2ـ العقلانيون: وهؤلاء وقعوا فيما وقع فيه المصلحيون من تصور الثنائية المتعارضة بين العقل والنقل مع أن القطعي النقلي لا يخالف مقتضيات العقول، وكذلك قطعي العقول لا يباين النصوص القطعية ابداً، وأما أن تحاكم النصوص القطعية بعقول أقوام قد عصفت بها أعاصير الأهواء؛ فذلك يناقض العقول مع مناقضته للنقول. 3ـ المتساهلون: وهم قوم خيل إليهم بلوغهم لأسمى المنازل وارقاها فخاضوا في أعمق المسائل، وربما خالفوا القواطع من الأدلة وأولوا ما شاؤوا منها واستحلوا الفروج وسفكوا الدماء بغير مبرر شرعي، مع أن الاجتهاد هو استفراغ الوسع؛ وهؤلاء لم يستفرغوه، بل لم يمعنوا النظر اصلاً. 4ـ المبهورون بالغرب: وهم الذين سال لعابهم لبريق الحضارة الغربية الزائف، فظنوها الفردوس المنشود مصداقاً لقول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع…)([21]). وللهزيمة النفسية أثرها في توجيه هؤلاء مع أن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، بل عليه أن يكون قابضاً على زمام القافلة يجنبها المهالك وأن يكون ربان السفينة يقودها إلى بر الأمان. 5ـ المنهزمون: وهم الذين يتصورون أن غاية الاجتهاد تبرير الواقع وتبريد حرارة قلب المتألم لتفريطه بتسويغ عمله، ومحاولة التلون بكل لون من ألوان الظروف والأحوال، مع أن غايته تكمن في صبغ العالم بصبغة الله بتبيين معالم دينه واظهار أنواره ليستنير بها السالكون. 6ـ الظاهريون: وهم الذين اقتصر نظرهم على القشور دون اللب وعلى الظاهر دون غيره، ولم يصرفوه حتى مع وجود القرائن المانعة من الحمل عليه، وعلى رأس هؤلاء من السابقين داود وابن حزم، وسلك طريقهم بعض المعاصرين، وكثير من أقوالهم تخالف ما تضمنته العمومات.