جهود للتوصل الى آليات مشتركة لدستور اسلامي موحد السيد سجاد السيد موسوي ([1]) مقدمة يعد الدستور من اهم الوثائق الوطنية والسياسية لأي مجتمع فإنه يضمن من جانب الحقوق والحريات العامة للشعب كما ينظم من جانب آخر الواجبات والمسؤوليات للحكومة والعلاقة بين الأركان والمؤسسات الحاكمة في المجتمع لذلك يعتبر بذل الجهود من اجل تعميق المعاني والمفاهيم للدستور الذي يعتبر اعلى معالم السيادة والكيان السياسي لأي دولة ودراسة جوانبه وابعاده المختلفة نافعاً وينطوي على اهمية وقيمة بالغة في حالة انتهاج الاساليب العلمية والأخذ بالاعتبار الحقائق الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمع في تخطيطه وتبيينه. رغم المشاكل والعقبات والعوامل الرادعة الموجودة أمام الوحدة الاسلامية والتي قابلة للدراسة والتعمق إلا أن تحقيق هدف الشمولية العالمية للأمة الإسلامية الواحدة وبذل الجهود من اجل تحقيق الائتلاف والوحدة بين الشعوب الاسلامية يمثل واجباً خطيراً وطريقاً شاقاً وان دراسته تستلزم وعياً واطلاعاً للجوانب والابعاد المختلفة لهذا الموضوع. نقدم في هذا المقال الذي ينطوي على ثلاثة فصول أولاً العموميات المتعلقة بالدستور والتي تشمل تعريف الدستور وتأريخ واقامة وطريقة صياغة الدستور الى جانب طريقة تفسيره واعادة النظر فيه وجوانب وخصائص النظام الفدرالي باعتباره انموذج وشكل حقوقي وسياسي لاتحاد الدول. وفي الفصل الثاني يتم التطرق الى السابقة التاريخية واهداف الشمولية العالمية للاسلام في اطار الامة الواحدة والامة الوسط والشكل البناء العام للأمة الاسلامية مع القاء نظرة عابرة على المشاكل والعوامل الرادعة امام اتحاد الأمة الاسلامية. وفي الفصل الثالث يتم عرض رسم العموميات المشتركة لدستور اسلامي موحد والذي يشمل نظرية اتحاد البلدان الاسلامية في اطار اتحاد فدرالي والسيادة الوطنية والشكل العام لهيكلية المؤسسات والخطوط العريضة والسياسات العامة والحقوق والحريات العامة والمشتركة الى جانب المبادئ والموازين لاتخاذ القرارات واعادة النظر في الدستور المشترك للبلدان الاسلامية. ولنا الأمل بأن يشكل هذا الجهد خطوة وأن كانت صغيرة ومتواضعة نحو توضيح ابعاد وزوايا الموضوع وأهميته وحساسيته. الفصل الأول: الخطوط العريضة المتعلقة بالدستور تعني كلمة (Constitation) الانجليزية والتي تعني الدستور باللاتينية معنى التأسيس والتشكيل والجوهر والأساس. وتستخدم هذه الكلمة في الحقوق العامة في ثلاثة معاني: أ ـ النص المكتوب للقانون الذي يشكل القواعد والمبادئ الأساسية والرئيسية للمؤسسة السياسية في البلاد والذي يعرف بالدستور وهو يسمو على القوانين الاعتيادية. ب ـ التشكيلات السياسية في البلاد التي يسودها نوع من الانسجام المنطقي والعقلاني. ج ـ تستخدم حيال النظام الحر والليبرالي مقابل النظام المستبد والديكتاتوري([2]). المراد من استخدام كلمة Constitation في هذا المقال هو المفهوم المدرج في العبارة الأولى. فعليه الدستور هو عبارة عن المبادئ والقواعد الأساسية المرتبطة بالمؤسسة والتشكيلات السياسية والسلطات الحاكمة عليها الى جانب رسم وتنظيم الحدود والواجبات والصلاحيات لهذه السلطات مع بعضها وتجاه الشعب. تأريخ صياغة الدستور يعود ظهور صياغة الدستور لأول مرة في منتصف القرن الثاني عشر وذلك في التأليفات السياسية لجان جاك روسو في الكتاب الشهير لهذا العالم الفرنسي الكبير وبعد ذلك واجه بعد ذلك رواداً من جانب الساسة والفلاسفة والحقوقيين ولكن لم تكن المجتمعات ولا الشعوب السابقة عديمة المعرفة بمفهوم القوانين الاساسية ولكن رغم ذلك كان لهذا النوع من القوانين جوانب اخلاقية ودينية صرفة وتارة كانت تعتبر ضمن الحقوق الفطرية ولكنها اتخذت مع رواج النظريات الديمقراطية طابعاً حقوقياً وسياسياً. وتعتبر الحركة الدستورية حركة ونهضة ديمقراطية التي تدعو الى صياغة وارساء الدستور في بلدان العالم واعادة تنظيم تشكيلاتها ومؤسساتها السياسية. وكانت هذه الحركة في الواقع رداً واحتجاجاً على حالة الاستبداد والديكتاتورية وعدم الالتزام وانعدام القانون التي استمرت طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر ومازالت تحافظ على اعتبارها ومكانتها ودورها([3]). طريقة صياغة الدستور يعتبر الدستور حصيلة للكفاح والحركات التي قامت بها الشعوب في اعقاب الثورات والتعديلات السياسية. يتم طرح الدستور الجديد في الوقت الذي يتم فيه ايجاد حكومة جديدة نتيجة تجزئة الحكومات السابقة او دمجها او انها تحل محلها. ففي هذه الظروف وعلى اساس مبدأ السيادة الوطنية يصبح نواب الشعب المنتخبين الجهة الوحيدة التي لها الصلاحية لتولي عملية تنظيم وصياغة الدستور. وعندما يمنح اعداد الدستور والمصادقة عليه من جانب الملوك والسلاطين الى الشعب يعتبر ذلك الدستور دستوراً اعطائياً وفي هذه الحالة يتخذ السلطان او الملك قراراته من جانب واحد ليغير الحكومة من الملكية المستبدة الى ملكية الدستورية. ولكن عندها يتم اعداد القوانين والمصادقة عليها من جانب الشعب ونوابه فيعتبر ذلك الدستور ديمقراطياً فمثل هذا الدستور يحظى بالمزيد