وتصور آخرون إرادة الظاهر فلم يصلوها إلا في بني قريظة بعد انتهاء وقتها بزمن، فأقرهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جميعاً، وأحياناً ينبه على الخطأ مع عدم نقضه للاجتهاد الأول، ومنه قوله لأبي بكرة عندما ركع قبل أن يصل إلى الصف: (زادك الله حرصاً ولا تعد) ([27]). فلم يأمره بإعادة صلاته. والخلاف بين العلماء في مسائل الرأي يعتبر رحمة بالأمة ولا يمكن اعتبار تباين الأنظار سبباً لشقاقهم، فلا يعنف المخالف فيها، حتى أن الإمام محمد بن محبوب رحمه الله عندما ذكر المختلفين الذي يميل بعضهم إلى الحرمة والآخرون إلى التحليل قال: (وهم يتولون بعضهم بعضاً ولا يخطئ بعضهم بعضاً) ([28])، وذكر المحقق الخليلي رحمه الله ما يمكن ان يكون تعليلاً لذلك عندما قال: (ولكن أصل الاجتهاد الفقهي في أصله أمر ظني لا مدخل له في البراهين القطعية)([29]) ولم يقتصر على ذلك فحسب، بل قال في الأمور الخبرية الظنية التي لابد ان يكون احد الطرفين مصيباً والآخر مخطئاً: (وإنّما اختلاف الفقهاء فيها رأياً بواسطة الاجتهاد والنظر والاستدلال، وأن على كل ناظر أو قائل فيها أن لا يخطئ من قال بخلافه كما هو شأن الفروع والاجتهاد)([30]). وتضمنت مناقشات الأصوليين بعض المسائل التي تعتبر من أقوى الدعائم المشجعة عليه وإليك أهمها: 1ـ قولهم بحرمة التقليد من القادر على الاجتهاد، وقد دعموا قولهم بالنصوص الشرعية المؤكدة لمذهبهم وهذا قول الإباضية وعليه جمهور أهل العلم([31]) بل حكى بعضهم الإجماع عليه([32])، والقطب لم يكتف بذلك؛ بل جعل على غير القادر أن ينعطف إلى الترجيح إن قوي عليه فهو يقول: (ولكن من له قوة على الاجتهاد فلا يأخذ بقول غيره… ومن ليس مجتهداً ووجد خلافاً فإن قوي على الترجيح فليرجح)([33])، مع أنه شدد في قياس غير المجتهد. 2ـ قول بعضهم بعدم جواز خلو الزمان من مجتهد إذ الأمة متعبدة بتهيئة الوسائل الموصلة لبلوغ بعض أفرادها لتلك المنزلة، وايجاب هؤلاء ذلك في زمان لا