نحو التكامل في العمل الإسلامي التعليمي: آفاق مستقبلية د. عزت جرادات ([1]) أـ مقدمة: يقرر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) أن (لكل شخص الحق في التعليم) ولكن هذا الحق مايزال بعد مضي خمسة عقود وعداً لم يتحقق للملايين من البشر، رجالاً ونساء وأطفالاً، وبخاصة ممن هم في سن التمدرس ويضاف إليهم سنوياً عدة ملايين من الأطفال الذين يتسربون من المدارس دون أن يكتسبوا المعارف والمهارات التي يحتاجون إليها كي يعيشوا حياة سليمة ومنتجة من جهة، وكي يسهموا في مسيرة التنمية الاقتصادية – الاجتماعية في بلدانهم من جهة أخرى. وإذا كانت قدرة الناس على صوغ حياتهم وتحسينها هي مقياس مقبول للتنمية، فمن المؤكد أن توفير التلعيم للجميع بحده الأدنى أو ما يعرف بالتعليم الأساسي شرط ضروري لهذه التنمية. ويعتبر اعتماد مفهوم حقوق الإنسان نهجاً في هذه المحاولة لمعالجة موضوع (التكامل في العمل الإسلامي التعليمي)، ذلك أن الديانات المساوية قد حضت على صيانة حقوق الإنسان، كما طالب الإسلام العمل من أجل تحقيقها من مختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لبناء مجتمع حضاري وإعداد إنسان متحضر يعيش في عالم معاصر لا مكان فيه ولا دور لمجتمع التخلف: فالسرعة التي تتم بها التحولات الاجتماعية والاقتصادية، والتقدم المتسارع في مجال المعرفة، وبخاصة في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، وتعقد المجتمعات على نحو متزايد، وضخامة المبادلات والتأثيرات فيما بين الثقافات، من شأنها جميعاً أن تجعل استمرارية التطوير والتجديد في المجتمعات من أولى وظائف النظم التربوية؛ وان تجعل الحق في التربية للجميع، وأهمية دور التربية في التطوير المجتمعي عنصرين أساسيين في تقدم المجتمعات. وعلى الرغم من التقدم الكمي الذي أحرزته مجموعة لا بأس بها من الأقطار الإسلامية في مجال التعليم، فان المؤشرات التربوية الصادرة عن المنظمات الدولية تشير إلى أنّ ديموقراطية التعليم للجميع مازالت في كثير من البلدان بعيدة عن التحقق، فإلى جانب استمرار الأمية بنسبها العالية مازالت فرص الالتحاق بالتعليم متفاوتة بين الذكور والإناث، وبين المناطق الريفية والحضرية، وبين الأطفال العاديين وذوي الاحتياجات (أو التحديات) الخاصة، وبين الإلزامية أو تعميم المجانية والنخبوية في التعليم.. أما من حيث نوعية التعليم، فما زالت النظم التربوية في معظم البلدان الإسلامية تتسم بالتقليدية في المضامين والأساليب، وضعف المواءمة بين مخرجات التعليم والحاجات الحقيقية للمجتمعات، والميل نحو التعليم النظري والاهتمام بمجالات العلوم الإنسانية أكثر من الاهتمام بِمجالات العلوم الطبيعية والرياضيات والتكنولوجيا وتطبيقاتها. وإذا كان التعليم بحكم طبيعته يستهدف المستقبل، فان تحقيق ذلك قد اصبح أشد صعوبة بقدر ما صارت المجتمعات المعاصرة في حال من التطور المستمر والمتسارع؛ وأصبَحَ من المسلم به القبول بالنقد القاسي للنظم التربوية التي مازالت تعد الأفراد للحياة في مجتمعات ماضوية التفكير والاجترار بعيدة عن النهج العلمي والتفكير الناقد والتحليل والاستنتاج واستشراف المستقبل. كما أصبح من الضرورة أن يستهدف التلعيم التفتح الكامل لملكات المتعلم، بتمكينه من السيطرة على بيئته، وبمساعدته على تنمية مواهبه وقدراته الإبداعية، وبتعزيز مفاهيم التسامح