من الاعتبار والحرية. وفي الأنظمة القائمة على الديمقراطية تكون الجهة المخولة لصياغة الدستور والمصادقة عليه هي الشعب الذي يعتبر اساساً للمبادئ الديمقراطية وصاحب السيادة الوطنية ويستطيع ان يصيغ لنفسه دستوراً. ولذلك يتم عادة انتخاب المجلس التأسيسي من نواب عامة الشعب وبشكل غير مباشر او يتم انتخابه بالتصويت العام او ان يقوم مجلس خاص مؤلف من الصفوة وذوي الاختصاص باعداد وتنظيم مسودة الدستور. ويصادق الشعب عليه عبر عملية الاستفتاء وتارة توكل الى مجلس اعتيادي مهمة صياغة الدستور ثم يعلن المجلس حل نفسه بعد اداء هذه المهمة او انه يبقى في تلك الدورة ليعمل محل مجلس النواب ليواصل مهمة التشريع للقوانين بناء على رغبة القادة والمسؤولين في ذلك البلد. وبعد صياغة الدستور والمصادقة عليه من جانب المجلس التأسيسي يمكن عرضه على الشعب في عملية استفتاء عام كي يتخذ الشعب قراره بشأن رفضه او تأييده فالشعب مخير وحر في قبوله او رفضه ويصبح الدستور نافذاً عندما تصادق عليه عامة الشعب. وهذه العملية تشكل اهم مظاهر الديمقراطية وابرزها تجسيداً. أقسام الدستور يمكن تقسيم الدستور الى اقسام من نواحي مختلفة. وإن أهم هذا التقسيم هو ان يكون مدوناً وغير مدون ويمكن تقسيمه الى دستور مرن وغير مرن. فالدستور المدون او المكتوب هو ذلك الدستور الذي تتم صياغة القواعد المتعلقة بالهيكلية السياسية والمؤسساتية للبلد في وثيقة يطلق عليها اسم الدستور وذلك من جانب المسؤولين ممن لهم الصلاحيات السياسية. الدستور غير المدون او العرفي، يكون في حالة كون الهيكلية السياسية والمؤسسية للبلاد قائمة على العرف والعادات والتقاليد كالدستور في بريطانيا والتي يرجح فيها العرف على القانون. الدستور المرن، هو ذلك الدستور الذي يمكن اعادة النظر فيه بسهولة وبتشريفات بسيطة عبر القوانين الاعتيادية كالقوانين الأساسية او الدستورية المعمول بها في بريطانيا واسرائيل. الدستور غير المرن او الصلب، هو ذلك الدستور الذي يستدعي اعادة النظر فيه الى انتهاج تشريفات معقدة كتشكيل مجلس تأسيسي او اجراء استفتاء عام كالدساتير المعمول بها في اميركا وفرنسا وبلجيكا وايران([4]). اعادة النظر في الدستور وتحديثه بما ان المكاسب والمنجزات البشرية في التعريف بالتحول والتطور قابلة للتغير واعادة النظر فيها فالقوانين الأساسية أو الدساتير بدورها لا تكون مستثناة من قواعد النظم وبما انها تلبي الحاجات والظروف الاجتماعية والسياسية لزمن معين ويعتبر التغيير او التحول في هذه الحاجات والظروف يتم الاحساس بضرورة اعادة النظر في الدستور او تحديثه بما يتطابق مع الحاجات والمقتضيات الجديدة. وان طريقة اعادة النظر في الدستور عادة ينص عليها الدستور نفسه، ولكن إذا كان الدستور لم يشر الى هذا الشيء فإن الشعب هو الطرف الذي يتولى هذه المهمة لاعادة النظر فيه اعتماداً على مبدأ السيادة الوطنية ويتمكن اتخاذ الاجراء المقتضي بهذا الخصوص ولا يستطيع أي مانع او رادع ان يسلب من الشعب هذا الحق ولا يحق له ذلك([5]). من المكن ان تناط مهمة اقتراح اعادة النظر في الدستور الى السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية او يناط الأمر بالشعب نفسه وهو الصاحب الرئيسي لهذا الحق عبر اجراء الاستفتاء العام. ومن الممكن ان يتولى هذا المهمة مجلس تشريعي اعتيادي او مجلس خاص باسم المجلس التأسيسي او ميثاق او مجلس اعادة النظر منتخب من جانب الشعب او من جانب الشعب نفسه بواسطة اجراء استفتاء عام. تفسير الدستور يجب عدم الخلط بين تفسير الدستور واعادة النظر فيه. لأن تفسير الدستور يتم في حالة احساس وجود غموض او سكوت وانعدام الوضوح اللازم فيه بسبب وجود النقص فيه بحيث تعطي الكلمات وسياق العبارات فيه معاني وتعابير مختلفة ففي هذه الحالة يجب توضيح القصد الحقيقي من واضع الدستور. عادة يتم تفسير الدستور بواسطة طريقتين قضائيتين وقانونيتين فالتفسير القضائي يناط بالمحكمة ففي هذه الطريقة تعمل المحاكم على تطبيق مجالات الخلاف حول الدعاوى مع مبادئ الدستور وبهذه الطريقة تقوم بتفسير الدستور. ومن جانب آخر تقوم المحكمة العليا أو المراجع العليا من منطلق واجبها بالاشراف الدقيق على طريقة الاستنباط وتفسير القوانين من جانب المحاكم لعدم حصول هفوة او خطأ في تفسير الدستور وطريقة فهم الدستور. اما التفسير الحقوقي للدستور فهو من مهام المسؤولين الرسميين للبلاد وبذلك يتولى المجلس النيابي عادة تفسير القوانين الاعتيادية ولكن فيما يتعلق بالدستور تناط المهمة بمجلس خاص مؤلف من ذوي الاختصاص واصحاب الرأي والحقوقيين فيقوم هذا المجلس بمهمة التفسير في حالة قيام المسؤولين الحكوميين بطلب استعلام ذلك من هذا المجلس. الدستور في البلدان الفدرالية في البلدان التي تحكمها انظمة فدرالية تتم فيها صياغة الدستور والمصادقة عليه بوضع خاص ويعود ذلك الى النظام الفدرالي (اتحاد بين عدد من الدول). ففي هذا النوع من البلدان يصادق على الدستور المصاغ من جانب لجنة مختارة متفق عليها بواسطة كل دولة من الدول وهذا يعني ان الدستور الفدرالي يتحقق بشكل متزامن مع تشكيل الدولة المتحدة (الفدرالية) ويلتزم تشكيل الحكومة ان تغض كل دولة من الدول المعنية النظر عن استقلالها لصالح النظام الفدرالي. كمثال على ذلك صودق على الدستور الفدرالي الاميركي (دستور فيلادلفيا) في عام 1787م بعد ان صادق عليه مؤتمر فيلادلفيا ومن اجل ان يصبح لازم النفاذ صادقت عليه كل دولة من الدول الثلاث عشرة الأعضاء في الاتحاد([6]). ففي هذا الجانب ومن اجل الدراسة والتحليل النظري حول امكانية اتحاد البلدان وطريقة هذا الاتحاد في اطار احد الأطر المعمول بها والقابل للتطبيق من الناحية السياسية والحقوقية نتحدث الآن حول تعريف النظام الفدرالي وشكله وخصائصه. اتحاد الدول في الاطار الفدرالي الفدرالية في اللغة اللاتينية تعني التجمع وفي القاموس السياسي تعني اتحاد عدد من الأنظمة السياسية في اطار ولاية او بلد لتشكيل دولة موحدة. بحيث لو ارادات مجموعة من الدول المستقلة وذات السيادة ان تقرر لبعض الأسباب ربط مصيرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري وحتى الايديولوجي مع بعضها والتعاضد فيما بينها لايجاد قوة اكبرواشمل وان تكتسب مرتبة اليق بها في الاسرة الدولية فإنها تخطو خطوة اساسية نحو ايجاد الدولة الفدرالية. وتتم في هذا النظام المصالحة بين اتجاهين متضادين وتكون من جهة رغبة هذه الدول بالحفاظ على الحكم الذاتي والشخصية الحقوقية المستقلة ومن جانب آخر تتجه هذه الدول نحو تشكيل قوة سياسية جديدة بطاقات وقابليات اكبر. وبتعبير آخر إن الفدرالية هي تركيب من الدول الصغيرة التي تنوي البقاء على حكمها الذاتي وفي ذات الوقت تنيط جانباً ملحوظاً من سيادتها السياسية بالحكومة المركزية برغبة منها ولأهداف أسمى([7]). الفدرالية هي نوع من الميول نحو الوحدة والاتحاد عبر ايجاد حكومة تفوق الحكومات المحلية. وتبذل الفدرالية جهودها للمحافظة على الكيانات والمجتمعات الصغيرة والمستقلة وايجاد اتحاد بينها وتلبية متطلباتها المشتركة. فعليه الفدرالية تعارض النزعة الوطنية وانها احدى خصائص القرن الحاضر وتهدف الى ايجاد وحدة بين الشعوب. وقد تحقق شكل الفيدرالية لأول مرة في لجنة فيلادلفيا بالمصادقة على الدستور الاميركي عام 1787 ثم اقتدت البلدان الاخرى بذلك واليوم يسود النظام الفيدرالي في العديد من دول العالم ففي آسيا الهند وبورما وفي القارة الاوروبية النمسا وسويسرا وبلجيكا والمانيا وروسيا وفي اميركا الولايات المتحدة الاميركية وكندا والمكسيك والبرازيل والارجنتين وفي افريقيا الكامرون واوغندا ونيجيريا وتانزانيا تحكمها انظمة فيدرالية. خصائص النظام الفيدرالي 1ـ تتمتع الدول الاعضاء في الاتحاد الفيدرالي حيال بعضها للبعض الآخر وبحقوق ومكانة متساوية ومتكافئة وتربطها علاقات مع بعضها كالعلاقات بين دولة ودولة ولا تعتمد هذه العلاقات على كبر المساحة او صغرها أو زيادة النفوس او قلتها. ومع ذلك يلاحظ وجود استثناءات عملية لهذه القاعدة ومنها يمكن الاشارة الى تفوق ولاية بروسيا على باقي الولايات في الاتحاد الفدرالي لجمهورية وايجاد قديماً، والتفوق السياسي لحكومات بيلاروسيا واوكرانيا في الاتحاد السوفيتي سابقاً. 2ـ الحقوق السائدة على العلاقات السياسية للدول الاعضاء هي في زمرة الحقوق الداخلية وليس الحقوق الدولية. ويتولى الدستور الفدرالي مهمة تعيين الحدود وطريقة تنظيم هذه العلاقات. لكن الدول الاعضاء لها دستورها الخاص بمعزل عن دستور الحكومة الفيدرالية وتتمتع بكافة السلطات الحكومية ومنها التشريعات للقوانين القضائية والتنفيذية. 3ـ في جانب الحقوق الدولية، تتولى الحكومة المركزية مهمة الصلاحيات الدولية في الحقل الدبلوماسي وعقد المعاهدات الدولية لأن الحكومات الاعضاء في الاتحاد الفيدرالي لا تحظى بكيان وشخصية دولية ولا تتمتع بحق استخدام السيادة المستقلة ولذلك لا تمتلك ممثلية سياسية ودبلوماسية في مناطق خارج حدودها السياسية ولا يحق لها عقد معاهدات دولية مع الدول الأخرى في الخارج لأن الدول الأعضاء بقبولها العضوية في الاتحاد الفيدرالي فإنها تغض النظر عن حق سيادتها الخارجدية لصالح الحكومة الفيدرالية. 4ـ برلمان الحكومة الفيدرالية يتالف مبدئياً من مجلس النواب والشيوخ. فالمجلس الاول يمثل كافة شعب الاتحاد الفدرالي والمجلس الثاني يمثل ويعكس اتحاد الدول الاعضاء في الاتحاد. 5ـ السلطة القضائية في الاتحاد الفدرالي تحظى بأهمية خاصة وهو مكلف بالنظر في الدعاوى والتعارضات الناجمة عن الخلاف بين الدول الأعضاء او مع الحكومة المركزية هذا ولكل ولاية سلطتها القضائية المستقلة. 