(36) المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الإنسان ويبتكرها، فيجعلها مثالاً له يقتدي ويهتدي به، فيتحول إلى إله يعبده من دون الله، كما قال تعالى : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَـن ... )(1)، فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الأنبياء(2). وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه، لا يستوعب زمان الإختلاف، لأن الله تعالى جعل قضية الإختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الأدوار، فقضية الأختلاف، قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية، أو بلوغها سن الرشد الاجتماعي، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضاً ـ في قوله تعالى : ( وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَ حِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ... )(3). إذن، فالمعركة ضد الإختلاف تحتاج إلى من يقودها، وزمنها أطول من زمن النبي، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة ، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للإنسان. وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الإمام ـ أيضاً ـ كما في ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ النجم : 23. 2 ـ التفسير الموضوعي : 195 ـ 196. 3 ـ هود : 118 ـ 119، ولعل في الاستثناء إشارة إلى سن الرشد هذا.