التحصين الثقافي للاقليات المسلمةودوره في الحفاظ على هويتها السيد عباس الموسوي عضو تجمع علماء لبنان إذا كان التحصين الثقافي مطلوبا وفرضا لازما في مجتمعاتنا الإسلامية في الدول الإسلامية فان هذا الأمر يزداد أهمية فيما يرتبط بالأقليات المسلمة التي تعيش في الدول غير الإسلامية. وإذا كانت الخطورة قد زادت في ظلّ العولمة الثقافية وانفتاح العالم على بعضه البعض وانهيار الحواجز والسدود على يد التكنولوجيا المتطورة، فان هذه الخطورة هي في حدها الأعلى بالنسبة للأقليات المسلمة في الغرب. والسبب في ذلك يعود إلى أمور: احدها: إن هذه الأقليات تعيش في قلب المجتمعات الغربية وتلتقي مع الثقافة الأخرى الغربية في كل حركة تقوم بها فهي تعايشها في كل دقائق حياتها. ثانيها: إن هذه الأقليات تفتقر لأبسط مقومات الصمود والمواجهة مع الثقافة الأخرى الغربية نتيجة عدم امتلاكها لأدوات المواجهة، لا سيّما لمن تأصل من هذه الأقليات في المجتمعات الغربية ومضى على وجوده هناك عشرات السنين. ثالثها: ما فرضته الأحداث الأخيرة أي أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على هذه الأقليات في ظل التشوه الذي لحق بالثقافة الإسلامية ضمن مصطلح الإرهاب الذي مسَّ الحياة اليومية لهذه الأقليات في علاقتهم بالدول والحكومات التي يقيمون فيها أو بالمجتمعات وأفراد تلك المجتمعات والتي صنعت في أذهانهم صورة الإرهاب كصورة ملاصقة لكل مسلم في العالم. إن هذا كله يزيد من أهمية العمل على التحصين الثقافي لهذه الأقليات وسوف نطرح في هذه المقالة بعض مقومات هذا التحصين الثقافي ضمن نقاط: النقطة الأولى: ضرورة التمييز بين المشترك والمختلف في الثقافة لا بد للأقليات المسلمة في مختلف الدول غير الإسلامية أن تعمل على حدين: أ ـ تحديد المشترك الثقافي: لا شك في ان الإسلام هو دين الإنسانية وقد نظر في تشريعاته المتعددة إلى حق الاختلاف في الدين، وحافظ على هذا الحق في تشريعاته المختلفة. ولا بد من النظر إلى إنسانية الدين هذه كمنطلق أساسي للبحث عن هذا المشترك الثقافي الذي يشكل نقطة التواصل مع الآخر هناك. إذا كان الإنسان لا بد له وان يعيش مع محيطه وبيئته فان هذا يفرض على الإنسان المسلم في الغرب أن يبحث عن نقاط التواصل التي تكفل له العيش بحسن جوار مع أفراد المجتمع اللااسلامي. ويقدّم من خلال ذلك الصورة الناصعة للتعايش بين دين الإسلام ومختلف الأديان. ونستطيع أن نشير إلى بعض الأصول العامة التي تكفل تحديد هذا المشترك. فقد ورد عن علي عليه السلام قوله: ( إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).[1] وهذا التماثل يرجع إلى ملاحظة أن الإنسان مهما كانت ديانته فهو مخلوق لله عز وجل وهو يفرض أن يكون تعامل هذه الأقليات مع محيطها تعاملا يُطبِّق هذه المماثلة عبر استحضار ان هؤلاء بشر مخلوقون لهم حقوق الإنسانية المشتركة والنماذج التاريخية لمعاملة المسلمين للأقليات غير المسلمة في الدول الإسلامية يمكن أن يفرض بشكل معاكس في تعامل الأقليات المسلمة مع الغرب أي الحفاظ على أصول التعامل الإنساني. ومن الأصول الإسلامية مسألة احترام الحقوق فإذا كان الآخر لم يوفق لان يهتدي للإسلام فهذا لا يعني إسقاط حقوقه التي تخصه، ومبدأ احترام الحقوق كما يشمل الأمور المادية والممتلكات التي لا ينبغي التعدي عليها يشمل الحقوق المعنوية وعدم التعدي عليها أيضا. ومن هنا لا بد لهذه الأقليات من أن تحفظ ممتلكات أفراد المجتمع الذي تقيم فيه سواء كان ذلك في الحالات العادية أو الاستثنائية، لان