6ـ السلطة التنفيذية للولايات تكون تحت تصرف حاكم كل ولاية والسلطة التنفيذية للاتحاد الفدرالي تكون تحت تصرف رئيس الجمهورية([8]). الفصل الثاني: الأسس والهيكلية المؤسسية للحكومة الاسلامية السابقة التاريخية لاتحاد البلدان الاسلامية لقد حظي موضوع الاتحاد بين البلدان الاسلامية باهتمام المثقفين والعلماء والمفكرين المسلمين. إذ شعرت الكثير من البلدان الاسلامية بعد انهيار الدولة العثمانية بعد وجود اتحاد بين المسلمين وراحت هذه البلدان تتدبر في اعداد مشروع للاتحاد بين البلدان الاسلامية لكن المؤسف هو ان هذه الجهود لم تثمر عن أية نتيجة. لكن تنفيذ مؤامرة احراق المسجد الأقصى في عام 1969م أحيت مرة أخرى فكرة الاتحاد والتضامن بين ابناء الأمة الاسلامية واجتمعت اقطاب البلدان الاسلامية في الرباط اثرها بدعوة موجهة من الحسن الثاني ملك المغرب حيث خططوا فيه الاعداد لتأسيس منظمة اسلامية وقد صادق وزراء خارجية البلدان السالامية في عام 1972 على القانون التأسيسي لهذه المنظمة التي سميت باسم منظمة المؤتمر الاسلامي([9]). وحظيت جهود اخرى بذلت لصياغة حقوق الانسان الاسلامي باسم الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان من جانب اعضاء منظمة المؤتمر الاسلامي في عام 1990م في القاهرة بالكثير من الأهمية. وبذلك تكون الحركات التي شهدها القرن التاسع عشر بعناوين مختلفة كالاتحاد الاسلامي او عقد مؤتمرات اسلامية نحو تحقيق الوحدة والتضامن في العالم الاسلامي وكذلك الحركات الجديدة التي تتم نحو اتحاد البلدان الاسلامية تكون قيمة ولها اهميتها وينبغي دراستها رغم ما يعتريها من نقاط قوة وضعف من الناحية النظرية والعملية. وفي هذا القسم وقبل خوضنا موضوع الأسس وشكل هيكلية الحكومة الاسلامية نقدم استعراضاً للعقبات والمشاكل والعوامل التي تعترض اتحاد الامة الاسلامية. استعراض العوامل الرادعة امام اتحاد الأمة الاسلامية أ) التشتت المذهبي: لقد بدأت الخلافات بين المسلمين منذ اليوم الأول من وفاة الرسول الاسلامي الكبيروتعرض المجتمع الاسلامي الى التشتت والتفرقة وقد أوجد ذلك التشتت الكثيرمن الصراع حول العديد من القضايا كخلافة الرسول والخلاف في اصول العقائد مما أوجد ذلك طوائف ومذاهب متعددة وبذلك تحولت الوحدة والتضامن للمجتمع الاسلامي المتحد الى نفاق واختلاف. ب) الخلافات الثقافية: لقد أدى انتشار المسلمين ومرابطتهم في البلدان المختلفة التي كان لكل واحدة منها حضارات وثقافات وآداب وتقاليد وخصائص وسلائق محلية وخاصة بها حول الأمة الاسلامية الموحدة عملياً الى شعوب ومجتمعات مختلفة ومتفاوتة عن بعضها لكل واحدة منها خصائصها المختلفة عن غيرها والتي كانت تؤدي عملياً الى الاختلاف في السلوك والانطباع رغم القاسم الديني المشترك بينها. ج) رسم الحدود الجغرافية: لقد أدى وجود البلدان بحدود جغرافية معترف بها وجنسيات مختلفة الى فصل الشعوب عن بعضها واستقلالها مما جعل الغربة والافتراق يطغيان على كل قاسم مشترك بينها. فالوطنية وحب الوطن رغم ما تحملان من جوانب ايجابية وقيمة لكنها شكلت مشكلة كبيرة امام تحقيق عالمية الاسلام والأمة الاسلامية. د) الحكومات غير الشعبية: إن ما يدعو للأسف هو ان معظم البلدان الاسلامية تحكمها انظمة غير ديمقراطية او انها كان لها مجرد عناوين ديمقراطية وشعبية في حين انها بقيت ناسية بأن وجود المؤسسات المدنية والديمقراطية والمشاركة العملية للشعب وحضوره في تقرير المصير السياسي لهذه البلدان يشكل السد الأساسي امام تقديم الشعوب وتطورها واتحادها. هـ) السياسات العالمية: لقد تحركت الحروب الصليبية والمواجهات وكفاح الشعوب المسلمة ضد المستعمرين في القرنين الأخيرين والعداء السافر والخفي القديم من جانب قادة اليهود والمسيحيين حيال المسلمين تأثيرها على السياسات والاتجاهات الدولية الى جانب الخلافات الحدودية والاقليمية والاستفزازات القومية والطائفية والتحريفات والتشكيكات المذهبية والتي تشكل عقبات في طريق اتحاد الأمة الاسلامية([10]). هدف الشمولية الاسلامية في العالم تفصل بين ما هو موجود وما يجب ان يكون والحقائق المشهودة والتطلعات فيه طويلة ومشاكل وعقبات عديدة. فالقرآن الكريم يقول بصراحة ووضوح (وما ارسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون)([11]). وفي آية اخرى جاءت على لسان الرسول الكريم نفسه تؤكد على هذه الحقيقة: (قل يا أيها الناس إني رسول الله عليكم جميعاً)([12]). وفي كتاب بعثة الرسول الكريم الى كسرى ملك ايران يقول فيها: (فإني رسول الله الى الناس كافة لأنذرمن كان حياً)([13]). فهذا الهدف الذي تحمله هذه الرسالة تحمل الرؤية الشمولية للاسلام في العالم. ولم يبق امامنا سوى بذل الجهود لتحقيق الأمة الاسلامية الموحدة وتشكيل الحكومة الاسلامية في العالم أجمع. إن الهدف الغائي للاسلام بخصوص العلاقات والروابط الانسانية هو بلوغ الامة البشرية الموحدة. وفيما يتعلق بالأرض ازالة الحدود الجغرافية وازالة القيود المعرقلة. ومن ناحية السيادة ايجاد وتحقيق الدولة والبلاد العالمية الواحدة تحت سيادة القانون الإلهي الواحد. وتهدف رسالة الرسول الاسلامي العظيم الى تسهيل وتعميق عملية الحركة التكاملية للمجتمع البشري لتحقيق المرحلة المثالية والمطلوبة والغائية للأمة الاسلامية الموحدة. الامة الموحدة الأمة في اللغة تعني مجموعة انسانية كما تطلق على المجتمع الانساني الذي له اهداف ووجهات نظر مشتركة. وقد استخدمت هذه العبارة مرة في القرآن الكريم([14]) اعتماداً على الآية الشريفة: (إن هذه أمتكم واحدة وأنا ربكم فاعبدون)([15]). ويعتبر المسلمون كافة أمة واحدة. فالله عز وجل يذكر في هذه الآية الكريمة سلالة الرسل وتاريخهم: إن هذه المجموعة (الرسل وأتباعهم) هي أمة واحدة. فعليه أن مجموعة افراد بني البشر هم امة واحدة وهم يعبدون الله الواحد. الأمة الوسط (انموذج للامة الاسلامية) رغم وصف القرآن الكريم اتباع الرسل الإلهيين (بالأمة الواحدة) لكن الله العلي القدير قد عني مجموعة المسلمين بعنايته الخاصة ويقول: (جعلناكم أمة وسطاً)([16]). فعليه يكون الاعتدال والوسط في السلوك مبدأ رئيساً وأساسياً في المجتمع الاسلامي (بعيداً عن التطرف يميناً ويساراً) لتكونوا انموذجاً للناس ويكون رسولكم انموجاً لكم. ومن السمات الأخرى البارزة للأمة الاسلامية النموذجية هي المساواة بين الناس وعدم الترجيح والأفضلية لفرد على آخر إلا بالعلم والتقوى. فالأصالة التوأمة للفرد والمجتمع هي الأخوة والتضامن الاجتماعي بين الشعب والمسؤولين والمسؤوليات العامة بخصوص الالتزامات المالية والسياسية والاجتماعية. شكل الحكومة الاسلامية هناك وجهات نظر مختلفة حول شكل الحكومة الاسلامية فالبعض يؤكد على نظام الشورى لأن الاسلام قد أكد على نهج الشورى وآراء عامة الناس ويولي لذلك احتراماً خاصاً ويعتبر كل انسان سيداً على مصيره ويعتبر عدم امكانية سلب مبدأ الحرية والاختيار من الانسان ويعتبر مراجعة آراء عموم الناس معياراً لتنفيذ الحكومة ومحوراً أساسياً للسلطة السياسية ويعتبر شكل الحكومة الاسلامية قائماً على الجمهورية. والبعض الآخر من الخبراء يستند على قاعدة (دفع الأفسد بالفاسد) يعتبر الحكومة الاسلامية بأنها نوع من النظام الملكي الدستوري والذي يكون الجهاز التشريعي فيه بيد الشعب ويكون مطابقاً للشرع والموازين الاسلامية ويرى هؤلاء بذلك إن هذا النظام يمارس ظلماً اقل مما يمارسه النظام الملكي الاستبدادي. وهناك من يرى الحكومة الاسلامية بأنها تضم حكومة الصالحين والمتقين وحتى المستضعفين التي تشكل المجموعة المتميزة والصفوة والخاصة والمختارة في المجتمع الاسلامي وتتطابق مع الارستقراطية او حكومة الاعيان والصفوة. ويرى فريق آخر بأن الاسلام لم يذكر شكلاً خاصاً للحكومة بل اكتفى بتبيين الاصول والقواعد الأساسية والرئيسية وضوابط تنفيذ السيادة وترك اختيار نوع الحكومة للإنسان لكي يختار هو النوع المناسب لها في اطار الاصول والقواعد السياسية للاسلام وذلك طبقاً للظروف والمقتضيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة. وإن الأكثرية الكبيرة نسبياً من المفكرين واصحاب الرأي الاسلاميين ترى نوع الحكومة الاسلامية لا تتطابق مع الاشكال والنماذج المألوفة السياسية والحكومية وتعتبرها قائمة على شكل ونوع خاص بها وفي اطار الخلافة والامامة وان معظم علماء أهل السنة يرونها على شكل الخلافة وعلماء الشيعة يرونها على شكل الإمامة([17]). البناء العام للحكومة الاسلامية يتم تقسيم الحكومات من ناحية بنائها العام للسلطة السياسية ومركزية الحكم وعدم الأخذ بالمركزية الى نوعين: الحكومة البسيطة والحكومة المتحدة (الفدرالية) ففي الحكومات البسيطة تكون السياسة والسلطات الوطنية بيد الحكومة المركزية ولا تفوض السيادة بشكل مجزأ الى محافظة او منطقة من البلاد. لكن الحكومات الفيدرالية تقسم السلطات الحكومية بين الحكومة المركزية والوحدات المشكلة للدولة ويتم خلالها تفويض جانب من السيادة والسلطة السياسية المتعلقة بالوحدات الاعضاء في الدولة الى الحكومة المركزية([18]). وفي الحكومة المركزية بما ان صلاحيات الحاكم الاسلامي واستقلال القاضي تكون نافذة في منطقة نفوذ الفتوى واصدار الحكم ويكون حدود نفوذها معلوماً ويتعلق باحدى المناطق المتعلقة بالبلاد الاسلامية (دار الاسلام) وان اهالي تلك المناطق يشكلون جزءاً من الامة الاسلامية الكبرى وتكون المحافظة على المبادئ العامة للاسلام وتنفيذها مضمونة في كافة البلاد الاسلامية وتتمتع الوحدات الصغيرة بنوع من الاستقلال الداخلي فيشبه ذلك بنوع من الفدرالية حيث ان الدول والبلدان الاسلامية تتمتع في مثل هذه الدولة بتشكيلات ادارية وقضائية وتشريعية وتصبح من خلال ارتباطها بالوحدة والاتحاد الاسلامي والمحافظة عليها على شكل جمهورية الأمم الاسلامية والولايات الاسلامية المتحدة مشكلة بذلك نوعاً من الحكومات الفدرالية. ويكون هذا النمط مخدوشاً من ناحية انعدام وجود التعدد لمراكز السلطة السياسية في النظام الحكومي الاسلامي ولكن نظراً لتعدد الآداب والتقاليد والاعراف والثقافات في كل بلاد من البلدان والقوانين والأنظمة الخاصة بها والمحلية وكل واحدة منها تتمتع بنوع من الحكم الذاتي في رحاب وحدة المبادئ والقواعد والضوابط الاسلامية وتتولى الحكومة المركزية الاسلامية اعتماداً على احترام خيارات البلدان الاسلامية والقوانين والانظمة الداخلية في هذه البلدان والمناطق فإنها تضمن اتحاد ووحدة النظام السياسي الاسلامي. التشكيلات والسلطات الحاكمة في الحكومة الاسلامية يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات في الأنظمة السياسية المعاصرة افضل اسلوب واكثرها فاعلية في تقسيم السلطة السياسية واحتوائها وتحظى بالقبول. فعلى اساس هذا الاسلوب توزع مهام الدولة وصلاحياتها على ثلاث اركان اساسية تشمل السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتوزع