسة يخرجون من منطقة مصابة بهزائم سياسية وعسكرية وفكرية وثقافية، ومصابة بانتكاسة في مسيرتها الحضارية، من هنا فانهم حين يذهبون إلى الغرب يتعرّضون غالباً إلى »التذويب«.
هذه الظاهرة حثت المسؤولين المصريين في الثلاثينات من القرن الماضي لبلورة خطاب خاص بهؤلاء، وهي تجربة هامة يمكن أن تساعد في بلورة خطابنا المعاصر للمهاجرين الشرقيين إلى الغرب.
في عام 1932 انعقد بمصر »مؤتمر الطلبة الشرقيين« وخاطبهم رجال الفكر في مصر. أختار مقتطفات من اثنين منهم، الاول: عبد الوهاب عزّام. وأذكر هنا أن عبد الوهاب عزّام عاش في الغرب سفيراً، ومرّ بتجربة الدعوة إلى نوع من الذوبان في الغرب باعتباره مقدمة ضرورية للنهضة، ثم مرّ بالتجربة القومية للنهوض، ثم عدل عن ذلك واتجه إلى مشروع التواصل الشرقي – الشرقي في إطار إحياء الحضارة الإسلامية باعتباره السبيل الوحيد لنهضة العرب والمسلمين، ومن هنا بدأ بأكبر مهمّة في العصر الحديث ضمن إطار التواصل العربي - الايراني، فكان المؤسس لأقسام اللغة الفارسية في الجامعات المصريّة، والمترجم لكثير من آداب اللغة الفارسية إلى العربية، ومن المهتمين باقبال اللاهوري وبالدراسات الشرقية.
قال الدكتور عزّام مخاطباً الطلبة:
»أضلَّ الشرقيون أنفسهم، فإذا هم أجسادٌ تنبضُ بقلوب الغرب وتفكّر بعقوله، وإذا هم مستسلمون لكل ما تَطَلعُ به أوربا، منقادون لكلِّ ما تأمرهم به، متهافتون على كل ما اتّصل بها، ثم إذا هم ألاء مقلّدون، يُحقّرون أنفسهم وآباءهم وميراث حضارتهم وتاريخهم، إلا أن تعظّم أوربا أباً من آبائهم أو تُعجَب بمأثرة من مآثرهم فيقتدوا بها.. والخلاصة أن الشرقيين يتلقون عن الغربيين أفكارهم وعقائدهم، كما يأخذون منسوجات القطن والصوف ومصنوعات الحديد والنحاس وأصناف الأحذية.. وكأنهم أوان شرقية تملؤها أوربا بما تشاء من حلو ومرّ وجيّد ورديء.. ذلكم حالنا اليوم وموقفنا من أوربا، وذلكم شر حال وأسوأ موقف. فما وراء هذه الأدواء إن أردنا لانفسنا السلامة والعافية؟
أولُ عنصر في هذا الدواء أن نجد (أنفسَنا). بعد أن فقدناها وضللنا عنها. أعني أن نعدَّ أنفسنا أناسا أحياء مفكرين ، لهم حقوق في هذه الحياة وعليهم واجبات، يربئون أن يسخَّروا لغيرهم.. فإذا أحسسنا في أنفسنا كرامة الإنسان وأنفة الحرّ، فكّرنا فعرفنا الذي نأخذ من أوربا والذي ندع، والذي نستحسن لانفسنا والذي نستقبح، ونقدنا فقلنا: هذا حلال وهذا حرام، وهذا طيب وهذا خبيث، ثم رجعنا إلى تراث آبائنا نحفظ منه كلَّ مفخرة، ونعتزُّ فيه بكلِّ مأثرة، وخطّطنا لأنفسنا في معترك الحياة خطة من عمل عقولنا وأيدينا ووحي تاريخنا وآدابنا تصل ماضينا وحاضرنا بالمستقبل الذي هو أشبه بنا وبأخلاقنا. إذا أحسنا التفكير عرفنا فرق ما بين الصناعات والاخلاق والعادات، ولم يلتبس علينا ما نأخذ من أوربا من العلوم الطبيعية ونتائجها وما نتجنب من أخلاقها وآدابها، فإنه لا فرق بين الحساب والهندسة والكيمياء في الشرق والغرب، ولكن شتّان ما بينهما في العقائد والخلق وسنن الاجتماع، فإن لكل أمة من أخلاقها وآدابها ثوباً حاكته القرون وعَمِلت فيه الاجيال، فليس يصلح لغيرها، ولا يصلحُ لها غيره«([14]) .
