العلماء والدور المطلوب الدكتور الشيخ عبد الناصر جبري([1]) توطئة: العلماء قادة الامة وورثة الأنبياء، هم حراس العقيدة وجند الحق، وموجهوا الأمة وبوصلة الحكام. العلماء: إذا صلحوا صلح الحاكم وصلح الناس، وإذا فسدوا فسد الحاكم وفسد الناس. العلماء ملاذ المظلومين وملجأ المغبونين وكهف الملهوفين. العلماء محركو الامة ومجددوا حياة الشعوب وباعثو نهضة المجتمع. العلماء وجهة الأمة في خطوبها ومأواها بالملمات والأمل عند الكوارث والمصائب والمفزع إن حل الضيم وسلبت الحقوق وانتهكت الحرمات. العلماء هم المتكلمون بلسان الشعوب والمعبرون عن تفكيرهم وعقولهم والمبينون لما في ضميرهم ووجدانهم. العلماء لا ينامون إن نام الناس، ولا يشعبون عن غنى إن أتخم الناس ولا يسكنون إن استرخى الناس، فلا يرضخون لمشيئة متجبر أو لرغبة مستبد فكانوا مصلحة القوى، ومصدر الرضا وميزان الاستقرار وعامل التوازن بين الحاكم والمحكوم ، لم يثنهم عن القيام بواجبهم تهديد ولا وعيد، منهم الذين ارخصوا في سبيل الحق الدماء وبذلوا في سَبيل الله المهج والأرواح ، فكم جلدت منهم الظهور وشقت الجلود وأريقت الدماء وأزهقت الأرواح فما غيروا وما بدلوا وما استكانوا فكان لهم النصر دوما على الظلمة والغلبة أبدا على الطغيان. نريد من العلماء أن يتقدموا الصفوف وييمموا لله وجوههم، فيكونوا الأسوة ويكونوا القدوة ويقودوا الامة ويعيدوها الى جادة الصواب وسبيل الخلاص وطريق النصر المؤزر المبين. لقد حفل تاريخنا الطويل بعلماء أجلاء اتصفوا بالجرأة وصدقوا بالعلم والعمل، أخلصوا النصح للحاكم والمحكوم، بعقل متدبر وفعل متوازن، فكانوا المصابيح في الظلم يهتدي بهم ويؤخذ عنهم في النوازل والخطوب متحملين بصبر وشجاعة استنهاض الشعوب وإعزاز الحق ونصرة الاسلام، ولا غرابة في كل ذلك فهم حملة القرآن الكريم وإرث النبوة الطاهرة، فهم ليسوا كذلك قطاعا منفصلا عن جسد الامة، فيتحركون بروحها قوة وضعفا، حتى لا نحملهم كل المسؤولية بمواجهة ما يعصف بالأمة من تخبط وآلام، مع العلم أن على عاتقهم المسؤولية الكبرى، وبالمقابل نسأل، كم تضامنا مع العاملين منهم؟ فالأمة لا تصنع ولا تنهض بالنادر أو القائد الفذ فقط، وإنما بالأمة، ولو أن التاريخ كان يسجل فقط أسماء القادة، ومن هنا أضع بعض الأفكار لتهيئة جيل من العلماء الذين ينبغي أن نعدهم للانطلاق بالأمة نحو النهوض ومقاومة التحديات المعاصرة. فلا يمكن للعالم أن يكون على هامش قضايا الأمة وأحداث العصر وإلا فقد ثقة الامة واحترام المجتمع وقداسة الوراثة النبوية، لذلك على العلماء أخذ المبادرة لإعادة بنية المجتمع بالإرتكاز على معرفة الرسالة ودورهم بتحملها وأدائها ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قيمة كل امرئ ما يحسنه) ، فالعلماء هم ورثة النبي وعليهم إرث الرسالة بكل وظائفها الدعوية والاجتماعية، والسياسية والإصلاحية وغير ذلك، والمتخاذل ليس له نصيب منها. وعلى هذا: أولاً: لابد من معرفة الدور الملقى على عاتقهم وبالتالي لابد من الاتصاف بأخلاق الأنبياء بأقوالهم وأفعالهم الذين اتسعت مداركهم فلم يضيقوا الواسع وتوافروا على نصرة القضايا الكبيرة بفهم حصيف وبصر ثاقب وقول راشد وفكر نير. ثانياً: ليس لهم التنصل والتهرب من المسؤولية إيثارا للراحة وطلبا للسلامة. ثالثاً: احترام الاختصاصات ليتعرف كل عالم على دوره ولا يسلب الآخرين دورهم في البناء، فليس عندنا الرجل الموهوب الذي يحل كل المشاكل ويكون مؤهلا لكل المواقع، فالواعظ الخاص غير العالم المحقق والمحدث الفقيه غير السياسي المحنك ولا يعني هذا ضرورة المعرفة في أصول كثير من الفنون. رابعاً: الحياة مع الأمة وعدم الانطواء على الذات ليتألم لآلامها ويقوم اعوجاجها من غير تعال ولا انفصال ، فيجدد الفكر النير ويبعث الحياة الروحية، فلا نهضة للأمة بالكسل والخمول. خامساً: الانتقال من ردة الفعل إلى الفعل الواعي الراشد فلابد من التخلص من التردد والحيرة واستعمال اللسان في موضعه، والعمل حيث لا ينفع اللسان والتخلص من الاستعمار من حيث قبولنا له، وهكذا لنخرج من عملية التأثر إلى واقع التأثير. وكذلك لابد من قراءة التاريخ بفرعايته الثقافية والحضارية لا للوقوف عنده بل للانطلاق بعد الاستفادة لمستقبل أفضل، ومن خلال هذه القراءة يحسن الوقوف على الثغرات بشجاعة، فلا يقبل كل مايرد فيه ولا ترفض الحقائق، فهذا تاريخنا بحسنه وسيئه، ولا نستطيع أن نتحامل عليه ولا أن نتبرأ منه، عندئذ يقودنا هذا الدرس إلى عدم إعادة التجارب الفاشلة والظلم الواقع به، فإن نظرنا إلى السلبيات لا يعني هذا الإهانة والنقص وإنما يطلب التصحيح والرجوع بمسلكية حاضرنا إلى الرشد والصواب ، فلا يعني أن نجلد أنفسنا بدل النقد والإصلاح، ومن خلال هذه القراءة نعرف عوامل النهوض وأسبابه لوحدة الأمة وتمسكها بالتكاليف الشرعية جليلها وصغيرها، ويظهر لنا عوامل الهزيمة من خلال الفرقة والتشتت والبعد عن المكارم والأخلاق. ومن قراءة الحاضر وتوصيفه، لابد من معرفة موقع الأمة بحاضرها للقدرة على الانتقال بها إلى مستقبل أفضل، بعد معرفة المسلمين لواقعهم ومن يواجهون وكيف نستطيع بنية الفكر والعمل الذي يمكن ان ينتقل بنا لمستقبل أفضل، لاسميا وأن عدونا بفكره المادي استطاع أن ينتصر بهذه الحضارة المادية البحته في القارات الخمس وتجاهل كل القيم الإنسانية، لذلك يلزمنا استحضار خلفيتنا الثقافية والتي لا تتجاهل المعنويات والوجدانيات والتي هي جزء من الإنسان الى جانب الماديات لتعود بهذه الحضارة الى قلب العالم ويعود الانسان الى رسالته ويتحرر من العقد الخبيثة التي أصابت الانسان وماترتب عليها من مفاسد في مناطق الفقر والفتن. ومن استشراف المستقبل: فبعد معرفة الواقع والنظر الى التاريخ، لابد من نظرة للمستقبل والإعداد لكي نكون خير أمة أخرجت للناس من خلال معرفة الإمكانيات واستخدامها خير استخدام ، فدوما يبدأ الإنسان صغيرا وينتهي كبيرا إن أحسن التصرف وغابت العشوائية والارتجال من خلال التخطيط الدقيق ووضوح الهدف حسب الأولويات التي ممكن تنفيذها. العلماء: في تاريخ بلاد الشام والرافدين خلال الغزو المغولي لقد مر على امتنا ازمات قاتلة وكوارث مدمرة أبرز معالمها هجمات التتار والمغول، وحملات الإفرنج والاستعمار الحديث، لو أصابت أي أمة من أمم الأرض لأذابتها وقوضت أركانها، أما هذه الأمة التي أخذت حياتها من القرآن الكريم ومن سنة النبي العظيم (صلى الله وعليه وعلى آله) ، خرجت من الأزمات كل الأزمات رافعة الرأس موفورة الكرامة هازمة لعدوها داحرة له. الهجمات المغولية والتترية البربرية. بعد أن عاش الأحفاد على أمجاد الأجداد في أواخر أيام الدولة العباسية، وانغمسوا في حياة الدعة والهدوء والفجور والمجون، وتركوا حياة الجهاد والاستشهاد، وماترك قوم الجهاد إلا ذلوا، اغتنمت قبائل المغول البربرية بتحريض من الغرب بقيادة هولاكو وتآمر داخلي الفرصة، وصحت بغداد التائهة في خلافاتها ومشاحناتها على هول الصدمة من القتل والتدمير والهدم والحرق، حتى أصبح مغولي واحد يهدد الجماعة من الناس ويقتلهم، فسالت الدماء وهدمت القصور وخربت الدور وتغير لون ماء دجلة بما ألقي فيه من الكتب وأحرقت المدارس والمساجد والأربطة والمكتبات التي تعد مفخرة للإنسانية جمعاء، كما ذكر ابن الأثير، وحسبت الدنيا أن الإسلام قد انسلخ من دنيا العراق، ولكن ماالذي حدث؟ خمد الإعصار ودفع المغول الثمن على هضاب فلسطين وسهولها في عين جالوت وذهب المغول إلى غير رجعة ومن بقي منهم بقي ببركة الإسلام الذي اعتنقه وبقيت الأمة بجهاد علمائها ومواقفهم ، فهذا الشيخ الحراني أحمد صاحب الصراع الطويل مع التيار، تولى دورا قياديا في ذلك وحرض الناس على القتال ونهاهم عن الفرار ورغبهم في الإنفاق وأوجب جهاد التتار على كل مسلم، ثم خرج على مصر يستصرخ أهلها ويحرض حكامها على مقاومتهم بالتعاون مع علمائها للدفاع عن دمشق وأهلها حتى تمت هزيمة التتار عام 700هـ ، كما جاء في كتاب رجال الفكر والدعوة نقلا عن البداية والنهاية، ومن قبله الإمام عزالدين بن عبد السلام وفتواه المسموعة من الأمة، المتواصل معها العامل عليها، وأعلن قائلا: إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على كل فرد قتالهم وتوجه للحكام بقوله وجاز لكم ان تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء من السلاح والسروج الذهبية والفضية وأسقاط السيوف والفضة وغير ذلك وتبيعوا مالكم من الخوائص الذهبية والآلات النفيسة ويقتصر كل الجند على سلاحه ومركوبه (كما جاء في كتاب: مواقف حاسمة للعلماء). وجهز السلطان قطز الجيوش بقيادة الظاهر بيبرس بعدما عمل بفتوى بائع الامراء وسلطان العلماء، وتقدم العلماء صفوف الجيش فيهم سلطان العلماء والإمام النووي وأبوالحسن الشاذلي وقد تجاوز من العمر الثمانين وهو ضرير، وغيرهم كثير، وكانت كلمة السر وا محمداه.. وا إسلاماه ، كما ذكر صاحب كتاب وا إسلاماه. وانتهت المعركة بانتصار المسلمين في عين جالوت وحفظ الله الإسلام وبلاده مصر والشام وبلاد العراق وغيرها. خلال حملات الإفرنج: كانت هذه الحروب بكل أسف باسم الصليب والمسيح حيث استغل الملوك المغامرون في أوروبا الشعور الديني، وهاجما الشرق العربي الإسلامي واستولوا على معظم بلاد الشام ودمروا وخربوا وشتتوا وشردوا، وخاضت خيولهم في دماء المسلمين إلى ركابها وطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد وأنشأوا الممالك وحصنوا الإمارات وظنوا، وظنت الدنيا أن لا تبديل ولا تغيير وأن الإسلام لن يعود إلى تلك الأمصار وأن المسلمين لن يحكموا هذه الأقطار، وكانت الأمة أسوأ حالا من حالنا هذه تفككا وتنافسا وتباغضا وعداء، في كل مدينة أمير وفي كل بلد ملك وفي كل منطقة دولة وأصبحوا كما يقول الشاعر: وتفرقوا شيعا فكل مدينة فيها أمير المؤمنين ومنبر بل تعامل بعض الملوك والأمراء مع الإفرنج ضد أخوانهم المسلمين، واستعانوا بهم على بعضهم ، فحالة تدعوا للقنوط، وتمزق يوصل لليأس ولكن حال المسلمين ليس كذلك، فهيأ الله للأمة علماء أجلاء سنتكلم عن بعضهم لاحقاً وسلاطين مخلصين أقوياء أمثال عماد الدين ونور الدين وصلاح الدين، الذين كانوا عنوان الفخر لأمتنا ونبراس الكرامة لأجيالنا خاضوا معركة البناء الذاتي، غيروا أولا ما بأنفسهم من الفساد، واستمدوا أخلاقهم وسيرتهم وسلوكهم من إرث سيدنا محمد رسول الله في الصلاح والتقوى، فأعطاهم الله إرث رسول الله في النصر والغلبة، تمسكوا بالإسلام والقرآن واقاموا دولتهم على أساس متكامل، بناء بشري يحل الحلال ويحرم الحرام ، فيه العلم والثقافة العامة ونشروا العدل بين الرعية وفتحوا بابهم للناس، ردوا المظالم وحصنوا الأخلاق وقربوا أهل العلم والتقوى واستناروا بهم كلما دخلوا بلدا دعوا علماءه ومن لا يأتيهم يذهبوا هم إليه. وعندما اطمأنوا لسلامة البناء الداخلي رفعوا لواء الجهاد وتقدموا بأنفسهم الصفوف مع خيرة العلماء كابن شداد والفاضل وغيرهما، ولم يتركوا صلاة الجماعة قط، حتى غاب عن الوعي قل موته إلى جانب قراءة القرآن وقيام الليل ودموعه تناسب على وجنتيه من خشية الله، وقد خاض مع خيرة العلماء أربعا وسبعين معركة على مدى تسعة عشر عاما، ما عرفت بلاد الشام وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان مثلها، استعملت كل أنواع الأسلحة إلى جانب الذكاء