والعدالة والتكافل في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبمنح التربية الوطنية والأخلاقية المكانة اللائقة بهما، وبتعزيز قيم الهوية والانتماء العقدي – الثقافي للأمة ومقوماتها. ومن الأهمية بمكان أن تكون النظم التربوية في البلدان الإسلامية قادرة على التعامل مع الاتجاهات الجديدة التي تزداد أهميتها في البيئة العالمية وتطال بالضرورة غايات التعليم وأهدافه. وتتمثل تلك الاتجاهات في تأثيرات العولمة وفي تزايد أهمية المعرفة كمحرك رئيسي للنمو، وثورة المعلومات والاتصالات والتي أصبحت عناصر أساسية وفعالة في الأفضلية التنافسية لأي اقتصاد وطني في إطار الاقتصاد العالمي.. هذا فضلا عن استخدام المتزايد للكومبيوتر وتناقص أسعار برامجه وأجهزته وانخفاض تكلفة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأثر ذلك في التغلب على حاجزي المسافة والوقت للوصول إلى المعلومات وتبادلها.. من أجل بناء اقتصادات المعرفة في مجتمعات ديموقراطية تتيح مناخاً إيجابياً لتوليد الطاقة الفكرية من جهة، ومن أجل التغلب على الفجوة المعرفية بين البلدان أو داخل البلد الواحد وانعكاس ذلك على مستوى التقدم الاجتماعي الاقتصادي من جهة أخرى. ب ــ دور التعليم في الاستثمار المستقبلي: تؤدي المؤسسات التربوية والتعليمية دوراً حاسماً في تمكين البلدان النامية من إحراز تقد ملموس نحو تحقيق الأهداف الإنمائية والنمائية، كما يسهم التعليم في تعزيز القدرات الوطنية وتهيئة الأفراد للقيام بأدوار فاعلة في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة وبخاصة في مجال تقليص التفاوت بين فئات المجتمع، والحد من الفقر وبناء مجتمعات مدنية سليمة ذات ثقافات اجتماعية تعزز التماسك الاجتماعي وتعمق مبادئ العدالة والمساواة والديموقراطية وتطبيقاتها. إن هذه الأهمية لدور التلعيم في بناء المجتمع المستقبلي تدعو البلدان الإسلامية لأن تكون أكثر مبادرة في توجهاتها نحو التجديد والتجويد في التعليم، وبلورة رؤية واضحة بعيدة المدى لتطوير نظم التعليم تتسم بالشمولية والتنوع وإتاحة فرص التعلم المستمر مدى الحياة. وحتى تكون الإصلاحات الشاملة أكثر فعالية فثمّة أهمية كبرى لاعتماد (التحديد والتجويد) التربوي ركناً أساسياً من أركان السياسة الوطنية والمصلحة القومية العليا للبلدان الإسلامية في إطار توجهات واعتبارات أساسية تعمق مبدأ الاستثمار في التعليم من أجل مستقبل أفضل. ولعل من أهم هذه التوجهات والاعتبارات الأساسية مايلي: 1ـ الموائمة بين أهداف التجديد التربوي والمبادئ والقيم والمثل العليا للأمة والسياسة الوطنية. 2- اعتماد منجهية (التخطيط الاستراتيجي) على المستوى الوطني. 3- تعزيز القدرات المؤسسية بما في ذلك أنظمة إدارة المعلومات واستخدام الموارد المتاحة بشكل أكثر فعالية. 4- استخدام طاقة البحوث والتطوير (R&D) الوطنية بكفاءة عالية لتحسين أجواء محلية أفضل للباحثين. 5- إقامة أنظمة تمويل مستدامة لتشجيع مبادرات الإبداع والإتقان وبخاصة في مجالات تكنولوجيــــــا المعلومات والاتصالات والتوسع فيها للتغلب على الفجوة الرقميـــــــة (digital) على المستوى العالمي. 6- تسهيل الاغتناء المتبادل في التجارب والخبرات على المستوى الإقليمي والدولي. 7- وضع قواعد وتدابير إيجابية على المستوى الوطني للحد من هجرة الأدمغة وتسهيل عودة الكفاءات للإسهام في النهضة العلمية. 