وبعموم الطرح يمكن التخلص من أثر التيارات الأخرى وبه تجتث المشكلة من جذورها، وإن لم يعم الطرح انجرف الناس إلى هوة العلمانية فيبتعدوا عن معطيات دينهم، إذ كل فصل للدين عن شؤون الحياة يعتبر ضرباً من ضروب العلمنة يجب التخلص منه كابعاد الشؤون الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الطبية أو الاخلاقية. وليس قولهم بأن العلمانية "فصل الدين عن الدولة" يعني عما يتعلق بسياستها فقط، بل يعم كل عزل له عن الحياة وشؤونها، وإلا لم يسغ إطلاقه إلا على ساسة الأمر، وان بقي المسلمون على اجترار اطروحات الماضي العلمية والعملية لم يمكنهم تطبيقها في ارض الواقع، ولم يوجدوا البديل عن الرأسمالية والاشتراكية، ولم يمكنهم أيضاً كشف زيف هذه التيارات، فابراز تصورات الإسلام في هذا المجال هي وظيفة المجدد المجتهد دون سواه. 3ـ اسلوب الطرح الجذاب، لان القليل هم الذين يدركون اللب، والغالبية يقتصر نظرهم على القشور، فتبهرهم عناصر الآثار ـ إن اتصف بها ـ، كان اتباع هذا الاسلوب ضرورياً لابلاغ صوت الحق إلى الخلق امتثالاً لامره تعالى العالم بخبايا النفوس في قوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)([56]) وقد أدرك النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فقد كانت تطبيقاته نبراساً يحتذي به الناس، والتجديد في الاسلوب ضروري لاختلافه بتباين الزمان والمكان. وهذا لا يختص بالمجتهد فيما تداول طرحه، اما ما لم يسبق طرحه فالاجتهاد شرطه الاساسي. وعندما يجمع الطرح بين قوة التصور للدليل والواقع مع جزالة الاسلوب يؤتي ثماره اليانعة، لذا حقق الاستاذ المودودي ما صبا إليه عندما القى محاضرة عن كيفية تطبيق الشريعة في باكستان فأيده اغلب القانونيين لقوة حجته وروعة اسلوبه. ([57])