وبما يحتاج إليه لاصلاحه وخبير بخفايا الطبع الإنساني وبمطالبه النفسية والجسمية والعقلية والعاطفية وهو فاطر الضمير والوجدان، فأولى جميع هذه المطالب كريم عنايته، ووجهها نحو الوجهة المرضية حتى لا تحيد عن الصراط السوي (إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)([54]) وذلك يبرهن بوضوح التوازن والوسطية والواقعية أيضاً في التصور الإسلامي. وجميع المبادئ الاخرى لم تتمكن من المواءمة بين هذه الامور فغلبت جانباً على آخر، بل ربما بالغت فألغت بعضاً منها وذلك واضح في رهبانية النصارى، إذ حرمت الجسم والعاطفة حقهما، وهو جلي أيضاً في تيارات المادية المعاصرة التي همشت جانب الروح. وصحة المادة تتطلب علماً بالتصور الإسلامي، إلا انه قد ينال بغير بلوغ منزلة الاجتهاد وبه يكتمل بهاء الصورة. 2ـ العموم والشمول، الإسلام دين عالمي ابدي، من أبرز خصائصه شموليته بحيث يتناول جميع القضايا ويحاكمها بمنهجه ويميز بين حقها وباطلها، ويبين المحق من المبطل ممن يتلبسون بها، ولا ينحصر في طقوس تقام في المساجد أو شعائر تؤدى في شعاب مكة، بل يشمل حتى قضاء المسلم حاجته ومباشرته أهله ومأكله ومشربه وملبسه وجميع متطلبات حياته وعلاقته بخالقه وببني جنسه وسائر الكون وجميع معاملاته وتصرفاته (قل إنّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين)([55]) وهذا راجع إلى شمولية شريعة الإسلام. وهي بذلك تباين الأفكار التي ترضى بالاقتصار على جانب دون آخر لأن مقاييسها قصيرة المدى في العمر الزمني وفي الحدود المكانية، بل وفي الشخصيات فلذا لا تصلح لعموم الأزمنة والأمكنة، حتى اصبحت شعاراتها تنم عن عدم عنايتها ببعض الجوانب كقول العلمانيين "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر"، وشعار الآخرين "الدين أفيون الشعوب" فلا علاقة إلا بالمادة.