والواقع أن القانون الدولي لم يصبح عالمياً بحق إلاّ بعد إنشاء الأمم المتحدة، وبصفة خاصة بعد حسم مشكلة العضوية بها في سنة 1956م؛ لذلك فإن النظام السياسي الذي أقامه المسلمون في المدينة تحت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم اتسم منذ اللحظات الأولى بطابع العالمية، والدبلوماسية معاً، قد تجلى ذلك واضحاً في الرسائل التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى رؤساء العالم حينئذ… كذلك كان للمعاهدات التي وقعها الرسول صلى الله عليه وسلم مع القبائل العربية، أو اليهود نماذج عالية من السياسة الحكيمة التي تحفظ لجماعة المسلمين حقوقها، وترد عنهم كيد المعتدين، وفي هذا المجال ينبغي أن نتأمل معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لمبعوثي أعدائه، وحاملي رسائلهم وممثليهم السياسيين، وهي معاملة يحق لنا أن نقول فيها: إنها سديدة ومستقيمة، فالإسلام فوق ما يكفله له من صيانة، وأمن على الأرواح يمنحهم نوعاً من الحصانة الاجتماعية التي تضمن لهم حرية العودة إلى أوطانهم متى شاؤوا، ولا يدع سبيلاً إلى احتجازهم في بلاد المسلمين بحجة أنهم من الأعداء… يلي ذلك طريقته عليه الصلاة والسلام في الاستماع لهؤلاء المفاوضين، وحسن استعداده للتفاهم، أو التعاقد معهم، والقرآن الكريم يحض الرسول صلى الله عليه وسلم على قبول مبدأ الصلح متى وجد من العدو ميلاً إليه(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)([149]). وفي مجال المقارنة بين القانون الدولي في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:(ينبغي عند اجراء مثل هذه الدراسات أن نأخذ في الاعتبار: أن مهمة الشريعة الإسلامية هي في الدرجة الأولى مهمة حضارية، آمرة وشاملة، في حين أن مهمة القانون الدولي مهمة تنظيمية، قائمة على الاتفاق، ولا يتعدى أثرها نطاق المتفقين، فالشريعة الإسلامية تتضمن أحكاماً مصدرها القرآن