وقد عاصر مالك(رض) الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، وأخذ عنه الكثير من المسائل في علم الشريعة والحقيقة، وكثيراً ما صرف طلاب العلم لديه في مسائل يرى أن الشريف (كما يدعوه مالك) الإمام الصادق هو أحق بالفتيا في تلك المسائل وحديث (عوانة) مشهور لدى أهل العلم. وقد تبع الإمام مالك علماء كبار تقديراً لقوة حججه، ووضوح منهجه على توالي القرون. كما تبع الأئمة من أصحاب المذاهب الإسلامية جماهير غفيرة من المسلمين، وكان رائد الجميع الوصول إلى الحقيقة، وأن يتعبدوا ربهم على نحو يضمن القبول. فها هي الكوفة قد بُعِثَ إليها عبدالله بن مسعود(رض)، وقد ورد في حديث “إني رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد”. وقد استقر بها رابع الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) وكرم الله وجهه، وقد قرأ الناس (القرآن) بقراءته، وهي التي يرويها عاصم عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي عن الإمام علي، وقد سر سلام الله عليه من كثرة الفقهاء الذين سبقوه أو تبعوه إلى الكوفة، وقال: “رحم الله ابن ام عبد فقد ملأ هذه القرية علماً”. وقد والى الإمام علي(وهو باب مدينة العلم) كرم الله وجهه تفقيه الناس بالكوفة وما حولها، وبذلك اصبحت الكوفة لا مثيل لها في أمصار المسلمين في كثرة فقهائها ومحدثيها، والقائمين بعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم اللغة العربية، وذلك لما اتخذها أمير المؤمنين(عليه السلام) عاصمة للخلافة، وبعد أن انتقل إليها أقوياء الصحابة وفقهاؤهم، وقد ذكر (العجلي) أنه توطن (الكوفة) وحدها من الصحابة ألف وخمسمائة صحابي سوى من أقام بها، ونشر العلم بين ربوعها، ثم انتقل إلى بلد آخر، فضلاً عن باقي بلاد ما وراء النهرين. فكبار أصحاب الإمام علي(كرم الله وجهه) وابن مسعود(رض)، لو دونت تراجمهم في كتاب لأتى سفراً ضخماً بين الكتب.