8- وضع نظم فعالة في مجال المساءلة وقياس مدى تحقيق أهداف البرامج والمشاريع التجديدية. 9- تأكيد (الاستقلال الذاتي) في (التجديد والتجويد) التربوي: أهدافاً وتخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً. 10- اعتماد منظومة (التخطيط والبحث والتطوير) كمنهجية في تطوير النظم التربوية. وانطلاقاً من هذه التوجهات والاعتبارات الاساسية تتضح أهمية توفير (التعليم للجميع) في البلدان الإسلامية.. وإذا كانت المجتمعات البشرية المعاصرة قد اعتمدت ماجاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في هذا المجال: (لكل شخص الحق في التعليم الذي يجب أن يوفر مجاناً، على الاقل في مرحلته الابتدائية الاساسية، كما ينبغي أن يكون التعليم الابتدائي إلزامياً، والتعليم الفني والمهني متاحاً للجميع، والتعليم العالي متاحاً للجميع تبعاً لكفاءتهم). إن كانت المجتمعات المعاصرة قد اعتمدت هذا المبدأ لدعم مفهوم التعليم للجميع، فأن الأمة الإسلامية قد اعتمدت، وبعقد عقدي أبدي، الاستجابة لنداء التعلم متمثلاً بخطاب الله عزوجل لرسوله المصطفى (صلى الله لعيه وسلم): (أقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم...) صدق الله العظيم. ج – مؤشرات وتوترات عالمية: احتل مبدأ (التعليم للجميع) ذروة الاهتمام البشري عندما أكد المؤتمر العالمي حول التعليم للجميع، والذي عُقد في جومنتين – تايلند عام 1990، أن لكل شخص الحق في التعليم الأساسي، باعتباره حقاً جوهرياً للإنسان، كما سجل ذلك المؤتمر التزام المجتمع الدولي، والنظم التربوية في مختلف بلدان العالم، لتحقيق خطة التعليم للجميع بحلول عام 2000. وجاء المنتدى الدولي للتعليم الذي عُقد عام (2000) في داكار – السنغال، والذي توصل إلى أن ثمة إنجازات كمية قد تحققت في متخلف دول العالم، ولكن العقبات والظروف غير المستساغة مازالت تسود النظم التربوية على مستوى عالمي تتمثل بمايلي: 1ـ هناك (120) مليوناً من الأطفال، من بينهم (60%) من البنات لا يتيسر لهم التعليم الابتدائي. 2- هناك (950) مليوناً من البالغين ، منهم (65%) من النساء أميين. 3- ماتزال التفرقة بين تعليم الجنسين (الأولاد والبنات) قائمة لدى معظم النظم التربوية. 4- أدى الاهتمام بالتعليم الكمي إلى التضحية بجودة التعليم في غالبية النظم التربوية. 5- أدى التعليم ذو الجودة المتدينة إلى ارتفاع نسبة التسرب في المرحلة الابتدائية في كثير من الدول. وأكد منتدى (داكار) أن هذا الواقع يجعل أهداف مؤتمر (جومنتين) أكثر إلحاحاً .. وان التعليم في القرن الحادي والعشرين ليس حقاً إنسانياً جوهرياً فحسب، ومفتاحاً للتنمية والتعايش والسلام والاستقرار، في داخل الدول وفيما بينها، بل انه أيضا وسيلة حتمية للمشاركة الفعالة في مجتمعات واقتصاديات القرن الحادي والعشرين.. وطالب الدول والنظم التربوية الالتزام بعام (2015) لتحقيق التعليم للجميع وفق سياسات تعليمية وطنية. وفي هذا السياق يلاحظ أن عالم اليوم والغد، برغم تأكيده حقوق الإنسان بشكل عام والحق في التعليم بشكل خاص، فانه مملوء بالتوترات على مختلف الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية وقد لخص تقرير اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والشعرين لدى اليونسكو في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي أهم مظاهر هذه التوترات على النحو التالي: 1ـ التوتر بين العالمي والمحلي، والكلي والخصوصي، بمعنى أن يصبح الإنسان مشاركاً في المسيرة العالمية، دون أن ينفصل عن ترابه الوطني والمشاركة في مسيرة أمته، وبين أن ينشغل بالقضايا والمخاطر العالمية ، مثل مشكلات البيئة والتسلح والمشكلات الاجتماعية متمثلة بالمخدرات والإيدز في مختلف مناطق العالم، وبين أن ينشغل بهموم وطنه وتطلعاته الخاصة نحو تحقيق حياة كريمة. 