(48) ذرياتهم أئمة وهداة يقومون بهذا الواجب الإلهي تكريماً لهم ونعمة منه تعالى عليهم، وكان هذا التكريم في الوقت نفسه رغبة وأمنية من أمنيات الأنبياء أنفسهم، تعبر عن حالة فطرية في الإنسان الكامل هي الإتجاه والرغبة إلى البقاء والإستمرار من خلال ذريته الصالحة، وقد أكد هذه الحقيقة الفطرية القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في عدة مواضع(1). إذن، فهذه القضية هي قضية ترتبط بكلا الجانبين، الجانب الإلهي الخالق المنعم الكريم الجواد المتفضل على أنبيائه، المجيب لدعائهم وندائهم، وبالجانب الإنساني العبودي، المتمثل بهؤلاء الأنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية ـ أيضاً ـ فأنه من جملة إخلاصهم وإحساسهم بالعلاقة الأكيدة مع الله تعالى، إنهم كانوا يتمنون على الله ويرجون منه ويدعونه في أن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة، يضمن لهم البقاء والإستمرار في عبوديتهم لله تعالى ودورهم ومهمتهم في الحياة الإنسانية. فهذا إبراهيم (عليه السلام) وهو شيخ الأنبياء، عندما خاطبه الله تعالى وابتلاه بكلمات من عنده، فجعله إماماً للناس ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـت فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... )، كان أول شيء يطرحه على الله تعالى ويرجوه منه، أو يسأل عنه، عندما يحملّه الله تعالى هذه المسؤولية، هو أن تكون هذه الإمامة في ذريته ـ أيضاً ـ ( ... قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّـلِمِينَ )(2). وكذلك الحال في إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) وهما يقيمان دعائم البيت ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَ هِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنْتَ ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ هذا بحث قرآني واجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الإنسان بذريته، وشعوره بالبقاء والخلود من خلالها. 2 ـ البقرة : 124.