حقوق الإنسان في الإسلام خليل گوننج أستاذ معهد خاصكي للمفتين والمدرسين ـ استانبول الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد و على آله وصحابته أجمعين. وبعد: فإنّ أشرف ما في الكون و اسمى ما في الوجود هو هذا الإنسان الذى جهزه الله تعالى بأجهزة حساسة ومواهب عالية لا تكون لغيره واعطاه العقل والاستعداد لأن يعمر هذه الأرض و يبرز ما فيها من الخبايا الإلهية التي تؤمن حاجات البشر على مدى العصور والأزمان ولذلك كان هو الأحرى لأن يكون خليفة الله في هذه الأرض مهد البشرية وأنه أهل لما أوكل اليه من الوظائف الهامة التي حملها على عاتقه بفطرته كما يشير الى ذلك قول الله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون). هذا الإنسان هو ثمرة شجرة الكون التي تقوم بخدمته وتمده بما تحويه من شموس واقمار ونجوم وليل ونهار وبحار وجبال واشجار وحيوان. اعتنى به المولى سبحانه وتعالى وسخّر له كل شيء من حوله وجعله لب الموجودات وادمجها في حناياه. وما أحسن قول القائل: وتزعم إنك جرم صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر وقد جاءت القوانين الالهية من السماء لكي تربيه وتطوف به في آفاق الكمال وتحافظ على ماله من الحقوق الفطرية وبذلك يتمكن من اداء مهمته. وقد قسّم الفقهاء الحقوق الى ثلاثة اقسام: الاول حق الله تعالى: وهو ما تكمن فيه المصلحة العامة للإنسان وغيره وليس لله تعالى فيه فائدة لأن الله تعالى ليس بمحتاج الى ما يسمى باسم حق الله فهو الصمد الذي يحتاج اليه الناس ولا يحتاج هو الى احد والفائدة التي ترتّب على هذا الحق تعود الى الناس انفسهم فمثلا الصوم والصلاة والحج هي من حقوق الله تعالى، ولا يحتاج اليها خالق الكون، لا يحتاج الى الصلاة التي هي عبارة عن القراءة والقيام والركوع والسجود والأذكار والأدعية التي يقدمها المصلي بين يدي مولاه جل وعلا واي فائدة تعود اليه منها ولا الى أن يترك العبد الصائم طعامه وشرابه و الاعمال الجنسية ولا الى أن يذهب الحاج فيطوف الكعبة ويقف بعرفة ومزدلفة ومنى ويسعى بين الصفا والمروة، بل إنما المقصود هو تربية المصلي والصائم والحاج وتهذيب روحه وعقله وتقوية الاواصر بين العباد وبين خالقهم وبينهم في انفسهم وبذلك يسمو الإنسان ويصير اهلا للخلافة التي اوكلت اليه ويكون كاملا بكل معاني الكلمة. الثاني حق العبد: وهو ما تكمن فيه المصلحة الخاصة له وذلك كمال العبد ونفسه. مثلا اذا جنى احمد على غيره فأتلف ماله الذي حصل عليه بعرق جبينه وكده أو غصبه فإنه يكون قد آذاه وسبب له القلق و أثار أعصابه فلذلك أمر الإسلام أن يؤدي هذا الجاني حقه ـ المجنى عليه ـ ويضمن ماله ويجبر قلبه ويهدّأ اعصابه كما أمر بأن ينفذ عليه جزائه اللائق به. الثالث الحق المشترك: بين الله تعالى وبين العبد أي أنه حق جمع بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة وذلك كالقصاص فإنه من جهة هو حق الله تعالى حيث إنه جزاء رادع لمن تسول له نفسه بأن يسفك دم غيره رادع له بعد ما علم أن حكم القصاص سيجرى عليه إذا اقدم على القتل المحرم. إنه حق الله تعالى لأن الجاني هدم بناء وأي بناء هدم البناء الذي بنته يد القدرة الالهية، هدم عضوا في المجتمع البشري يمثل البشرية كلها كما اشار الى ذلك قوله تعالى: (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) هدم بناء أعظم من بناء الكعبة قبلة المسلمين. عن ابن عمر (رض) قال رأيت رسول الله(ص) يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وما أطيب ريحك وما اعظمك وما اعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله اعظم من حرمتك ماله ودمه (ابن ماجة). كما انه اي القصاص حق العبد ايضا حيث ان القاتل اراق دم المقتول فترك اولاده يتامى لا راعي لهم وحرمهم من حنان الأب. وترك زوجته ارملة تذوق مرارة الوحدة والحرمان من مرافقة زوجها ورفيقها في هذا الطريق الوعر الذي تشقه في رحلة الحياة الدنيوية فهل من العدالة أن يترك هذا الجاني ولا يقتص منه ويستمر في حياته هذه يعيث في الارض فساداً. إنّ للإنسان حقوقاً كثيرة يطول الكلام بذكرها مفصلة فلذلك أريد أن اقف بعض الشيء على الحقوق الأساسية للإنسان في الإسلام وهي (حق الحياة) و(حق الحرية) و(حق العدالة) و(حق المساواة) و(حق الكرامة) و(حق التملّك). * الحق الأول حقّ الحياة إنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لكي يعيش ويقوم بأداء وظائفه التي اسندت اليه عن طريق الخلقة قال تعالى: (إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً). فالأقدام على إنهاء حياة الإنسان وتقويض بنائه الذي بنته يد