ويضرب أحد الفقهاء مثلاً في استعمال الملح تبعاً للحديث الشريف الذي يبحث على الابتداء بالملح والاختتام به، فيري انّ للمكان اثراً في الحديث؛ حيث انّ جو المدينة كان حاراً جداً فيفقد الإنسان فيه كمية كبيرة من الملح عن طريق التفرّق، ومن هنا حثّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك. امّا إذا كانت البيئة باردة جداً فيتغير حكم استعمال الملح من الاستحباب إلى الاباحية، وقد يتحول إلى الكراهية. والتغير في الفتوى تبعاً للزمان والمكان ظاهرة طبيعية معترف بها من قبل الفقهاء بل مورست من قبلهم عملياً. (وقد يعيش فقيه واحد في بيئتين فتتغيّر نظرته الفقهية تبعاً لاختلاف هاتين البيئتين، وتتغيّر تبعاً لذلك فتاواه، والمعروف عن الامام الشافعى أن فتاواه اختلفن حينما انتقل إلى مصرعما كان يفتي به سابقاً وهو في المدينة، نظراً لاختلاف بيئة الحجاز عن بيئة مصر).(65) ومن الاحكام التي تتغير تبعاً للزمان والمكان أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تتغير من زمان لآخر ومن بيئة لاخري من حيث وجوبه باليد أو باللسان أو بالقلب، فالحكم يختلف اختلافاً كبيراً من بيئة إلى اخري، فالبيئة التي يكون فيها الإسلام منهجاً في الحياة وتكون القاعدة الفكرية مستمدة من الإسلام في قوانين وتشريعات الدولة؛ تختلف عن البيئة التي يكون فيها الإسلام مجرد ظاهرة سطحية لا علاقة لها بالحياة، وكذا الحال مع اختلاف الزمان. إعترافات غير المسلمين بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ان المنهج الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وقابل للتطبيق لأنه منهج واقعي. وقد اثبتت الحضارة الإسلامية التي اقيمت في الصدر الأول للإسلام وفى العصور اللاحقة له بانّ الإسلام منهج الحياة الخالد الذي يتطور بتطورها مع الحفاظ على الثوابت التي حدّدها الله تعالي ورسوله. وقد اعترف العلماء والباحثون، الأجانب بهذه الحقيقة، من قدرة المنهج الإسلامي على مواكبة التطور وقدرته على حل الازمات الانسانية والاجتماعية.