والاختراع والإبداع والشجاعة، السيف والدباب والجانيق حتى انتهت معركة الفصل بحطين وانتصرت الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكثيرة الباغية وتقدمت جيوشه نحو المسجد الأقصى المبارك وهتاف الله أكبر تملأ سمع الدنيا ورايات لا إله إلا الله محمد رسول الله تملأ بصر الوجود، وكان الفتح المبين بعد احتلال للأقصى دام إحدى وتسعين سنة، ولم تجز السيئة بمثلها ولم تخض خيول المسلمين بدماء الصليبيين بل عفا وصفح كما هو معروف بالكتب، وكان للعلماء الدور البارز عندما سلم الصالح إسماعيل ملك دمشق الصليبيين قلعتي صيدا والشقيف وغيرهما من حصون الملسمين وسمح لهم بدخول دمشق متى أرادوا وشراء الأسلحة وآلات الحرب، أفتى العلماء بتحريم بيع السلاح للإفرنج، وفي مقدمتهم الشيخ عزالدين، بل انتقد صاحب دمشق يوم الجمعة من منبر المسجد الأموي وقطع الدعاء له ودعا بقوله: اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه الإسلام وأولياءه وتذل فيه أعداءك ويعمل به لطاعتك وينهى عن معصيتك. وعزل ملك دمشق الشيخ عن الخطابة ووضعه تحت الإقامة الجبرية، فحمل لواء المعارضة الشيخ ابن الحاجب المالكي ثم هاجر كلا الشيخين إلى فلسطين، وفي طريقهما إلى مصر اعتقل حاكم نابلس الشيخ عز الدين وحاول الصالح أن يسترضيه وأرسل له أحد أتباعه بالأمان قائلا له: بيني وبينك أن تعود إلى ماكنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير، فرد عليه الشيخ برده التاريخي: والله ما أرضى أن يقبل هو يدي فضلا عن أن أقبل أنا يده (كما جاء في كتاب تاريخ الإسلام). خلال الاستعمار الحديث: وجاء دور الاستعمار الحديث بشقيه الثقافي والعسكري: أما الشق الثقافي فهو المتمثل بإبادة الأفكار والمفاهيم والمثل والعقيدة واللغة والمبادئ وغيرها من البنى الخفية التي تكون الأمة. وهو منبع قوتها ومنعتها فعملوا بالتخطيط الماكر على صناعة رجال يمثلونهم في المنطقة وجمعيات سرية وعلنية وأحزاب ومؤسسات يتسمون بأسمائنا ويتزيون بأزيائنا ولكن عقولهم وقلوبهم وعواطفهم للمستعمر الغربي فأصبحوا السادة والقادة الذين تحت أيديهم كل سلطة وطوع بنانهم كل قوة، وأوجدوا لهم المنابر والدعاية لزحزحة هذه الأمة عن معقتداتها وإيقاعها في هاوية الضياع الفكري والتيه العقدي، وأنشئت الصحف والمجلات ودور النشر لذلك، وعملوا على هدم دور المرأة باسم حريتها وتقدمها، فأخرجوها من دورها التربوي الطليعي التي ربت به قادة الدنيا وسادة الأرض إلى المتاجر والمطاعم والشركات لتستقبل الزبائن حاسرة الرأس مشكفة العورات، تتقدم الرجال وتتصدر الحفلات عرضة للراغبين، وكذلك تحركوا على الشباب، درع الأمة وحمايتها وأملها، فلم ينسوا أن يلقوا إليهم الحب ليلتقطوه، واستخدموا الجنس مركبا للوصول الى هذا الهدف فأشاعوا الفاحشة ونشروا الفسق والفجور، وقننت القوانين لإباحة الحرية الجنسية، فغرق الشباب في حمأة الرذيلة، وفرضت القوانين الفرنسية والانجليزية والللاتينية وغيرها مكان الدستور السماوي الخالد وربى المستعمرون في هذا الجو الملائم فئات أخرى من الناس على أيديهم رووهم أصول حضارتهم المادية وشربوهم كراهية الدين والمتدينين والإسلام والمسلمين وأمدوهم بكل عوامل البقاء والنماء، وترك لهم مهمة التدمير وتقويض دعائم مقومات الأمة لتصبح الأمة تقاد ولا تقود، تتبع كل ناعق – تباع مصالحها في أسواق النخاسة الدولية، ويقرر مصيرها في دهاليز الدول الاستعمارية ، فتفككت أواصرها وتشتت رجالها ووضعت الحواجز الوهمية فيما بينها، وتاهت في الفرقة والتمزق، وضاعت ضياعا شاملاً لا تدري أي طريق تتبع لتنجو أو أي سبيل تنهج لتسمو. أما الشق الاستعماري العسكري فهو الذي استهدف الأمة من شرقها لغربها وعربها وعجمها، احتل البلاد وأذل العباد