وحينما بدأت حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية لأهم نصوص الفلاسفة والعلماء المسلمين كالكندي والفارابي وابن سينا وابن الهيثم والرازي وابن رشد وغيرهم، وتركت آثارها الإيجابية على عدد من العلماء وبعض الجامعات في الغرب، سارعت الكنيسة لتحيطها بالشكوك أو تعاملها بانتقائية خاصة فتقبل مايفيدها من تطور بعض العلوم كالطب والصيدلة وتهمل الباقي، أما المناهج العقلية والتجريبية التي ساهمت في تقدم تلك العلوم، والجوانب العقديّة التي ألهمت الإنسان المسلم، وأطلقت حريته في النظر وتأمل آيات الكون فقد أهملت أو حوربت محاربة شديدة، كما حصل مع الفيلسوف ابن رشد قاضي قرطبة، الذي شنت عليه الكنيسة حرباً شعواء بعدما أحست بخطره عليها. وحينما أطلت العصور الحديثة في الغرب الأوروبي بداية بعصر النهضة شكل ذلك صدمة للمؤسسات التقليدية، رافقها تطور وتغير في شتى ميادين العلم والمعرفة وفي نظرة الإنسان للعالم، وبدأ الفلاسفة والعلماء في اتباع مناهج علمية جديدة تحاول تحرير العقل من إسار الفلسفة الوسيطة، وتؤسس لنهضة علمية جديدة بدأت ملامحها تتضح منذ القرن السادس عشر للميلاد. وكان أشهر من تصدى لتلك المهمة فيلسوفان كبيران أحدهما الإنجليزي فرنسيس بيكون (1561 – 1626) الذي انتقد المنطق الأرسطي والفلسفة المدرسية ودعا إلى اعتماد منطق جديد قوامه التجربة والاستقراء؛ والثاني رينيه ديكارت (1596 – 1650) الذي انتقد كسلفه المنطق الأرسطي والفلسفة المدرسية لأنهما حالا دون تقدم العلم، واعتمد المنهج العقلي الرياضي وطبقه في قضايا العلم والفلسفة التي جهد في أن تكون مثل الحقائق الرياضية واضحة وبديهية، كما جعل غاية المعرفة أن يتحكم الإنسان في قوى الطبيعة. وقد كان أثر هذين الفيلسوفين كبيراً وحاسماً في تقدم العلم التجريبي ووصوله إلى ماوصل إليه حتى يومنا هذا. ومن الطبيعي أن تكون الجامعات والمعاهد العلمية في الغرب قد استوعبت درس التغيير جيداً، فبدت مناهجها مواكبة للتطور العلمي الذي تحقق، وأصبحت\