الموجّهين، فهو اتجاه ناقص يتصرف من وحي الواقع الذي يراه، لكنّه لا يحقق الواقعية المنسجمة مع الحقيقة. ومع اهتمام الإسلام بالروح وتغذيتها، والعبادات وتأثيرها في هذا المجال، بهدف تزكية النفس، ما يؤثر على مركز التوجيه لاختيارات وأعمال الإنسان، فإنه لم يقبل جنوحاً يعاقب الجسد أو يحرمه من حاجاته الطبيعية، "فلا رهبانية في الإسلام"([327])، ولا عزلة عن الحياة، فالإيمان يُترجم بعيش الدنيا للفوز بحسن السلوك فيها لا بالإمتناع عنها. رُوي عن ثلاثة رهط استقلُّوا أعمالهم في مقابل أعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غفر الله تعالى ما تقدم من ذنبه وما تأخر بسبب عبادته وأعماله، فقال أحدهم: أمّا أنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"([328]). وترك الإسلام فسحة لتغذية الروح، في مستحبات العبادة ورقي النفس الإنسانية، آخذاً بعين الاعتبار تقلب النفس مع مشاغل ومصاعب الحياة، فإنّ لها إقبالاً على العبادة في بعض الحالات، وإدباراً عنها في حالات أخرى، فلكي تبقى تربية النفس في دائرتها الصحيحة، لم يقيّد المكلف بواجبات عبادية صعبة، فقد أوجب عليه خمس صلوات في اليوم، وصيام شهر في السنة، وحج مرة واحدة في العمر… الخ وهو يطيق أكثر من ذلك، فعن الإمام الصادق عليه السلام:(ما كلف الله العباد فوق ما يطيقون، فذكر الفرائض وقال:إنّما كلّفهم شهر من السنة وهم يطيقون