(92) السنتان اللتان حضر فيهما دروس الإمام الصادق (عليه السلام)، وتتلمذ عليه ـ تشير إلى عمق التأثير العلمي لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في الواقع الإسلامي. ومثلها مقولة مالك بن أنس: «ما رأت عين ولا سمعت أُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) علماً وعبادةً وورعاً»(1). ويوضّح الشيخ أبو زهرة هذا الواقع بقوله: كان أبو حنيفة يروي عن الإمام الصادق ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان مالك يختلف إليه دارساً راوياً، ولا يزيده فضل الاستاذية على أبي حنيفة ومالك فضلا، فالصادق لا يمكن أن يؤخَّر عن نقص ولا يقدَّم عليه غيره عن فضل، وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين (عليه السلام)، الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلا وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري وكثير من التابعين، كما أنّ الصادق هو ابن محمّد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه(2). أُسلوب المناظرة يكشف عن علم أهل البيت (عليهم السلام) : كانت حياة أهل البيت مليئة بالحوار العلمي، فهم رجال الحوار الّذين تمثّلوا آدابه وأساليبه الصحيحة بالشكل والمضمون اللذين أوضحهما القرآن الكريم، فكانت مجالسهم أو المجالس التي يحضرونها ساحة للمناظرات ومواقف للاحتجاج. وتختلف هذه المناظرات في دوافعها باختلاف الأحداث التي أدّت إليها، فهناك مناظرات كان بعض الحكّام يهدفون إلى إحراج أهل البيت فيها، وأُخرى كانت تجري في جوّ علمي صرف هدفه إظهار الحقيقة، وثالثة كانت بطلب من ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ تهذيب التهذيب، ج 2 ص 104. 2 ـالشيخ محمّد أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق، ص 3.