(93) آخرين، حكّاماً أم رواة وفقهاء، بعد أن عجزوا عن مجاراة الخصم. وقد جمع بعض المؤلّفين هذه المناظرات في كتب خاصّة نقلوها من مصادرها الأصلية(1). والمهم في هذه المناظرات، وبكلمة أدّق ما يفيدنا في هذا البحث، هو أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لم يُفحموا أو يُحرجوا أو يتردّدوا في أي من هذه المناظرات، برغم أنّ بعضهم (كالإمام محمّد الجواد) أُقحم في مناظرة علمية رفيعة المستوى وهو دون التاسعة من عمره ـ كما سيأتي ـ فضلا عن المستوى العلمي الفريد الذي كانت تكشفه هذه المناظرات، ممّا يجعلها دليلا آخر من الواقع العملي على مرجعية أهل البيت التي لا ينافسهم عليها أحد. وأوّل من دخل في هذه المناظرات هو الإمام عليّ (عليه السلام)، وكان جزؤها العلم غالباً مع أصحاب الديانات الأُخرى، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم(2)، فضلا عن حواره مع الغلاة، بهدف استتابتهم، ومع الّذين خرجوا على إجماع الأُمّة حول خلافته، بل كان يحثّ الأُمّة على أن يسألوه عن كلّ شيء في العقائد والأحكام والعلوم النظرية والطبيعية ولطالما ناداهم: «سلوني قبل أن تفقدوني»(3). وعلى سيرة عليّ (عليه السلام) سار ولداه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فمن مناظرات الإمام الحسن الشهيرة مناظرته مع الرجل الشامي الذي أرسله معاوية بن أبي سفيان، ومعه أسئلة عميقة في مضامينها كتبها له القساوسة الروم، ويريد أن يسأل بها الإمام عليّ (عليه السلام) ليحرجه، فأحاله الإمام عليّ على ولده الحسن (عليه السلام)، فأجاب الأخير عن كلّ الأسئلة الدينية والعلمية والفلسفية التي كان يحملها الرجل ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ ومنها كتاب الاحتجاج للطبرسي. 2 ـ مثالا على ذلك، انظر: عرائس التيجان للثعلبي، ص 566. 3 ـ انظر: كتاب يحمل العنوان نفسه للشيخ محمّد رضا الحكيمي.