والثاني الذي اقتطف بعض ما خاطب به الطلبة هو محمد حسين هيكل (1888-1956). وكان هيكل أيضا من المتحمّسين للتغريب ومن غلاة المجدّدين ، يتحدث إلى الطلبة عن أزمته وأزمةِ جيله من المثقفين العرب الذين تعلّموا في أوربا، وصدّقوا دعوتها للعلم والحرية والانسانية، ثم عادوا إلى أوطانهم مخلصين لنداء التحديث، فاكتشفوا الوجه الآخر للحضارة الغربية. يقول:
»عاد هؤلاء إلى بلادهم يبشّرون بالحضارة الغربيّة، لكنهم مالبثوا أن صدمتهم ظاهرتان عجيبتان أثارتا دهشتهم لتناقضهما مع أصول الحضارة الغربية تناقضا بيّناً. الاولى: هذه الحرب المنظمة التي يقوم بها الاستعمار الاوربي لحرية العقل.. وقد راعهم من هذه الحرب أنها لم تكن تقبل هوادةً قط، وأن ممثل انكلترا في مصر لم يكن يأبى أن يكتب في تقاريره: إنّ مصر بغير حاجة إلى علماء بالمعنى الغربي، وإنما هي بحاجة إلى موظّفين مِطواعين. والظاهرة الثانية انتشار المبشّرين الغربيين في كلّ مكان من المدن الكبيرة والصغيرة، بل في القرى يدعون إلى المسيحية ولا يأبون التعريضَ بالاسلام. وبالرغم من هاتين الظاهرتين ظلّ هؤلاء الشباب يدعون إلى الأصول الصحيحة في الحضارة الغربية أي إلى حريّة البحث ونزاهة العلم.. ورماهم الجامدون بالالحاد، فازدادت دعوتهم قوّة واستعارا. ولكنّ مرور الزمن فتح عيونهم على حقيقة أخرى لم تكن أقلَّ إثارة لدهشتهم من الظاهرتين اللتين قدّمنا، فما يصدّر الغرب للشرق من آثار حضارته قد وقف أو كاد عند أسوأ ثمرات هذه الحضارة.. فتجارة الرقيق الأبيض والكحول ومواد الزينة واللهو وجوقات الهذر المسرحي كان أولّ ما يصدم الناظر لآثار الغرب في الشرق.. ثم كشف تعاقب السنين بعد الحرب الاولى عن الحقيقة المؤلمة المضنية، فقضية أوربا.. لم تكن إلاّ قضية الاستعمار ومن يكون له حقُّ التوسع فيه.. ثم بدت حقيقة أشدُّ من هذه الحقيقة مرارة وإيلاما، تلك أنّ الغرب الذي تزعم دوله أنه تحرّر من قيود التعصب الديني مايزال يذكر الحروب الصليبية التي نشبت خلال القرون الوسطى بين المسيحية والاسلام، وإن كلمة »لورد اللنبي« يوم استولى على القدس، وقوله: »إن الحرب الصليبية قد انتهت« كانت تعبّر عن معنى يجولُ بخاطر الدول الاوربية جميعا«([15]) .
ظاهرة المؤسسات الحضارية
من مظاهر التعارف بين المغتربين انبثاق مؤسسات تستوعب المقاصد الإسلامية والحضارة الغربية وتهتمّ بالتعارف بين الاسلام والغرب.من تلك المؤسسات:
ـ المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهو مؤسسة فكرية إسلامية ثقافية أنشئت في الولايات المتحدة في مطلع القرن الخامس عشر الهجري (1401هـ - 1981م) لتعمل على:
ـ توفير الرؤية الإسلامية الشاملة، في تأصيل قضايا الإسلام الكلية وتوضيحها، وربط الجزئيات والفروع بالكليات والمقاصد والغايات الإسلامية العامة.
ـ استعادة الهوية الفكرية والثقافية والحضارية للأمة الإسلامية، من خلال جهود إسلامية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومعالجة قضايا الفكر الإسلامي.