2- التوتر بين التقاليد وتوجهات الحداثة، أي المواءمة بين التغير دون التنكر للذات والهوية ولغة التواصل القومي وثوابته. 3- التوتر بين الجهود التي تتطلب أفقا زمنيا بعيد المدى، وتلك التي تفرضها الحاجات الآنية وتطلعات الشعوب إلى حلول فعالة ناجعة للمشكلات الراهنة. 4- التوتر بين التوسع الهائل للمعارف وقدرة الإنسان على استيعابها في مختلف المراحل، وما يتطلبه ذلك من اختيارات أساسية وميول فردية. 5- التوتر بين المادي والروحي بهدف إحياء القيم الروحية والأخلاقية في مواجهة التكالب المادي على امتلاك الثروة ومظاهرها الاستهلاكية الحادة. وتشكل هذه التوترات تحديات حافزة للمجتمعات والنظم التربوية نحو (التجديد والتجويد) التربوي.. ولعل منظومة (العالم الإسلامي) هي أشد حاجة من غيرها من المناطق الإقليمية لوضع استراتيجية تنسيقية فيما بينها نحو تحقيق التعليم للجميع على مستوى كمي في التعليم الأساسي وعلى مستوى نوعي في مختلف مراحل التلعيم الاخرى. د- نحو الاهداف الكمية والنوعية للتعليم: على ضوء الواقع التعليمي على مستوى عالمي أو إقليمي وما تواجهه النظم التربوية من عقبات وتحديات ومؤثرات مجتمعية، عالمية وإقليمية . فان منظومة العالم الإسلامي مدعوة أكثر من أي وقت مضى أو آت لوضع استراتيجية تعليمية تعتمد مبدأ (التنسيق والتكامل والتكافل) فيما بين بلدان العالم الإسلامي لتحقيق الأهداف التعليمية التالية كحد أدنى لطموحات شعوبها وحاجات التنمية البشرية في مجتمعاتها: 1ـ تحقيق التعليم الأساسي للجميع يمكن القول أن ثمة اتفاقاً على المفهوم العام للتعليم الأساسي ، متمثلاً بإكساب المتعلمين المعارف والمهارات الأساسية التي تمكنهم من التكيف مع متغيرات مجتمعاتهم، والقدرة على تطوير تلك المهارات والمعارف وتطويرها بما يمكنهم من تحسين ظروفهم المعيشية، والإسهام في تنمية مجتمعاتهم. ومع أن الأصل أن يستمر هذا التعليم حتى سن السادسة عشرة مجاناً، إلا انه يظل محكوما بالإمكانات المتاحة لكل بلد سواء بقدراتها الذاتية أو بدعم إقليمي ودولي. 2- العمل على محو أمية الكبار مما لا خلاف فيه أن الأمية مشكلة عالمية النطاق وهي أشد حدة من ناحية الكم في البلدان النامية، ومنها البلدان الإسلامية؛ وتشتد خطورة لارتباطها بالفقر والأقل حظا والمحرومين من المشاركة في حياة المجتمع بشكل فاعل، كما تزداد انتشاراً في الأرياف وبين الفتيات والنساء. وإذا ما أريد لبرامج محو الأمية النجاح والاستدامة، فان من الأهمية بمكان أن لا تقتصر على محو الأمية الهجائية (القراءة والكتابة والحساب) بل على توفير الفرص للكبار لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في عملية التنمية وبرامجها ومشاريعها من خلال التدريب والإعداد لمتطلبات تلك المشاركة: وتطبيقات عملية . 