بسم الله الرحمن الرحيم 1- بين عصرين: لقد درجت الجامعات الإسلامية القديمة على تقاليد ومناهج علمية امتدت لقرون بعيدة، ورثها الخلف عن السلف حتى وصلت إلى عصرنا الحاضر. ولاشك أن تلك التقاليد والمناهج قد واكبت نشأة العلوم الإسلامية وما تفرع عنها من علوم مختلفة منذ القرن الأول والثاني للهجرة وحتى نضوجها واكتمالها فيما بعد. يظهر ذلك جلياً في علم أُصول الفقه، وعلم الكلام، وعلوم الحديث والرجال، وعلوم اللغة العربية وآدابها، وغيرها مما اكتمل هيكله وتحددت مضامينه ومشكلاته في حقبة زمنية لا تتعدى القرن السادس الهجري. وعلى الجانب الآخر في الغرب الأوروبي كانت الجامعات والمعاهد العلمية تسير وفق الأنماط القديمة السائدة في العصر الوسيط، والتي تغلب عليها الفلسفة المدرسية Scholastic Philosophy المستندة إلى منطق أرسطو والتراث العلمي اليوناني القديم، مضافاً إليها التعاليم الكنسية الصارمة التي تحرم أي نقاش في المسائل التي تخالف منظورها للعلم والحياة والكون بوجه عام، حتى في المسائل العلمية التجريبية البحتة التي لا تدخل في مجال اختصاصها كمسألة دوران الأرض، التي خيّر العلماء بين إنكارها أو التعرض للسجن والتعذيب أو القتل بتهمة (الهرطقة)!! ولذا طبعت الحركة العلمية في تلك الفترة بطابع الخوف وافتقاد الحرية، وهي شرط أساس من شروط الإبداع.