(246) وبعد رحيله إلى الرفيق الاعلى خلف ابنّه علياً الهادي، ومن أجل الحيلولة دون الوصول إلى مقامات أبيه أمر المعتصم عمر بن الفرج أن يختار له معلماً يبغض أهل البيت (عليه السلام) فاختار محمد بن جعفر الجنيدي، وعهد إليه أن يمنع أنصار أبيه من الاتصال به، وبعد فترة من الزمن سأل عمر الجنيدي عن حاله فقال: (انّه ملي أبواباً استفيده منه، فيظنّ الناس انّي اعلّمه، وأنا والله اتعلم منه). والتقى به ثانية وسأله: (ما حال هذا الصبي) فأنكر عليه الجنيدي، وقال: دع عنك هذا القول، والله تعالى لهو خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى... وانّه حافظ القرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله(1). وكدليل على مرجعيته العلمية انّ أهل المدينة قد ضجّوا ضجيجاً عظيماً حينما سمعوا بأنّ المتوكل أراد نقله إلى بغداد ثم سامراء، ولم يسكنوا إلاّ بعد ان حلف لهم المأمور به انه لا بأس عليه ولن يصاب بمكروه، ولما دخل على المتوكل قال له: فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم(2). وكان العلويون يعظمونه ومنهم عم أبيه زيد بن الامام موسى الكاظم، وكان شيخاً كبيراً يجلس بين يديه تكريماً له، وفي أحد الايام تصدر زيد المجلس، فلما أقبل الامام وثب عن مكانه وأجلسه فيه وجلس بين يديه متأدباً مع صغر سن الامام وكبر زيد(3). وحينما يختلف الفقهاء في مسألة شرعية أو قضية قضائية كان المتوكل يبعث على الامام ليرى رأيه فيتبناه(4). ــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ حياة الامام علي الهادي: 25، 26 ـ باقر شريف القرشي عن: مآثر الكبراء 3: 95. 2 ـ تذكرة الخواص: 322. 3 ـ حياة الامام علي الهادي: 27. 4 ـ مناقب آل أبي طالب 4: 437، تاريخ بغداد 12: 56.