المحاولة الأولى: هي محاولة إعتماد الرأي الإنساني في إكتشاف الشريعة (الاجتهاد بالرأي) وهذه المحاولة وإن كانت قد بدأت في التاريخ الإسلامي كمنهج في الاجتهاد لمعالجة التحدي على مستوى البعد الثاني وهو استنباط الحكم الشرعي من النصوص المتوفرة، حيث واجه أصحاب هذا النهج مشكلة في تلبية حاجات المجتمع الإسلامي المتطور فقهيا على ضوء المتوفر من النصوص لديهم، فانهم وجدوا ان نصوص القرآن لا يوجد فيها – بحسب فهمهم – إلا عدد محدود من الأحكام الشرعية، وان السنة النبوية قد حجبت عنهم بسبب منع التدوين في فترة من الزمن ودخول الدس والوضع والتحريف فيها في فترة أخرى، الأمر الذي جعلهم يعتمدون قواعد ظنية كالقياس بمعناه الواسع والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها من الوسائل. ولكن تطورت هذه المحاولة بعد ذلك كمحاولة لفهم الدين والشريعة على أنّ مساحة الثابت منهما والمحدد مساحة محدودة وضيقة وان الدين مجرد اتجاهات عامة أو شرائع محدودة والباقي متروك للمجتهدين أن يقولوا فيه بظنهم ورأيهم في حدود ما يدركونه منها، وان هذه الآراء هي الشريعة نفسها وهو ما يسمى بمبدأ (التصويب) في الاجتهاد. وقد واجهت هذه المحاولة مقاومة قوية في المجتمع الإسلامي ومن علماء الأمة ورجالها، وكان لأئمة أهل البيت عليهم السلام الدور الريادي في التوجيه والتحذير من هذه المحاولة وقيادة المقاومة ضدها حتى انتهت إلى السقوط المطلق في الأوساط الإسلامية، وبقيت فكرة ان المجتهد يخطئ ويصيب هي الفكرة السائدة. غلق باب الاجتهاد والتدوين ويمكن أن نعتبر ان قرار غلق باب الاجتهاد يمثل اجراء حكوميا لمواجهة هذه المحاولة وسد طريق استغلال الاجتهاد بالرأي في وجهها، وإن كان لهذا القرار آثار سلبية أخرى لامجال لبحثها في حدود هذا البحث، وذلك لأن الاجتهاد الصحيح من ضرورات معرفة الرسالة الإسلامية بصورة دائمة.