السجال وأصبحت من المسلمات والاجماعات، هذه الإشكاليات يعاد فيها النظر في هذا الوقت ويتجدد حولها النقد والتقويم. لذلك فان أول ما يبدأ به “تورين” كتابه “نقد الحداثة”، هو ان يضع هذه الحداثة في أطار المساءلة والمراجعة تمهيداً للدخول في عملية نقدها. فهو يفتتح الكتاب بقوله: “ما هي الحداثة ذات الحضور الجوهري في افكارنا وممارساتنا منذ ثلاثة قرون، والتي يتم اليوم مراجعتها ورفضها واعادة تحديدها؟”([2]). ويرى “تورين” بأن هناك معركة فكرية تجاه قضية الحداثة، ويتساءل: “في أي اتجاه ينبغي خوض المعركة الأساسية؟ أضد صلف الإيديولوجية الحداثية؟، أم ضد تدمير فكرة الحداثة ذاتها؟” وفي إجابته على هذا السؤال يقول: “لقد اختار أغلب المثقفين الإجابة الأولى. ذلك لأن القرن العشرين قد بدأ للتكنولوجيين والاقتصاديين قرن انتصار للحداثة، وان ساده على المستوى الثقافي الخطاب المعادي للحداثة. مع ذلك، يبدو لي اليوم ان الخطر الثاني هو الأكثر واقعية، وهو خطر الفصل الكامل بين النظام والفاعلين، وبين العالم التقني والاقتصادي وعالم الذاتية. كلما تقلص مجتمعنا إلى مجرد مؤسسة إنتاجية تكافح من اجل البقاء في السوق العالمي، كلما انتشر في نفس الوقت وفي كل مكان هوى هوية لم تعد تتحددها الملامح الاجتماعية”([3]). هذا النقد للحداثة فتح المجال لأن يكون النظر للثقافات غير الأوروبية بعيداً لحد ما عن الدونية والفوقية، أو حسب معيارية الحداثة والتقليد، أو الأنساق الفكرية المغلقة، التي أصبحت عرضة للشك حسب الفرضية الرئيسية لفكر ما بعد الحداثة. وإمكانية ان تتعدد الحداثات ولا تعدو الحداثة بالتالي شأناً أوروبياً كما كان يريد الغرب في احتكاره للحداثة ومحاولته لإقناع الشعوب بمقولة المركزية الأوروبية، المقولة التي تصبح عرضة للاختلال بسيادة مفهوم تعدد الحداثات الذي يعيد الاعتبار لثقافات حاول الغرب ان يقلل من شأنها، ولايعترف لها بحق الشراكة المنصفة، أما