3- العمل على تحسين نوعية التعليم إن الاهتمام بالتوسع الكمي في التعليم وتعليم الكبار ينبغي أن لا يكون على حساب نوعية التعليم والنهوض به و(تجديده وتجويده) باستمرار وفي مختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي والعالي، وذلك ضمن إمكانات كل بلد في استخدام تكنولوجيا التعليم والمعلوماتية، وضمن التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال، وانسجاماً مع التوجهات العالمية المستقبلية نحو (تجديد التعليم وتجويده) فإن الأنظمة التربوية في البلدان الاسلامية مدعوة لايلاء الاهتمام الكبير لمضمون وثيقة اليونسكو الشهيرة (التعلم ذلك الكنز المكنون) والتي تلخص الأبعاد الأساسية للتعلم من أجل التنمية المستقبلية بالأعمدة الأربعة التالية: الأول: التعلم لأن نعرف: وهو إشارة إلى المعرفة العامة ذات القاعدة العريضة والتي تتضمن (التعلم لأن نتعلم) كمتطلب للمقدرة على الإفادة من فرص التعليم التي تتوفر في مختلف مراحل الحياة. الثاني: التعلم لأن نفعل: وهو إشارة إلى اكتساب المهارات الحرفية أو التخصصية والقدرات الأوسع للتعامل مع المواقف المتغيرة في المجتمع. الثالث: التعلم لأن نكون: وهو إشارة إلى قدرة الفرد على تنمية شخصيته حول مجموعة من القيم الجوهرية والعمل بدرجة أكبر من الاستقلالية والمسؤولية الشخصية. الرابع: التعلم لأن نعيش معاً: وهو إشارة إلى تنمية معرفة الناس الآخرين في روح من التعددية واحترام الاختلافات وثقافة السلام والديموقراطية . 4- العمل على ربط برامج التعليم بالتنمية المستدامة. لقد أصبحت التنمية المستدامة ركناً أساسياً في السياسات والاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والعالمية.. ولتحقيق استيعاب الشعوب لمفهوم التنمية المستدامة. فان من الأهمية البالغة أن توجه برامج التعليم لإحكام الصلة والارتباط مابين أهداف التعليم والتنمية المستدامة. ويمكن للبلدان الإسلامية أن تعني ببرامج ثلاثة أساسية لمجتمعاتها وهي: الأول: التربية البيئية: بحيث تركز على تغيير سلوك الأفراد من خلال إيقاظ الوعي والحس البيئي لديهم، وتمكينهم من استيعاب المعارف المناسبة والمجدية بشأن البيئة، وتجسيد الحرص الأخلاقي نحو المسؤولية المشتركة في حماية البئة وتطويرها. الثاني: التربية السكانية: بحيث تركز على أهمية إدراك الأفراد لارتباط القضايا السكانية بحياتهم اليومية وتحسين رفاهية أسرهم ومجتمعاتهم المحلية، وان تكون لكل بلد سياسته السكانية الخاصة وفق قيمه الدينية والثقافية والاجتماعية وتوجهاته نحو التنمية المستدامة وتحسين مستوى الحياة الفردية والاجتماعية. الثالث: التربية الصحية: بحيث تركز على أن مسأًلة الصحة تمثل جزءا حيوياً من احتياجات الأطفال والكبار في مجال التعلم الاساسي، كما تمثل التربية الصحية توجها عالمياً يشمل معالجة العوامل الكفيلة بتعزيز رفاهية الناس الجسمانية والاجتماعية وتطور العادات والسلوكيات للنهوض بالمستوى الصحي للأفراد والمجتمعات. 