من خلالها السلطة وسيادة النظام السياسي في البلاد والهدف الاساسي من الفصل بين السلطات في الحكومات هو ايجاد التعادل والتوازن للسلطات ومنع ارتكاز السلطة في يد واحدة واعداد مجالات التعاون بين السلطات التوزيع المناسب والمطلوب للسلطة وتنفيذ الصلاحيات والسلطات الحكومية طبقاً للقوانين. ففي النظام السياسي الاسلامي يكون للسلطات السائدة على المؤسسات الحكومية الاسلامية شكلاً واداء خاصين ففي هذا النظام يتولى الفقيه الجامع للشروط تمييز القوانين واعلانها ويكون القضاء على عاتق القاضي والحكومة تكون فيها على نمط الخلافة او الامامة. وتعمل مؤسسة القيادة في اطار الخلافة او الإمامة بشكل منفصل ومستقل عن السلطات الاخرى بشكل تسطير وتشرف على باقي السلطات وتعمل على حل الخلافات الناجمة عنها وبينها ويكون لها اشرافاً فائقاً عليها ومع ذلك فإن المفترض ان تعمل كل سلطة بشكل مستقل في الشؤون المختصة بها وبتوضيح المهام والصلاحيات لكل سلطة من السلطات الثلاث المتمثلة بالسلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية في التشكيلات السياسية للنظام الاسلامي فيمكن اعتبار هذا النظام المجسّد الكامل للسيادة الوطنية. الفصل الثالث: الخطوط العريضة المشتركة للدستور الاسلامي الموحد بعد طرح المواضيع المتعلقة بتعريف الدستور واقسامه وطريقة صياغته واعادة النظر فيه من جانب ودراسة الاهداف والتطلعات وشكل وهيكلية المؤسساتية للحكومة الاسلامية الى جانب العقبات والمشاكل والعوامل الرادعة امام اتحاد الأمة الاسلامية وما ينطوي على اهمية وأولوية خاصة في بناء وايجاد المؤسسات الجديدة والحديثة التي ينبغي ان تتمتع بها هذه الحكومة. فينبغي الحديث عن تخطيط وصياغة الخطوط العريضة المشتركة للدستور الموحد للبلدان الاسلامية نحو تحقيق الوحدة الاسلامية للبلدان الاسلامية ورسم الخطوط العريضة التي من شأنها ان توضح الاطار والبناء العام والمؤسساتي للنظام الاسلامي الموحد وتوضح مهام الأفراد والدول الاعضاء والمهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة الاسلامية المركزية. السيادة في النظام الاسلامي الموحد إن السيادة المطلقة على العالم والانساني تكون لله عز وجل ولا يستطيع أي فرد سلب هذا الحق الإلهي من الانسان. ويتحكم الله عز وجل بيده المقتدرة بكافة الكائنات الموجودة في العالم وقد جاء تنظيم جهاز الخليقة العظيم بارادته والانسان خليفته في الأرض وقد بعث الله عز وجل رسول الاسلام لهدى الانسان وتبشيره وجعل الأولياء الإلهيين لارشاد المسلمين وهديهم، وإن سيادة الإنسان على مصيره السياسي والاجتماعي هي نتيجة منطقية لمبدأ الحرية والاختيار للانسان إذ خلق الإنسان بمشيئة الله حراً ومختاراً ومسؤولاً وسيداً على مصيره وشرفه وكرمه كرامة ذاتية ومنحه لياقة الخلافة الإلهية في الارض ليعرف الصالح من الطالح ويميز الحق من الباطل وبذلك تتم المشاركة السياسية والاجتماعية للمسلمين عبر انتخاب نوابهم الصالحين والكفوئين لادارة مجتمعهم الاسلامي ووضع القوانين والانظمة والاشراف على تنفيذها والقضاء بين الناس وهي من الاثار والنتائج المنطقية ونتائج المبدأ الاساس المذكور والذي جاء في اطار النظام الذي يعتمد الزعامة الشعبية القابل للتكوين. نظرية اتحاد البلدان الاسلامية في اطار الفدرالية رغم المشاكل الداخلية والخلافات الاقليمية والموانع الدولية الموجودة في العالم الاسلامي والعوامل الرادعة لتشكيل الوحدة والائتلاف بين البلدان السالامية، فان نظرية الاتحاد بين البلدان الاسلامية في اطار الفدرالية الاسلامية تنطوي على الاهمية وتستحق الدراسة. تشير الدراسة التاريخية للعالم الاسلامي بأن للجهود من اجل تحقيق الوحدة بين البلدان الاسلامية لا تشكل شيئاً جديداً وغير مسبوق ويمكن الاشارة في هذا الجانب الى تنظيم وتشكيل منظمة المؤتمر الاسلامي ومؤسسات الفرعية، كما يمكن الحديث عن (لجنة حقوق الانسان الاسلامية) في اطار القرار المرقم 134/48 لجمعية العامة للامم المتحدة وكذلك الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان من جانب اعضاء منظمة المؤتمر الاسلامي في عام 1990 الذي تم اعداده في القاهرة([19]) والتي تشير جميعها الى وجود جهود وارادة من جانب المفكرين والمثقفين في البلدان الاسلامية نحو تحقيق الوحدة والائتلاف الاسلامي. إن ما يعنى به في هذا القسم بغض النظر عن المشاكل والموانع الموجودة هو رسم وتخطيط الشكل العام والبنى الأساسية لمؤسسات الاتحاد الاسلامي والذي سيتم عرضه من خلال الافادة من النظم الفدرالية المألوفة. الشكل العام والهيكلية المؤسسية للاتحاد الاسلامي الاتحاد هو عبارة عن اتحاد عدد من الوحدات السياسية في اطار ولايات او بلدان لتشكيل دولة موحدة وذلك طبقاً للتعريف المقدم في هذا الجانب. فعليه تعتبر ارادة البلدان المستقلة وذات السيادة الاسلامية نحو تحقيق الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وحتى الايديولوجية وذلك من اجل التعاون والتعاضد فيما بينها لتشكيل قوة أكبر وأشمل واكتساب مرتبة اليق في الساحات الدولية يشكل اهم خطوة