هذا وإن عزّ قبل إدراك حقيقة النظريات من مصطلحات قانونية وفقهية، فقد أصبح من الممكن أن نتوصل إلى ذلك عن طريق كتب اللغة والمعاجم أو كتب مصطلحات العلوم والفنون. النظرية من النظر. ويطلق النظر على ما تقوم به جارحة البصر من وظيفة، كما يطلق على الفكر والتأمل والاعتبار. والنظر كما حدّه التهانوي بالنقل عن الباقلاني: هو الفكر الذي يطلب به العلم أو غلبة ظن. والمراد بالفكر انتقال النفس في المعاني انتقالاً مقصوداً، وما لا يكون الانتقال فيه بقصد فهو حدس. وأجود من هذا القول تعريف التهانوي للنظر: والتحقيق الذي يرفع النزاع هو أن الاتفاق واقع على أن النظر والفكر فعل صادر عن النفس لاستحصال المجهولات من المعلومات. ولاشك أن كل مجهول لا يمكن اكتسابه من أي معلوم اتفق، بل لابد من تحرّك الذهن فيه بين معلومات مناسبة لذلك المطلوب. وتلك هي التي تسمى المبادئ. وكذلك لابد من أن تتحرك تلك المبادئ سريعاً وعلى ترتيب خاص لآراء تؤدي إلى المقصود وهو النظرية. ([21]) وصال خصوم الشريعة وهاجموا فقهاء الإسلام، وادعوا أن الأحكام في الفقه الإسلامي مأخوذة بالاجتهاد من المصادر التي تبنى عليه، أو بالتخريج على طريق الأئمة. فما هي إذن إلا حلول جزئية للأحكام، لا تضيء الطريق للباحثين حتى توضع لهم النظريات العامة والقواعد الكلية. فهم يقارنون ما عندهم من ذلك بما فرغ منه علماء القانون من بناء الجزئيات والحقوق والأحكام على قواعد ونظريات، تنتهي اليوم بالفقهاء إلى الالتحاق بالحقوقيين. فإن علماء الشريعة طوروا دراساتهم، ويسروا السبيل إلى تطبيقها واعتمادها حتى يفيد طلاب علم الحقوق منها. وبدأت المحاولة بتعريف النظرية الفقهية، تحملنا قبل الشروع على الالتفات إلى جملة من التصورات والآراء، وكان بحكم قيامها إما الإمساك عن