والعهود التي تعطى للدول الأجنبية أو الأجانب، تارة تدخل ضمن عقود صرّح بها الإسلام، وحدّد لها قوانينها العامة، فيجب الالتزام بذلك، وأخرى تسير بمنحى مستقل، يرى وليّ الأمر أن يعقدها لأنّها تحقق المصلحة الإسلامية العليا. فمثال الأول: عقد الذمة، وعقد الهدنة، وعقد الأمان. ومثال الثاني: كل العقود الأخرى والتي تعقد على الصعيد العسكري والاقتصادي، وأمثال ذلك. وتستمد التعاليم الإسلامية ـ الخاصة بهذا العقد أو ذاك ـ من نصوص القرآن الشريفة، والأحاديث المباركة، وعمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ففي مجال عقد الذمة: تستفاد بعض الأحكام من الآية الشريفة:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون).([202]) وهناك عقود أهل الذمة التي عقدها صلى الله عليه وآله وسلم مع نصارى نجران وبني تغلب ومجموعات من اليهود. ولا نريد هنا أن ندخل في تفاصيل هذه العقود، وإنّما نريد التأكيد على أن مسألة العهود تحتل جانباً مهماً من الفقه الإسلامي، وتستمد خطوطها العريضة من القرآن الكريم. ثامناً: التعامل بالمثل يقول تعالى:(الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين).([203]) وإذا كان مبدأ القصاص من جهة، ومبدأ جزاء الإحسان بالإحسان من جهة أخرى، مبدأين واقعيّين يرتضيهما المنطق الإنساني في التعامل الفردي والاجتماعي الداخلي، فإنّهما كذلك في مجال التعامل الدولي، بل ربّما عاد أحدهما من الضرورات، إما لردع الأعتداء، وإما لجلب القلوب.