لتحقيق الاتحاد الاسلامي. ففي هذا النظام الذي تحافظ البلدان الاسلامية فيه على شخصيتها الحقوقية وكيانها وصلاحياتها الداخلية تخطو لايجاد قوة سياسية ودولية جديدة مع طاقات وقابليات اكثر وأعلى. ويتم تنفيذ هذا الاقتدار والصلاحية السياسية والدولية من خلال السلطة الاسلامية المركزية. وفي هذا النظام تتمتع البلدان الاسلامية الاعضاء بحقوق ومكانة متساوية وتكون علاقاتها مع بعضها علاقات حقوقية متساوية بغض النظر عن كبرها أو صغرها من حيث المساحة والنفوس فعليه ستكون الحقوق السائدة على العلاقات السياسية للبلدان الاسلامية الاعضاء على نمط الحقوق الداخلية وستكون الصلاحيات الدولية لممارسة الدبلوماسية وعقد المعاهدات الدولية في حكر الحكومة المركزية الاسلامية. ويتولى دستور الحكومة المركزية الاسلامية مهمة رسم الخطوط العريضة وهيكلية التشكيلات للنظام الفدرالي الاسلامي وتعيين حدود وتنظيم العلاقات السياسية للدول الاعضاء مع بعضها ومع الحكومة المركزية والاشراف على المؤسسات والدوائر الموجودة وطريقة فض الخلافات بين المؤسسات وتتولى دساتير البلدان الاسلامية في الاتحاد بشكل خاص وبمعزل عن دستور الحكومة المركزية مهمة تعيين وتنظيم حدود العلاقات الداخلية للسلطات الحاكمة في بلادها. ففي هذا النظام تتولى السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في اطار التشكيلات العامة والفدرالية وفي زمرة مؤسسات الدولة المركزية مهام التشريع للقوانين وفض الخلافات وتنفيذ القوانين والأنظمة المتعلقة بالاتحاد. وفي النظام الداخلي للحكومات الاعضاء تتولى السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية بشكل منفصل وخاص مهامها ومسؤولياتها وصلاحياتها. الاتجاهات والسياسات العامة للاتحاد الاسلامي يناط اهم جانب من السياسات العامة والاساسية للاتحاد الاسلامي بالحكومة المركزية للبلدان الاسلامية. فعليه ستشمل مهام وصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المركزية والسياسات العامة للنظام الاسلامي رفض أي هيمنة اجنبية والحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية للاتحاد الاسلامي الكبير وعدم الانحياز حيال الدول ذات النزعة الاستعمارية وتنظيم العلاقات السلمية والعادلة والمتبادلة مع الدول غير المحاربة والدفاع عن حقوق الامة الاسلامية الموحدة الى جانب الواجب المهم للجهاد بوجه أي عدوان وتهديد وانتهاك الحقوق. كما تتبنى الحكومة المركزية الاسلامية واجب الرقابة والاشراف على الاجراء المطلوب للدستور المشترك للبلدان الاسلامية وفض الخلافات بين المؤسسات المركزية مع بعضها وازالة المشاكل التي تعاني منها الدول الاعضاء مع تطابق الامور المعنية مع مبادئ الدين الاسلامي وموازينه في الاتحاد والدول الاعضاء فيه. الحقوق والحريات العامة والمشتركة تشمل هذه الحقوق التي هي من اهم المبادئ في أي دستور متطور ومثالي حق الحياة والحرية والتجول وصيانة الحياة الفردية للافراد والسكن وصيانة المراسلات والمكالمات والاتصالات والحصانة من الاعتقال والسجن والنفي غير القانوني ومنع التعذيب الى جانب ضمان الحقوق والحريات الفردية والتي تشمل حرية الفكر والعقيدة والتعبير والكتابة والمطبوعات والحريات الاجتماعية والتربية والتعليم ووسائل الاعلام العامة والاعتراف بالحقوق الاجتماعية للافراد وحقوقهم الاقتصادية وحرية الكسب والعمل وحق الملكية الخصوصية وحقوق الاسرة وحقوق الأم والاطفال وتساوي الافراد امام القانون وعدم التمييز والأولوية للافراد في جوانب اللون واللغة والدين والعنصر والوطنية والقومية وغيرها الا بالتقوى وتجنب المعاصي واحترام المبادئ والموازين للاسلام الاصيل. مبادئ اتخاذ القرار واعادة النظر في الدستور المشترك من القضايا المهمة والأساسية التي ينبغي ان تحظى بالاهتمام في صياغة الدستور المشترك للبلدان الاسلامية هي وضع القواعد والمبادئ والموازين لاتخاذ القرارات كطريقة انتخاب رئيس الجمهورية للحكومة المركزية وطريقة توزيع السلطة السياسية والاعتدال والموازنة بين اركان السلطات الحاكمة والمركزية السياسية والادارية او عدمها وطريقة انتخاب لمجالس التشريعية وفرز اصوات الشعب ونوع المشاركة السياسية وطريقة مراجعة اراء عامة الشعب وبلورة ذلك كالاستفتاء العام الى جانب اعادة النظر في الدستور المشترك وضرورة سيادة موازين وقيم الشريعة الاسلامية المقدسة. الاستنتاج نظراً لما تقدم يتضح لنابأن الدستور يشكل ابرز معالم السيادة والكيان السياسي للمجتمعات. فينبغي ان ينطوي هذا الدستور على أهم المضامين وأهم المبادئ والموازين التي تسود في المجتمع ويضمن حقوق الأفراد وحرياتهم ويحدد حدود صلاحيات المسؤولين ويتولى تنظيم العلاقة بين الحكام والشعب ويرسم صورة السلطات الحاكمة على المؤسسات الاجتماعية وبناء المؤسسات السياسية للدولة وذلك لصيانة حقوق الاشخاص من الانتهاك ويحدد صلاحيات وسلطة الحكام الفائقة وترشيدها في المسار القانوني. ولذلك يستلزم التخطيط والصياغة هذه الوثيقة التي تعتبر اهم وثيقة وطنية وسياسية وقتاً واهتماماً خاصين بحيث يعكس التفوق في سلسلة مراتب الدستور