ونهب الخيرات وارتكب الموبقات وأقام المجازر الجماعية بقصد الإبادة، ولكن الأمة لم تستكن، وحمل اللواء العلماء وتقدموا الصفوف بهامات مرفوعة ونفوس تواقة للشهادة ، فمن عبد القادر الجزائري والشيخ عبد الحميد بن باديس إلى عز الدين القسام مرورا بعلماء الأزهر وعمر المختار والسيد بدر الدين الحسني وعلي الدقر وهنانو في سوريا وشامل في داغستان والمهدي في السودان والسنوسي في ليبيا وعلماء الحوزة في النجف وثورة العشرين وغيرهم كثير، ويعتبر بعض الناس أن هذه الثورات قد فشلت لأنها لم تحقق كامل الاستقلال، والحقيقة أن أيا منها مهما كانت محدوديتها فقد أدت دوراً في غاية الأهمية، إذ فوتت على الاستعمار غرضه الأساس، وهو التصفية الوجودية للأمة، فلولا ثورات الجزائر المتكررة لأصبحت الجزائر فرنسية، ولولا ثورات المغرب الدامية لأصبحت المغرب إسبانية فرنيسة، ولولا ثورات ليبيا البطولية لأصبحت ليبيا إيطالية كذلك، وهذه الأندلس وصقلية وجزر المتوسط خير شاهد لمن يعتبر، فلم يعد الإسلام دينها ولا العربية لسانهاوكأنها لم تكن بالأمس نبراسا للحضارة الإسلامية ومركز إشعاع استنارت بهديها أوروبا كلها. مع هذا كله ومع كل هذه المقاومة، استطاع الغرب أن يزرع دولة صهيونية في قلب الأمة عام 1948 لتكون بؤرة ينطلق منها في المنطقة لتمرير مشاريعه ومتابعة مخططاته، وانبثق في الأمة رجال يقاومون مثل الإمام الخميني – دون ضياع أرض الإسراء والمعراج بأرواحهم الأبية وعبيرهم المقدسي ، بقيادة أهل العلم والفضل، كما يحدث اليوم في العراق الشقيق، بلاد الرافدين ، بعد احتلاله من قبل العدو الأمريكي، وانبرى العلماء والفقهاء واهل الفضل للمقاومة، ولكن في النهاية سيكون النصر لنا بإذن الله، كما حدث في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وهو البلد المعروف بصغره وتعدد طوائفه، إلا أن إصرار المقاومين والمجاهدين بقيادة المخلصين من العلماء مثل الشهيد السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والشيخ محرم العارفي والشيخ سعيد شعبان وغيرهم من العلماء كثير كأمثال سيد المقاومة السيد حسن نصر الله والقادة الحزبيين المخلصين وشددة والشيخ احمد ياسين والسياسين، استطاع أن يدحر الاحتلال خلال ثمانية شعر عاما من الصراع الطويل والجهاد المستمر، إلى أن كانت النتية، دحر المحتل وهذا على طريق النصر الكامل بتحرير كل فلسطين، بقيادة العلماء وإرادة الشعوب، بإذن الله. الإمام الغزالي وفكره الإصلاحي: بدأت الحملات الصليبية على آسيا الصغرى أواخر القرن الرابع للهجرة وأطاحوا بملك السلاجقة واستواو على عاصمتهم ثم اتجهوا نحو الجنوب وفرضوا الجعل على حاكمي دمشق وحلب واقترفوا المذابح الوحشية بالأطفال والرجال والنساء بكل قرية دخلوها حتى وصلوا إلى بيت المقدس عام 491 هـ فقتلوا في ساحته أكثر من سبعين ألفا من العلماء والزهاد والعباد والمجاورين كما أشار إلى ذلك ابن خلدون، والمسلمون غرقى في خصوماتهم واختلافاتهم وشهواتهم وجدالهم، حتى ذكر ابن الجوزي أن وفدا من بلاد الشام جمع بكيس جماجم وشعر النساء وعظام الاطفال وذهب إلى العراق ونثرها بين يدي الخلفية في العراق، فقال الخليفة لوزيره: دعني أنا في شيء أهم من هذا، حمامتي البلقاء لي ثلاث ليال لم أرها، وكانت مدربة على الغلبة ونقر الحمام، وهذه لعبة بعض الأغنياء والأمراء في ذلك الوقت. وإلى جانب هذا الفساد فساد اجتماعي بكل أبعاده الفكري والمذهبي والاقتصادي وغير ذلك، وانتشرت العصبيات العرقية والطائفية والقبلبية والإقليمية عوضاً عن الأمة الواحدة ووحدة الأمة وانشغل الناس باليوميات الصغيرة من مأكل ومشرب وملبس وتنافس في التجارات وتلبية الشهوات الجسدية، فانهارت القيم وسقطت الأخلاق، وانتشرت الأنانيات والنفاق