ـ إصلاح مناهج الفكر الإسلامي المعاصر، لتمكين الأمة من استئناف حياتها الإسلامية ودورها في توجيه مسيرة الحضارة الإنسانيّة وترشيدها وربطها بقيم الإسلام وغاياته.
ويستعين المعهد لتحقيق أهدافه بوسائل عديدة منها:
ـ عقد المؤتمرات والندوات العلميَّة والفكريَّة المتخصّصة.
ـ دعم جهود العلماء والباحثين في الجامعات ومراكز البحث العلمي ونشر النتاج العلمي المتميز.
ـ توجيه الدراسات العلميَّة والأكاديمية لخدمة قضايا الفكر والمعرفة.
وهذه المؤسسة تصدر مجلة »إسلامية المعرفة« وهي تعرّف نفسها بأنها منبر مفتوح لتحاور العقول وتناظر الأفكار والآراء يهدف إلى:
ـ إعادة صياغة المعرفة الإنسانية وفق الرؤية الكونية التوحيدية من خلال الجمع بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون.
ـ الإصلاح المنهجي للفكر الإسلامي وإعطاء الاجتهاد مفهومه الشامل بوصفه يمثل التفاعل المستمر لعقل الإنسان المسلم مع الوحي الإلهي سعياً لتحقيق مقاصده وأحكامه وتوجيهاته فكراً وسلوكاً ونظماً ومؤسسات في إطار من الأوضاع الاجتماعية والتاريخية المتغيرة.
ـ العمل لتطوير وبلورة البديل المعرفي الإسلامي في العلوم الإنسانية والاجتماعية على أساس من التمثل المنهجي للرؤية الكونية التوحيدية والقيم الأساسية والمقاصد العليا للإسلام من ناحية، والتمثل العلمي النقدي لمعطيات الخبرة العلمية والعملية الإنسانية في عمومها وشمولها من ناحية أخرى.
ـ تحرير الإنجاز العلمي والمعرفي الإنساني من الإحالات الفلسفية الدهرية التي ألبستها إياه المدارس الفكرية للعقل الوضعي المادي.
تسعى المجلة إلى تحقيق هذه الغايات والمقاصد الكبرى من خلال التركيز على المحاور الرئيسية التالية:
1ـ قضايا المعرفة: مصادرها ومناهجها ونظمها وفلسفتها.
2- منهج التعامل مع القرآن الكريم بوصفه أساس المرجعية الإسلامية، ومع السنة بوصفها تمثل نموذج البيان القولي والعملي والتطبيق الفعلي لأحكامه وتوجيهاته في الإطار النسبي لظروف الزمان والمكان.
3- العلوم الإنسانية والاجتماعية في المنظور الإسلامي فلسفةً وأصولاً ومناهج.
4- فلسفة العلوم الطبيعية في إطار رؤية الإسلام لمقام الإنسان وعلاقاته التسخيرية بسائر ظواهر الكون والطبيعة.
5- منهجية التعامل مع التراث الإسلامي في شموله وتعقيده وتاريخيته بوصفه تجسيداً للخبرة التاريخية للأمة، يعكس تفاعل العقل المسلم مع نصوص الوحي لتنزيل قيمه وتحقيق مقاصده وإيقاع أحكامه في سياق الظروف المتحولة للتاريخ والمجتمع.
6- مناهج التعامل مع التراث الإنساني عموماً والتراث الغربي خصوصاً تعاملاً علمياً ونقدياً يستوعب حكمته وإيجابياته ويتجاوز قصوره وسلبياته.
وعنوان هذه المؤسسة:
International Institute of Islamic Thought
555 Grove St., (P.O.Box 669)
Herndon, VA 20170-4705, USA
والعنوان الالكتروني: E-mail:iiit@iiit.org
ـ مركز دراسة الثقافة والحضارة، وهي مؤسسة تعرّف نفسها بأنها »ثقافية تعالج مسائل التجديد وأنماط التفكير وشؤون الحياة المعاصرة مستنيرة بتجربة المعيشة في الغرب، ومنطلقة من منظور حضاري إسلامي«.
ومجلتها (الرشاد) تقول إنها »ترحب بالمقالات ذات الروح التجديدية التي تستوفي شروط الأصالة، كما ترحب بالمقالات التي تعالج معضلات واقع المسلم من منظور حضاري إسلامي«.