على القوانين الموضوعة الأخرى وطريقة صياغة مبادئه وتشكيل المجلس التأسيسي من نواب عامة الشعب وضرورة اخذ آراء عامة الشعب في النظم الديمقراطية اهمية وطريقة تفسير الدستور وطريقة اعادة النظر فيه يعكس حجم اهمية الموضوع مما يستدعي قبل كل شيء ضرورة التفكير والتخطيط غير الشعبية الى جانب السياسات العالمية السافرة والخفية ومحاربة الميول الاسلامية كلها تشير الى آفاق تقل فيها فرص النجاح ولكن مع كل ذلك فإن اهداف الشمولية العالمية للاسلام فيما يتعلق بالعلاقات والروابط الانسانية وازالة الحدود الجغرافية وتحقيق الأمة الموحدة تحت السيادة الاسلامية ودراسة الشكل العام وهيكلية مؤسسات الحكومة الاسلامية الى جانب وجود الطاقات الكامنة والقدرات الفعلية للامة الاسلامية تبشرنا بالنجاح والأمل. إن بذل الجهود نحو رسم الخطوط العريضة للدستور الاسلامي الموحد ودراسة صياغة المبادئ والموازين المشتركة رغم المشاكل والتحديات الموجودة ينطوي على الكثير من الأهمية والعناية. اذ حظي بذل الجهود من اجل اتحاد البلدان الاسلامية دائماً باهتمام المفكرين والمثقفين في العالم الاسلامي رغم عدم التوصل حتى الآن الى نتيجة حاسمة لكن الخطوات المتخذة حتى الآن في جانب تأسيس الجمعيات والمنظمات الاقليمية والدولية ومنها منظمة المؤتمر الاسلامي واعداد وصياغة اعلان حقوق الانسان الاسلامي لها اهميتها البالغة. تحظى نظرية اتحادالبلدان الاسلامية في اطار الفدرالية والتي يتبلور فيها الاتحاد السياسي والحقوقي لدول اعضاء الاتحاد من ناحية خصائص النظام الفدرالي بالأهمية ينبغي دراستها. ففي هذا النظام تتحقق ارادة البلدان المستقلة والحاكمة الاسلامية نحو تنفيذ الوحدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وحتى الايديولوجية وذلك من اجل تشكيل قوة اكبر واشمل لاكتساب مرتبة أليق بها في المجالات الدولية. ولكن رغم ذلك فإن مجرد وجود المؤسسات والتشريفات لايجاد منظمة او اتحاد بين البلدان الاسلامية لايكفي لبلوغ الهدف بل ينطوي الايمان والاعتقاد بالوحدة والتضامن بين ابناء الامة الاسلامية ووجود عزيمة كبيرة ودائمة بين المسلمين في العالم وخاصة في الدول الاسلامية لتحقيق التطلعات للشمولية الاسلامية في العالم بأهمية فائقة في هذا الجانب. فهرست المسادر والمراجع أ ـ الكتب 1ـ آشوري، داريوش، القاموس السياسي، طهران، انتشارات مرواريد، 1352 هـ. 2ـ آقائي، بهمن، قاموس حقوق الانسان، طهران، انتشارات كنج دانش، 1376 هـ. 3ـ طباطبائي مؤتمني، منوجهر، الحقوق الأساسية، طهران، نشر ميزان، 1380 هـ. 4ـ عميد زنجاني، عباس علي، الفقه السياي، المجلدين الثاني والثالث، طهران، انتشارات امير كبير، 1373 هـ. 5ـ قاضي شريعت بناهي، ابو الفضل، مقالات في الحقوق العامة، طهران، نشر دادكستر، 1375هـ. 6ـ قاضي شريعت بناهي، ابو الفضل، بايسته هاي حقوق اساسي، (ضرورات الحقوق الاساسية)، طهران، نشر يلدا، 1373 هـ. 7ـ قرشي، سيد علي اكبر، قاموس القرآن، المجلد الأول، دار الكتب الاسلامية، 1352 هـ. 8ـ هاشمي، سيد محمد، الحقوق الاساسية للجمهورية الاسلامية الايرانية، المجلدين الاول والثاني، طهران، نشر دادكستر، 1380 هـ. ب ـ النشرات والتقارير 1ـ الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان، القاهرة، 1990. 2ـ الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان والمواطن الفرنسين 1790. 3ـ تقارير محاضرة الحقوق الأساسية والتطبيقية لفضيلة الاستاذ الدكتور السيد محمد هاشمي، دورة الماجستير للحقوق العامة، جامعة الشهيد بهشتي، 1377. -------------------------------------------------------------------------------- [1]– عضو الهيئة العلمية لجامعة تبريز. [2] ـ طباطبائي، مؤمتني، منوجهر، الحقوق الأساسية، نشر الميزان، طهران، 1380، ص 171. [3] ـ المصدر السابق. [4] ـ نفس المصدر، ص 174 و176. [5] ـ المادة 29 من اعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي المصادق عليه عام 1793 تقول: يحق للشعب ان يعيد النظر دائماً في دستوره او اصلاحه او تغييره ولا يستطيع أي جيل أن يفرض على الأجيال القادمة قوانينه. [6] ـ آشوري، داريوش، الثقافة السياسية، انتشارات مرواريد، طهران، 1352، ص 128. [7] ـ قاضي شريعت بناهي، ابو الفضل، ضرورات الحقوق الاساسية، الطبعة الاولى، نشر بلدا، طهران، 1373، ص76 و78. [8] ـ نفس المصدر. [9] ـ هاشمي، سيد محمد، الحقوق الأساسية للجمهورية الاسلامية الايرانية، المجلد الأول، نشر دادكستر، طهران، 1380، ص 78 و79 و81. [10] ـ نفس المصدر، ص 150. [11] ـ سورة سبأ، الآية 28. [12] ـ سورة الأعراف، الآية 58. [13] ـ مكتب الرسول، ج1، ص 275. [14] ـ قرشي، سيد علي أكبر، قاموس القرآن، المجلد الأول، دار الكتب الاسلامية، 1352، ص 118. [15] ـ سورة سبأ، الآية 92. [16] ـ سورة البقرة، الآية 143. [17] ـ عميد زنجاني، عباس علي، الفقه السياسي، المجلد الثاني، انتشارات امير كبير، طهران، 1373، ص 329 و230. [18] ـ نفس المصدر. [19] ـ آقائي، بهمن، ثقافة حقوق الانسان (فرهنك حقوق بشر)، نشر كنج دانست، طهران، 1373، ص 88 و129.