حتى صاروا كما وصفهم أبو شامة: كالجاهلية همّ أحدهم بطنه وفرجه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وصار الحديث عن واقع الأمة ومستقبلها وعن المثل العليا وأهميتها كالحديث عنها في عصرنا الحالي ويصف ذلك الشيخ عبد القادر الجيلاني بقوله: وصار الحديث عن المثل العليا والقضايا العامة إما وسيلة ثقافية يتكسب بها الخطباء والوعاظ والمدرسون وإما مثاليات وخيالات يستخف بها الكثيرون ولايعيرونها انتباها. وشاعت ألعاب مصارعة الحمام وشاع الزنى وشرب الخمور وانتشرت الملاهي والجواري والمغنيات إلى درجة كما يقول ابن كثير ارتفعت من أجلها الشكاوى، واختل الميزان الاقتصادي بين الناس وأصبح المال دولة بين الأغنياء فحسب دون الفقراء فتفنن التجار في الاحتكار، وكذلك فقد عانت جماهير المسلمين من ضروب الجوع مالايمكن تصوره، وانتشر الطاعون في الموصل والجزيرة العربية والعراق، وفي نفس الوقت تفننت الدول بالضرائب والمكوس حتى أن الحجاج كانوا يدفعون الكثير من الضرائب، ويقول ابن كثير: ومن عجز عن الأداء حبس ولو فاته الوقوف بعرفة، فتوفر المال بأيدي طبقة من الناس بمقابل الفقر المتقع الذي كان يقع فيه الغالبية العظمى من الناس، واقتفى الجند أثر الأمراء والوزراء باستغلال الفرص ونهب المدن والمحلات التجارية عندما تسمح لهم الظروف، فأغلب الأحيان يأتي الفساد الاقتصادي من خلال الفساد السياسي والفساد السياسي مصدر الفساد الاجتماعي، فهذه صورة مختصرة عن الواقع الاجتماعي لمجتمعاتنا قبل الاجتياح الصليبي لها. دور العلماء باستنهاض الأمة لم يكن هناك خيار أمام الأمة، إما الاستمرار بالتدهور والاستسلام للواقع المرير للوصول إلى مرحلة الذوبان والاندثار، أو قراءة الآية الكريمة: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) لنفض الغبار والثورة على التخلف، والواقع بعد دراسة الأسباب والمسببات التي أودت بالأمة إلى الاستباحة من قبل أعدائها الغرب والصليبيين ، فطلبت الأمة الخيار الثاني بحمل الرسالة من جديد والعمل على إعادة الهيكلية لنشر العقيدة وترسيخ الإيمان والاستنهاض لبناء جيل جديد عن طريق اللعماء فبنيت مؤسسات تعليمية من المدن والقرى تبنتها الدولة السلجوقية عرفت باسم المدارس النظامية نسبة للوزير نظام الملك، ومن جاء بعد من المماليك، ومطلوبهم المنشود ببعث حضاري جديد وتحرير بيت المقدس ودحر الصليبيين، وكان للإمام أبي حامد الغزالي الريادة في توصيف أسباب الهزيمة في الأمة ووضع العناوين التي تكلم عنها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين. اعتبر الإمام الغزالي أن مهمة هذه الأمة حمل رسالة الإسلام إلى العالم كله عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأساليبه المتعددة، ولما ترك المسلمون وظيفتهم امتلأت الأرض بالفتن والفساد وصار العالم ضحية هذا التخاذل الإسلامي وعمل على تشخيص الأمراض ومعالجتها، بداية من قابلية الأمة للهزيمة وكيفية معالجة هذه القابلية، ولم يتباكى على مظاهر الهزيمة ونتائجها ورد أسباب تردي الأمة إلى أمور عدة اهمها: فساد رسالة العلماء. فاختل انضباط السلطان وتاه اصحاب رؤوس الاموال يرى الدكتور ماجد الكيلاني أن القاعدة الأساس عند الإمام الغزالي في صلاح المجتمع الإسلامي وفساده هي نوع العلاقة القائمة بين العقيدة والسياسة والاجتماع، فإذا كان هناك عقيدة صافية راسخة يدور في فلكها كل من السياسة والاجتماع وارتقى العلماء الممثلون لهذه العقيدة إلى مايجب أن يكونوا عليه من الإخلاص والتجرد والفهم واحتلوا المكانة الأولى في التوجيه، صلح المجتمع، وانتظمت الحياة وأما حين تدور العقيدة في فلك السياسة ويهبط العلماء الممثلون للعقيدة لتبرير ممارسات الموجهين للسياسة فإن الخلل والفساد يتسربان الى المجتمع حتى ينتهيا به إلى الانهيار والسقوط، فلو أن الناس تعاملوا بالخير والعدل لانقطعت الخصومات واكتفى الناس بمحبتهم لبعضهم، ولكن تناولوا الدنيا بالشهوات والأنانيات، فتولدت الخصومات ونشأت الحاجة إلى سلطان يسوسهم واحتاج السطلان إلى قانون يسوسهم به، فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات، ولذلك فهو معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وضبطهم لتنتظم باستقامتهم أمور الناس في الدنيا، ومتى انتظمت أمورهم الدنيوية صح طريقه إلى الآخرة. وهكذا هي العلاقة بين الدنيا والآخرة لأن الدنيا مزرعة الآخرة فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فائع، ويضيف الإمام الغزالي كما يقول الكيلاني أن هذه القاعدة هي التي حكمت الفترة المثالية في تاريخ الإسلام لأن الخلفاء الراشدين كانوا علماء مهديين علماء بالله تعالى، فقهاء في أحكامه، فتفرع العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لتربية الناس وأعرضوا عن الدنيا وما في أيدي الناس منها (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس). فلما انقضى عهد الراشدين تبدلت القاعدة فصارت العقيدة تدور في فلك السياسة حيث أفضت الخلافة على فترات من الزمن إلى أقوام تولها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطر هؤلاء الحكام إلى الاستعانة بالفقهاء في جميع أحوالهم لإستفتائهم في أحكامهم وكان قد بقي من العلماء التابعين من هو مستمر على سيرة النوع الأول في ملازمة صفو الدين والمواظبة على سمت علماء السلف، ورفضوا التعاون مع هؤلاء الحكام وهربوا في الوقت الذي استمرت حاجة الخلفاء إليهم لتولية القضاء والحكم وانتبه لهذه الظاهرة أناس رأو في العلم تجارة رابحة ووسيلة للتقرب من الخلفاء والولاة والحصول على الوظائف الكبيرة فأقبلوا على دراسة الفقه والتخصص به، ولكن لأهداف مغايرة للعقيدة وخدمة الدين فهبطت منزلة العلماء وقيدت ألسنتهم الأطماع وانعكست نتائج ذلك على قيادات المجتمع الإسلامي، ويصف الغزالي هذا المآل فيقول: أما الآن فقد قيدت الأطماع ألسنة العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أفعالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه في قلوبهم، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأرذال، فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال. (بتصرف) وكذلك يرى الإمام الغزالي إن من الأمراض انتشار الشكلية الدينية عند العلماء وأرباب العبادة والمتصوفة وأرباب الأموال، أما العلماء فقد تباروا في تحصيل العلوم الشرعية والعقلية مع جفاف الروح وفقدان التقوى، واتخذوا من علومهم سلما للشهرة، وإن أظهروا العجب أوّلوه بعزة الدين وإظهار شرف العلم وغير ذلك، وأما أرباب العبادة فقد أهملوا الفرائض واشتغلوا بالفضائل والنوافل ومن أبرز صفاتهم يشغلون الناس وأنفسهم مثلا بالوسوسة في الوضوء والجدال بالتلفظ بالنية والوقوف عند النطق بالحروف ويتباهون من يختم القرآن بالليل والنهار دون التفكر بمعانيه والعمل بأحكامه وإلى غير ذلك من صفاتهم. وأما المتصوفة فقد اغتروا بزيهم وهيئتهم دون النظر إلى إصلاح حالهم فاعتدّوا بالملابس الرثة والمساكن البسيطة والكلام عن الأحوال والمقامات وتركوا الأعمال وانشغلوا بمراقبة القلوب. وأما أرباب الأموال، فتكلم الإمام الغزالي عن غرور هؤلاء واستعمالهم المال في مظاهر التدين كبناء المساجد والأربطة من الأموال المكتسبة من الرشاوي والظلم والنهب دون النظر إلى مصادر كسبها، وكل ذلك يرجى منه الشهرة والنعوت الفضفاضة ، وأفاض الإمام الغزالي عن هذه الأصناف ثم تكلم عن ميادين الإصلاح. أولاً: العمل على إيجاد جيل جديد من العلماء والمربين وحدد صفاتهم. 