5- العمل علىنشر الثقافة الحاسوبية والمعلوماتية: تشكل المعرفة العلمية والمعلوماتية والرقمية ركنا أساسيا من أركان التنمية البشرية والمجتمعية، وتشير معظم التقارير الدولية إلى أن البلدان النامية، ومنها البلدان الإسلامية، هي الأكثر حاجة إلى الاهتمام بالمعرفة: إدراكاً وتعاملاً وإنتاجاً ويتطلب ذلك العمل على تعميم تعليم الحاسوب ونشر الثقافة الحاسوبية: استخداما معرفيا وتوظيفا في الحياة لدى المتعلمين. هـ - عوامل التنفيذ الناجح: إن وضع استراتيجية للتنسيق التعليمي لدى البلدان الإسلامية ليس بالأمر السهل.. فوضع استراتيجية من مختلف أبعادها: أهدافا وبرامج ووسائل وتمويلا .. يتطلب اعتماد منهجية علمية مؤسسية، إلا أن ذلك جاء في حدوده الدنيا، آخذاً بعين الاعتبار عوامل إيجابية تجعل العمل على تنفيذها من الأمور الميسورة من حيث: 1ـ أولوية الأهداف: إذ تمّ الاكتفاء بخمسة أهداف رئيسية ذات اهتمام مشترك للبلدان الإسلامية التي لن تختلف على أهميتها أو أولوياتها، فهي تمثل حاجات أساسية لتحقيق النمو والتقدم لمجتمعاتها. 2- المرونة: إذ تتسم هذه الأهداف بطابع المرونة مما يتيح لكل بلد أن يرسم خطته واستراتيجيته الوطنية وفق أولوياته وضمن موارده المتاحة. 3- القابلية للتطبيق: إذ تشكل هذه الأهداف قاسماً مشتركا بين البلدان الإسلامية .. وهي تعمل حالياً على تحقيقها ضمن سياساتها وخططها وبرامجها، إلا أنها قابلة للتفاوت والتمايز والجودة في التطبيق إذا ما توفرت لها الإمكانات الأفضل وحشدت لها الموارد الإقليمية والدولية الممكنة. 4- التكامل والتكافل للتنفيذ: إذ تعتبر الأهداف المذكورة مجالات مشروعة لكل بلد ، وحقاً أساسياً من حقوق أفراد الأمة وشعوبها؛ كما تعتبر عناصر فعالة في تحقيق التنمية المستدامة لمجتمعاتها.. مما يوفر حوافز قوية (للتكامل والتكافل) مابين بلدان العالم الإسلامي، الغنية والفقيرة، للإسهام في تمويل البرامج والمشاريع لكل بلد بـإشراف هيئة شعبية تكون فيها الموضوعية في تحديد الأولويات لكل بلد، والعدالة في مقدار الدعم اللازم، والشفافية في الإنفاق.. من أهم مرتكزات عملها. 5- إحياء مفهوم (الوقف الإسلامي للتعليم) : إذ يسهم الوقف الإسلامي في حشد الموارد المالية والاستثمارية للإنفاق منها على إقامة الأبنية المدرسية في البلدان الإسلامية وفق خطة وآلية واضحتين، لمواجهة الاحتياجات المتزايدة من المدارس ونشرها في المناطق الأقل حظاً في البلدان الإسلامية، مما يؤثر على تخفيف الأعباء المالية على المستوى الوطني وتخصيص إمكاناتها للتعليم والتوسع فيه كمياً، والارتقاء نوعياً. 6- التعاون الإقليمي والدولي: إذ يلاحظ أن هذه الأهداف تأتي منسجمة مع توجهات المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالجانب التعليمي في التنمية المستدامة مما يجعل دعم تلك المنظمات لمختلف البلدان الإسلامية ذات الحاجة أمراً ممكناً وميسوراً، وبخاصة إذا ما أدركت تلك البلدان ان استفادتها من الإمكانات المتاحة لدى تلك المنظمات مازال محدوداً ومتواضعاً نظراً لبساطة الطلبات وصغر المشاريع المقدمة منها إلى تلك المنظمات. و- الخاتمة: وإذا ما أريد النجاح للتنسيق بين البلدان الإسلامية في المجال التعليمي بمفهوم (التكامل والتكافل) فانه يمكن التأكيد على المسارين التاليين والتنسيق بينهما بتكوين مجلس مشترك: الأول: المسار الشعبي أو المجتمعي؛ الذي يمكن أن يتألف من فريق من الخبراء التربويين والاقتصاديين وقادة مؤسسات المجتمع المدني وتستضيفه إحدى البلدان الأساسية. الثاني: المسار الرسمي؛ الذي يتألف من المنظمات العربية والإسلامية المعنية بالتربية والثقافة والتنمية. -------------------------------------------------------------------------------- [1]– الأمين العام للمؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس.