وأول ما ينجذب إليه من معاني الراحة والبهجة والشوق والأنس تلك المعالم التي تنطق بها أمجادها، وتشد صادق الوله إليها. وقد روى أبو هريرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المدينة قبة الإسلام، ودار الإيمان وأرض الهجرة ومبدأ الحلال والحرام([44]). وأخبر محمد ابن سلمة عن مالك قال: دخلت على المهدي فقال أوصني. فقلت: أوصيك بتقوى الله وحده، والعطف على أهل بلد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجيرانه. فإنه بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المدينة مهاجري، ومنها مبعثي، وبها قبري، وأهلها جيراني، وحقيق على أمتي حفظي في جيراني. فمن حفظهم في كنت له شهيداً أو شفيعاً إلى يوم القيامة، ومن لم يحفظ وصيتي في جيراني سقاه الله من طينة الخبال([45]). وأخذاً بهذه المعاني، وتقديراً لها، وتمسكاً بها نبّه العلماء والفقهاء إلى أنه لا يخفى عن عاقل أن ما ليس فيه نص إذا كان محل اجتهاد واستنباط، ونقل لنا منه عمل أو قول لأهل المدينة، فإن ما ينقل لنا عنهم أقرب إلى النفس وأحبّ إليها مما ينقل عن غيرهم في الشام ومصر. وطبيعي أن تكون دار الهجرة بهذه المثابة التي روينا عنها وشاهدناها بها. فهي العاصمة الأولى لديار الإسلام، بها جرت ينابيع المعرفة والهداية، وتلقى الناس بين حرّيتها تراث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فتدبروه وبرعوا فيه وكانوا دعاة توحيد وبناة أمجاد وناشري خير وعلم وهدى وتقى بين الناس. يدل على ذلك أن الأمراء أرسلوا العلماء من المدينة إلى سائر الأمصار يعلمونهم السنن والفرائض. وهذه التي اكتملت لأهل المدينة. ولم يأت أحد قط آنذاك من تلك الأمصار إلى المدينة ليعلمهم شيئاً منها. وقد ضاعف من قداسة هذا الحرم الشريف. ولابدع في ذلك أن يرد في كلام الزهري وهو يفسر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتى يأرز الإيمان في