مصلحة هذه الأقليات ترتبط بذلك بنحو مستمر لا مؤقت. ب ـ تحديد المختلف فيه: قد تكون دائرة المختلف فيه كبيرة وواسعة نتيجة الاختلاف في الدين. فالمسلم وان ولد في مجتمع غير إسلامي وتنقل في جميع مراكز ذلك الاجتماع فانه سيبقى على فاصلة مع ذلك المجتمع. هذه الفاصلة التي يفرضها الدين وهي ضرورية وأساسية وتتشكل هذه الفاصلة من أمور عقيدية وأحكام شرعية تفصيلية ترتبط بالحياة اليومية للمسلم سواء ما يرجع منها إلى علاقته بنفسه أو علاقته بالآخرين وهذا الذي نسميه المختلف فيه عن الآخرين، وهو لا بد وان يحفظ، لأنه الحجر الأساس في التكوين الثقافي للمسلم وهو الذي ينبغي أن يعمل على تحصينه. ولكن ما ينبغي الالتفات له هنا والاهتمام به هو أن لا يؤثر هذا المختلف فيه على المشترك، فيشلّه أو يعطله. إن ممارسة شعائر الاختلاف هذه لا ينبغي ان تنقلب لتصبح تنفيرا للآخر، بل ان تصبح معالم أساسية في شخصية المسلم تثير الآخر للسؤال عن هذه المعالم التي نعتقد نحن المسلمون انها لمصلحة هذا الإنسان ولبنائه وبناء شخصيته بما يتناسب مع الهدف الذي خلق لأجله . عندما تتمكن الأقليات المسلمة من الحفاظ على هذا المختلف فيه مع الحفاظ على المشترك فإنها سوف تقدم أفضل مصداق لمقولة كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم. النقطة الثانية: التبليغ ( الدعوة) ودوره في التحصين الثقافي وظيفة التبليغ الديني تشكل ركيزة أساسية في تحصين الأقليات المسلمة لان اشد ما تحتاج إليه هذه الأقليات هو أن تتواصل مع ثقافة الإسلام الرصينة وذلك في ظل ما تعيشه يوميا من ثقافة الآخر وآرائه التي لا تنفك تسعى لدمج هذه الأقليات بما يؤدي إلى تذويبها عبر إفراغها من مقوماتها الثقافية ولكي تؤدي عملية التبليغ الديني والثقافي وظيفتها لا بد لها من ملاحظة أمور: 1ـ الاعتناء بمضمون الخطاب الثقافي الديني: لا بد وان يحوي هذا الخطاب على مجموعة من القضايا الرئيسية ولعل ما يحتل المرتبة الأولى فيها هو أن يكون هذا الخطاب يتناول علاج المشكلات الأساسية التي تعاني منها تلك الأقليات فلا يمكن على الإطلاق أن يحوي هذا الخطاب على نفس القضايا التي يحويها الخطاب الثقافي في بلاد المسلمين، لان هذا سوف يفرض احد أمرين إما الابتعاد عن عملية التأثير في تلك الأقليات لأنها ستصمّ آذانها عن الاستماع إلى ما لا يعنيها من قضايا، أو عدم النفع العملي من هذا الخطاب لعدم الابتلاء بنوع القضايا المطروحة. وهذا يفتقر إلى أن يعايش الداعية والمبلغ حياة تلك الأقليات بقدر كبير يسمح له بالاطلاع الدقيق على ما ينقصها وما تحتاج إليه من قضايا الثقافة والدعوة. ومن هنا كان الداعية الذي يعيش في تلك المجتمعات أكثر نفعا من الداعية والمبلّغ الزائر والذي يعايشهم لفترة لا تسمح له بان يفكر في القيام بمعالجة حقيقية لمشكلاتهم الثقافية. ولذا كان مشروع الهجرة التبليغية أولى وأجدر بالاهتمام من مشروع الرحلات والزيارات المؤقتة. ومما يساعد على إنجاح العمل التبليغي والتحصين الثقافي إقامة المؤسسات التي تكفل شؤون المبلغين كمراكز دراسات تضطلع بمهمة تقديم صورة للمبلّغ بنحو توفر له الفرصة للنجاح في أداء دوره . ومما ينبغي الالتفات إليه في العمل الدعوي هو ان لا يكون هذا العمل بحد نفسه السبب في استيلاد مشكلات للأقليات المسلمة وأهمها إثارة النزاعات المذهبية في الدائرة الإسلامية بين تلك الأقليات، فالعمل التبليغي لا بد وان يتجه إلى الحفاظ على وحدة المسلمين مهما تعددت مذاهبهم وإقرار روح التعايش بينهم. ان نقل المشكلات المذهبية التي يعيشها المسلمون في بلادهم إلى تلك الأقليات سوف يرجع بمردود سلبي على حياة تلك الأقليات وسوف يسهل الاختراق الثقافي لغير المسلمين لهذه الأقليات. 