1ـ أن لا يطلب العالم الدنيا بعلمه. 2- الاعتناء بالعلم النافع المرغب بالطاعات دون علم الجدل وعلم القال والقيل. 3- أن لايكون العالم مائلا بالترف في المأكل والمشرب والملبس والسكن. 4- أن يكون العالم مستعصيا على السلاطين محترزاً عن مخالطتهم. 5- أن يكون شديد العناية بتوبة اليقين. 6- أن يكون أكثر حرصه على علم الأعمال وما يفيد الأمة. ثانياً: وضع منهجا علميا تربويا جديداً وتكلم عن ذلك بالتفصيل. ثالثاً: إحياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. رابعاً: نقد السلاطين الظلمة وتحريم معاملتهم بكل أشكالها. خامساً: محاربة المادية الجارفة والسلبية الدينية وتصحيح التصور السائد عن الدنيا والآخرة. سادساً: الدعوة للعدالة الاجتماعية. سابعاً: محاربة التيارات والأحَزاب الفكرية المنحرفة. وعلى أثر منهج الإصلاح الذي قدمه الإمام الغزالي بدأت الجماعة النظامية تعدل مناهجها ، وكذلك ظهر نوع جديد من المدارس والمؤسسات التربوية الخاصة التي استلهمت روح المنهاج الذي بلوره الغزالي وتكاملت فيه ميادين العقيدة والتزكية والفقه، وأهم هذه المدارس، المدرسة المركزية وهي مدرسة الشيخ عبد القادر الكيلاني، ويضيق المكان للكلام عن هذه المدرسة المهمة التي استتبعها مدارس أهمّها: المدرسة العدوية والمدرسة البيانية ومدرسة الشيخ رسلان الجعبري ومدرسة الحراني ومدرسة عقيل المنجي ومدرسة الشيخ الهيتي ومدرسة الجوسكي وغيرها، ثم قام التنسيق بينها ووجدت مشيختها خلال موسم الحج وكانت المشيخة الكبرى للشيخ عبد القادر الجيلاني ، ولقد ترتب على هذا الاتحاد أمور كثيرة أهمها: 1ـ وحدة العمل لدى العلماء من خلال مدارس الإصلاح عامة. 2- اتفق العلماء في المدارس والأربطة المختلفة على إرسال النابهين للمدرسة القادرية وتؤهلهم المشيخة في المستقبل. 3- إحكام الربط بين الفقه والسلوك مما أعاد للعلم حياته. 4- خروج الزهد عن عزلته وإعادته إلى مفهوم الصحيح. أتت هذه الحركة العلمية بمنهجها الذي رسمه الإمام الغزالي وتنفيذه من قبل العلماء في المؤسسات المسجدية والمدرسية ثمارها في ميادين الحياة المختلفة وأنجبت جيلا جديدا جسد تكوينه النفسي وسلوكه العلمي تعاليم الإسلام وأخلاقه من غير أن تلوثه العصبيات المذهبية أو الشهوات الدنيوية وحين انتشرت عناصر هذا الجيل الجديد واحتلت مواقعها في المؤسسات السياسية والجيش والتربية والاجتماع والاقتصاد في المنطقة التي ركزوا جهودهم فيها، برزت آثار سياستهم وممارساتهم في مجابهة المشكلات والتحديات التي برزت على مسرح الحياة الإسلامية في الداخل وفي مواجهة الأخطار التي أرهقت الأمة من الخارج واستطاعت الأمة أن تعود من جديد ببناء وحدتها وتحرير مقدساتها وتقديم الإسلام كأصل حضاري يصلح الناس وإن تباينت ألوانهم وألسنتهم ومواطنهم. ختام البحث: وما أشبه اليوم بالأمس، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولو تغيرت الأسماء ، فلم يكن التفكك والفساد السياسي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي المؤدي لانهيار الأمة وتمزيقها واحتلالها وليد الساعة، بل مرت على الأمة أحداث مشابهة، بل ولعلها أشد وأصعب ، واستطاعت الخروج منها بفضل العلماء وإخلاصهم ، والإمام الغزالي وتجربته واحد من مجموعة كبيرة من هؤلاء العلماء. سادتي العلماء.. نحن بحاجة لدور فعال، ووضع برامج إصلاحية تشخصونها في كل الميادين، وأنتم ملح الأرض وعلى عاتقكم المسؤولية ولذلك قدمتم لفظاً لتقدمكم طبعاً بالنص النبوي الشريف: (صنفان من أمتي إن صلحا صلحت الأمة العلماء والأمراء). -------------------------------------------------------------------------------- [1]– عضو مجمع علماء المسلمين وعميد كلية الدعوة الاسلامية لبنان.