الصحابة كانوا، في كل مكان حلوا فيه، المنار الذي يهتدي به والمعلم الذي يؤخذ عنه ويتحلق الدارسون حوله. وكان من أثر كل ذلك أن أخذ فقهاء بأحاديث لم يأخذ بها آخرون، إما لأنها لم تصح لديهم أو لأنها لم تصل إليهم، ونجم عن هذا اختلاف في الأحكام وتباين في الآراء. وجملة القول أن اختلافات المجتهدين لا تعني اختلاف الحق في ذاته، ولكن اختلاف الطرق الموصلة إليه، وأن هذه الإختلافات كانت بعيدة عن الأهواء والنزوات، اللهم إلا في عصور الضعف والتخلف، وعلى أيدي الجهلة من المقلدين والتلاميذ المتعصبين، والحق أن هذه الإجتهادات في الرأي قد تركت لنا ثروة من الآراء والنظريات يمكن ان نستمد منها اليوم ما يستأنس به في علاج كثير من المشكلات الراهنة في ضوء شريعتنا الغراء. ونورد ما نقله الإمام الشعراني عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أنه قال: “إياكم أن تبادروا إلى الإنكار على قول مجتهد أو تخطئته إلا بعد إحاطتكم بأدلة الشريعة كلها، ومعرفتكم بجميع لغات العرب التي احتوت عليها الشريعة، ومعرفتكم بمعانيها وطرقها، فإذا أحطتم بها كما ذكرنا ولم تجدوا ذلك الأمر الذي أنكرتموه فيها فحينئذ لكم الإنكار والخيار لكم وأنى لكم ذلك”. وخلاصة القول: إن اختلاف علماء المذاهب الفقهية(رض) ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأُصول العلمية، هي مناط الإعجاب، وبها يتمكن الفقه الإسلامي من أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين ضرورياتها وثوابت الدين الصحيح. والله يقول الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله. والحمد لله رب العالمين