2ـ ضرورة الاطلاع على ثقافة الآخر ـ غير المسلم ـ لمواجهتها إذا كان التحصين الثقافي في بلاد المسلمين قد يتخذ أسلوب الحصار للفكر غير المسلم ومنعه من الانتشار فان هذا أمر غير ممكن فيما يرتبط بالأقليات التي تعيش ضمن أكثرية غير مسلمة بل إنها تعيش في قلب تلك الثقافة ولذا كانت الضرورة تقضي بان يتم عرض الفكر غير المسلم ونقده وتمحيصه بالنحو الذي يسمح لهذه الأقليات بان تواجه هذا الفكر لا أن تهرب منه أو تصم آذانها. ومن هذه النقطة الحساسة ينبغي أن ينطلق المبلغ الديني لدراسة الفكر الآخر وتحديد طرق بيان مفاسده ليضع ذلك أمام تلك الأقليات وتكون الصورة واضحة أمامها وهذا من أهم عوامل تحصينها الثقافي. النقطة الثالثة: الحفاظ على أصول العلاقات الاجتماعية للأقليات يحمل الإسلام نظاما اجتماعيا متكاملا ينشأ من بدء تكون الأسرة التي تشكل حجر الأساس في البناء الاجتماعي ويستمر مع الإنسان إلى آخر لحظات عمره. وهذا النظام الاجتماعي احتل مكانة أساسية في تعاليم الإسلام واهتم بأدق التفاصيل التي ترتبط بالمسلم . إن الحفاظ على أصول العلاقات الاجتماعية هذه في مجتمع الأقليات المسلمة التي تعيش في البلاد الأخرى يشكل ركيزة في تحصينها الثقافي وحمايتها من الاختراق. وكمثال على ذلك نلحظ موضوع الأسرة والتربية. إن اهتمام المسلم في مجتمع الأقليات بكل ما يرتبط بهذا الموضوع هو أمر ضروري، فاختيار الزوجة وأسلوب العشرة وطلب الأولاد والآداب المتبادلة بين الآباء والأبناء وحق الطاعة للآباء وغير ذلك كله يحفظ هذا التماسك الاجتماعي للأقليات ويؤمن لها الحصانة أمام الاختراق الثقافي. وفي المقابل يؤدي تفكك الأسرة المسلمة في مجتمع الأقليات دورا أساسيا في انهيار ثقافة الأقليات المسلمة. فكراهة الزواج من غير المسلمة وتحريم زواج المسلمة من كافر ترتبط ارتباطا وثيقا بما نذكره. فإذا كان للرجل المسلم حصانة ما نتيجة وعيه الديني تمنعه من التأثر ببيئة الزوجة إذا كانت غير مسلمة فما هي حصانة الطفل الذي يتولد من غير المسلمة؟ وهل يتمكن الأب من تربية هذا الطفل تربية إسلامية وتشريب ثقافة الإسلام وتعاليم الإسلام في نفسه وروحه؟ لا تشهد التجربة إطلاقا بذلك بل تشهد على العكس فالطفل أشد تأثرا ببيئة الأم لا سيما إذا كانت بيئة الأم منسجمة مع المجتمع العام فيما تكون بيئة الأب مخالفة لهذا النسيج العام فقد ينظر إليها الطفل كحالة شاذة لا فائدة من اتباعها والسير معها وهي تخرجه عن النسيج الاجتماعي العام. وانظر إلى حكمة الإسلام عندما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : اختاروا لنطفكم فان الخال احد الضجيعين[2] . انه الاهتمام بثمرة هذا العقد الاجتماعي المسمى بالزواج وبعد النظر إلى نتيجة هذا الزواج. كما ان في الإسلام تعاليم أخرى تؤدي دورا أساسيا في التحصين الثقافي للأقليات واخص منها صلة الرحم تلك التي تعني التواصل الاجتماعي بين الأقليات، هذا التواصل الذي لا يكون على النمط غير الإسلامي والذي يرتبط بالنفع المادي بل يرتبط بالإنسان وبالأخلاق الحسنة، وهذا التواصل هو من أهم محطات التبادل الثقافي بين الأقليات حيث يقوم كل فرد منهم باطلاع الآخرين على ما لديه من ثقافة الإسلام هذا التذكير الذي يحصل في اللقاءات بين أفراد الأقليات لعله يفوق الكثير من أدوات الدعوة وأساليبها. ولا نغفل هنا دور فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فان العمل على إحياء هذه الفريضة في نفوس الأقليات يجعل لها حصانة داخلية مستمرة . وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام إن رجلا من خثعم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال : يا رسول الله اخبرني ما أفضل الإسلام ؟ قال: الإيمان بالله قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الرحم قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال : فقال الرجل: فاخبرني أي الأعمال ابغض إلى الله ؟ قال: الشرك بالله قال: ثم ماذا قال: ثم قطيعة الرحم ، قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف[3]. على ان أمرا آخر له أهميته القصوى في إيجاد حالة التواصل بين الأقليات يرجع إلى إحياء العبادات الاجتماعية كصلاة الجمعة والجماعة فان تواصل المسلمين في الغرب حيث يعيش كل واحد همه الخاص به يتوفر من خلال المراكز الإسلامية كالمساجد التي تبث روح الإسلام في نفوسهم. النقطة الرابعة: تنمية علاقة الأقليات بالمجتمعات الإسلامية انطلاقا من الحديث النبوي: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى[4]. لا بد من النظر إلى هذه العلاقة بين الأقليات المسلمة والمجتمعات الإسلامية على انها علاقة عضوية لجسد واحد ومن هنا تكون هذه العلاقة ذات طرفين: أ ـ الطرف الأول: على المجتمعات الإسلامية أن تشعر بما تعاني منه هذه الأقليات، وان يشكل ما تتعرض له هذه الأقليات جزءا أساسيا من همومها واهتماماتها. وهذا إنما يتم عبر إيجاد روح عامة في المجتمعات الإسلامية تحمل مسؤولية هذه الأقليات وتكون داعما دائما لها ينصرها في كل ما يحيط بها سواء على المستوى المادي أو المعنوي. ب ـ الطرف الثاني: على الأقليات أن تشعر بان ارتباطها الأساسي إنما هو مع المجتمعات الإسلامية وان هذه المجتمعات تشكل دعامتها في الحفاظ على شخصيتها ولذا عليها بالمقابل ان تساندها فيما تواجهه من تحديات بالنحو الذي تتمكن منه ويحافظ على وجودها. ان الذي يؤسس لتقوية هذه العلاقة المتبادلة مضافا إلى الشعور بوحدة الدين الذي يعتبر الرابط الأساس بين الأفراد، التواصل المستمر بين هذه الأقليات وبين المجتمعات المسلمة ويمكن لنا أن نذكر كمثال على ذلك نموذجين : 1ـ مسألة الحجاب: لقد واجهت الأقليات المسلمة أزمة ترتبط بتكوين أساسي من ثقافتها وشخصيتها الإسلامية ألا وهي مسألة الحجاب، حيث فرضت بعض الدول الغربية كفرنسا منعا قانونيا له. وهنا شهدنا موقفا رافضا من قبل المجتمعات الإسلامية لهذا الأمر وان كان بنحو محدود ولكنه يحكي عن هذا الارتباط بين الفئتين. 2ـ مسألة الرسوم المسيئة لشخصية النبي صلى الله عليه وعلى آله: لقد تنبهت الأقليات المسلمة لهذا الأسلوب المشين والذي نال من كرامة المسلمين جميعا عبر تعرضه لأعظم شخصية في تاريخ البشرية كافة، وشكلّت القضية نقطة التقاء أساسية بين الأقليات المسلمة في شتى أنحاء العالم وبين المجتمعات الإسلامية وعبَّر الجميع عن رفضهم لذلك ضمن أساليب متعددة وهذا الأمر يشعر الأقليات بأنها لن تكون وحدها في مواجهة ما يتعرض له الإسلام بل هو مسؤولية مشتركة. النقطة الخامسة: حدود الانفتاح والانغلاق يرتبط المكوّن الاقتصادي للأقليات المسلمة في الغالب بالمحيط الذي تقيم فيه، ولذلك فهي لا تتمكن من الانعزال عن مجتمعها وفرض ذلك عليها يؤدي إلى بقائها في حالة من التخلف الموجب لإذلالها. كما أن انفتاحها التام على تلك المجتمعات يُشكِّل خطرا أساسيا على هويتها الخاصة بها ومن هنا كانت الحالة