نظرة على ما تنشره المجلّة من مقالات نستطيع أن نفهم اتجاه المركز المذكور.
في العدد 12 نرى العناوين التالية:
منهج الحوار في الاسلام – أمتنا بين ملامح الوعي ومؤثرات الضغط الحضاري.
وفي العدد 13: الثقافة تواصل – الحوار والفزع من الآخر – مدخل إلى فقه الاقليات – قيم المجتمع الامريكي/ نحو فهم الآخر – ماذا أعطى الاسلام للبشرية؟
وفي العدد 14: الخلافة من خلال رؤية الإنسان الكونية – إعادة إنتاج الفكر التقليدي بلغة العصر.
وفي العدد 15: العولمة ومستقبل الحضارة الإسلامية – من التدافع إلى التعارف.
وفي العدد 16: حول العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
وفي العدد 17: الاجتهاد المقاصدي وعلاقته بالتجديد.
وعنوان المجلة:
Alrashad
2222 Foothil Blvd
.
E320
La canada CA91011-USA
خاتمة
إن وجود الجاليات الشرقية في الغرب يشكل فرصة كبيرة للتعارف، وهو عملية لازمة للشرق والغرب معاً. الشرق يحتاج إلى ذلك كي يستفيد من مواضع قوّة الغرب التي دفعت به نحو هذا التطوّر العلمي الهائل، والغرب يحتاج إلى الشرق للتخفيف من حدّة الماديّة التي تجتاحه، وتقدّم له المشروع »الانساني« الذي يستطيع أن ينقذ الحضارة الغربية من السقوط.
والتعارف هذا يتحقق عندما يرتفع المهاجرون إلى الغرب إلى مستوى تفهّم المشروع الحضاري الإسلامي، وتفهّم سبب انتكاسة هذا المشروع في عالمنا الإسلامي، والسبل اللازمة لاستئناف مسيرته، والدور الذي يستطيع »التعارف« أن ينهض به في هذا المجال.
وبهذا نستطيع أن ننقذ المسلمين هناك، بل ننقذ العالم الإسلامي أيضا من الانكماش، وما قد يفرزه من تبعات كانت لها الاثر السيء على المسلمين.
كما نستطيع أن نقيهم من الذوبان الذي جرّ عليهم وعلى المسلمين تبعات الهزيمة والتنكر للهوية والتبعية والعمالة.
إن ظواهر »التعارف« التي برزت على المستوى الفردي والمؤسّسي كان لها دور هام في إثراء مشروعنا الحضاري وفي تقديم الصورة المشرقة للاسلام في العالم. وتنامي هذه الظواهر يحتاج إلى ارتفاع العالم الإسلامي، وخاصة مؤسساته الدعوية الخارجية، إلى مستوى متطلبات العصر، وبدون ذلك فإن العالم الإسلامي سوف لايسهم في تنامي ظاهرة »التعارف« لدى المسلمين في الغرب، بل قد يصدّر اليهم التخلّف والتمزّق والتشرذم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الحجرات/ 13.
[2] - الأنفال/ 24.
[3] - النساء/ 97.
[4] - ترجم هذا الكتاب إلى العربية تحت العنوان المذكور أعلاه، ونشر في المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الايرانية في دمشق عام 2001 .
[5] - نفس المصدر، ص 31 - 38.
[6] - انديشه هاي ميرزا فتحعلي آخوندزاده، فريدون آدميت، نقلا عن: مقدمة فكرية، ص 36 ، 37.
[7] - د. ابراهيم رضا، مالك بن نبي وفلسفة الحضارة الإسلامية الحديثة، مجلة «ثقافتنا» العدد 2، 1425هـ - 2004م، ص 187.
[8] - شروط النهضة/ 19 - 21.
[9] - انظر: د. نصر عارف، مقال: هندسة البناء الحضاري عند مالك بن نبي، مجلة الفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عدد ذي القعدة 1414/ 1994.
[10] - مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ص 152
[11] - نفس المصدر، ص 151.
[12] -شروط النهضة، ص 92 ومابعدها
[13] - ميخائيل نعيمة؛ زاد المعاد؛ ط 3، 39 – 43.
[14] - انظر: محمد جابر الانصارى؛ تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي؛ ص 40-41
[15] - نفس المصدر: ص 43.