الوسطى بين الانغلاق والانفتاح هي الحالة التي توصل إلى كلا الأمرين التطور المادي والحفاظ على الهوية ويمكننا الإشارة في هذه العجالة إلى بعض حدود الطرفين: أولا: في طرف الانفتاح تشكل دائرة المحرمات الشرعية سواء ما يرتبط منها بالاجتماعيات كحرمة الزنا وشرب الخمر وغيرها أو ما يرتبط منها بالاقتصاد كحرمة المعاملات الربوية حدا لا ينبغي على الأقليات ان تتجاوزه بل عليها ان تظهره أمام المجتمعات غير الإسلامية حيث تقيم لان هذا مضافا إلى دوره في الحفاظ على شخصيتها يشكل أسلوبا أساسيا في الدعوة إلى الإسلام لأنه يبرز إلى العلن تعاليم رئيسية في الإسلام قد تكون مثارا للسؤال والبحث عند الآخر بما يسمح له بان يطلع أو يبحث عن سر هذه التشريعات. ثانيا: دائرة الانغلاق والتي لا ينبغي أن تصل في حدها الأدنى إلى الحرمان من المباحات وذلك انطلاقا من قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) الأعراف إذا لا ينبغي أن يؤدي هذا الانغلاق إلى هجران الدنيا بالنحو الذي قد يخرج في بعض مفرداته عن مقاصد الشريعة الإسلامية، ويشكل عنصرا منفرا من دين الإسلام وإعطاء صورة قاتمة عن هذه الأقليات بما ينعكس على نمط تعامل المجتمعات غير الإسلامية معها . النقطة الخامسة: العمل على تحويل الأقليات المسلمة إلى دعاة لا ينبغي أن يرتبط التحصين الثقافي للأقليات المسلمة بمجرد الحفاظ عليها فان في هذا قصر نظر، بل لا بد من العمل عبر هذا التحصين الثقافي لتحويل هذه الأقليات إلى دعاة لشريعة الإسلام وبعبارة بعضهم إن الذي ينبغي العمل عليه هو توطين الإسلام بعد استيطان المسلمين في الغرب [5] وطريق الوصول إلى ذلك يتم من خلال طريقين: احدهما: تنمية الشخصية الثقافية للأقليات عامة أي بناء أقليات مثقفة بثقافة الإسلام بكافة تفاصيله لتشكل إجابة عن كل سؤال تطرحه المجتمعات غير الإسلامية عن الإسلام . ثانيهما: تربية أفراد من الدعاة من داخل هذه الأقليات لأنها الأولى بتولي مهمة الدعوة هناك مع الآخر غير المسلم وذلك لأنها تمتلك اللغة التي يمكنها من خلالها ان تخاطب به ذلك الآخر وليس مرادنا من اللغة هو مجرد ما يحكيه اللسان كالعربية والأجنبية بل المراد أسلوب الخطاب وطريقة الدعوة فان من يعيش ضمن تلك المجتمعات هو اعرف بما يجذبهم وبما يثير فيهم حفيظة البحث والاستعلام عن هذا الدين النقطة السادسة: دور الشعور بالخطر في تحصين الأقليات الدافع الذاتي هو من أهم العوامل التي تساعد على تحصين الأقليات ثقافيا، لان الرغبة هي عامل مهم لنفوذ التعاليم ورسوخها في النفس وهذه الرغبة إذا كانت تعود في المجتمعات الإسلامية إلى تربية المحيط فان ما يعمل على ذلك عند الأقليات هو إحساسها بالخطر على شخصيتها من المحيط الذي تقيم فيه دون أن ينقلب هذا الإحساس إلى فعل عدواني. فلا ينبغي أن تعيش الأقليات المسلمة الطمأنينة التي تصل بها إلى حد الغفلة بما يؤدي إلى سهولة اختراقها ثقافيا . -------------------------------------------------------------------------------- [1] - نهج البلاغة ، عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الاشتر لما ولاه مصر. [2] - الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن ، تهذيب الأحكام ، ص 402 ج 7. [3] - الحر العاملي ، وسائل الشيعة باب 1 من ابواب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث 11. [4] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 58 - ص 150 [5] - د. طه جابر العلواني ، جريدة الشرق الأوسط تاريخ 18- 1 – 2000.