القدرة الالهية جريمة وأية جريمة يستحق فاعلها عذاب الله المخلّد. قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزائه جهنّم خالداً فيها). وقد بيّن الفقهاء رحمهم الله تعالى أن الامور الضرورية والحقوق الإنسانية التي يحتاج اليها الإنسان أشد الإحتياج خمسة (الدين) و(النفس) و(العقل) و(العرض) و(المال) وهي حق كل إنسان بالدرجة الاولى. وقد شرّع الإسلام لكل واحد من هذه الخمسة أحكاما تكفل بإيجاده وتكوينه وحفظه. فالدين هو عبارة عن منظومة العقائد والعبادات والقوانين التي شرّعها المولى لعباده لتنظيم علاقات الناس بربهم وعلاقات بعضهم بالبعض. شرّع لإقامته إيجاب الإيمان بالله وبما جاء من عنده والعبادات التي تتمثل في الصوم والصلاة والحج والزكاة وأوجب الدعوة اليه لكي يستمر وشرّع لإيجاد النفس وبقاء النوع الإنساني النكاح والتناسل وأوجب القصاص والدية على من يعتدي عليها وشرّع لحفظ العقل تحريم الخمر وكل مسكر ومخدر وأوجب العقوبة على متعاطيه وشرّع تحريم الزنا ومقدماته لحفظ العرض كما شرّع عقوبة الحد والقذف على من يتعاطى ذلك أو يدنس عرض غيره. وشرّع لتحصيل المال إيجاب السعي والعمل والمعاملات التجارية كما شرّع لحفظه وحمايته تحريم السرقة والغصب والغش والخيانة وأوجب العقوبة على من يقوم بذلك. الحق الثاني: من الحقوق الأساسية للانسان في الإسلام الحرية حرية الوطن والعقيدة وحرية التنقل وحرية العمل والسلوك نعم الحرية هي حق الإنسان إلا أنه لا يراد بها الحرية المطلقة بل انّها مقيدة بعدم مسّ حقوق الغير وعدم الخروج عن نطاق الأخلاق الفاضلة. من حق كل إنسان أن يكون حراً في بلده وأن يكون تحت إمرة من هو على دينه وعقيدته ويقوم بخدمته بكل صدق واخلاص فالبلد الذي يكون تحت وطأة الاعداء يديرون دفة الأمور كما يشاؤون على حب أهوائهم واعرافهم وعلى حسب عقيدتهم لايمكن أن يكون مواطن هذا البلد حراً سعيداً مطمئن القلب. وكلّنا يعلم ما لاقاه المسلمون في الجزائر من الأضطهاد والقمع والإرهاب وبعد ما هبّت نخوة الايمان في قلوبهم حملوا السلاح رجالاً ونساء في وجه العدو الغادر واصطدموا معه وضحوا بما يناهز مليوناً ونصف مليون من الشهداء في سبيل انقاذ دينهم ووطنهم وفي سبيل الحرية وطردوا العدو من بلادهم وأوطانهم وحصلوا على الإستقلال. إلاّ انّ العدو مازال يحاربهم من وراء ستار بواسطة أبنائه الذين ربّاهم في جامعاته ويشعل نار الفتنة فيما بينهم. ولم تنس البشرية والتاريخ ما قامت به المسيحية المحرّفة من فرض العقوبات والتعذيب والقتل لمن لم يدخل في دين الملك قسطنطين وما فعل الإسبان بالمسلمين في الأندلس الذين أدّوا خدمات كبيرة للبشرية عامة ولأوروبا المتخلّفة خاصة في مضمار العلوم والمعرفة والفن حيث كانت الأندلس مهد العلوم والحضارة يفد اليها طلاب العلوم من كل صوب ولكن الإسبان نسوا ذلك بعدما استولوا عليهم فعذّبوهم أشد انواع التعذيب وقتلوهم وسبوا نسائهم وأولادهم ونصّروهم قسرا ومن غير طواعية. ومثل هذه الطريقة الشاذة والمعاملة اللإنسانية لا تأتي الاّ بالنفاق وليس الدخول في أي دين كرهاً في أي شيء من الإيمان لأن الايمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان فإذا لم يصدق المرء بقلبه فإنه لا يكون مؤمناً بدينه قال تعالى: (لا إكراه في الدين) وقال ايضاً: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وكلّنا يعلم أنّ اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم عاشوا على مر العصور جنباً الى جنب مع المسلمين في جميع الأقطار التي كان يحكمها المسلمون وذلك مثل مصر وسوريا والعراق وإيران وتركيا والأفغان والهند الى غير ذلك ولو شاء المسلمون لأبادوهم جميعاً ولكن الإسلام يحول دون ذلك. يقول الرسول «ص»: (من آذى ذمياً فقد آذاني). كما انّ من حق الإنسان أن يكون حراً في تنقله وفي عمله، يتوطن ويعمل أينما يشاء ويسعى لأجل عيشه وتحصيل ما يحتاج اليه هو وأسرته في أي بلد أو قطر أراد حيث انّ الارض أرض الله والبشر عباد الله وعياله فمن حقهم أن يستفيدوا من هذه الأرض التي خلقت لأجلهم كما يستفيد من الشمس والقمر. قال تعالى: (يا أيها الّذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكن إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله). وقد أدرك هذه الحقيقة السيد طورغوت أوزال الرئيس السابق لجمهورية تركيا رحمه الله حيث كان يكرر قولة هدفيمز: اينانچ حريتى تشنبث حريتى دوشونجه حريتيدر. ومعنى هذا يجب أن يكون المواطن حراً في عقيدته وفي عمله وفي تفكيره ويجب أن نزيل العقبات التي تحول دون الوصول الى ذلك. الحق الثالث: من الحقوق الأساسية للإنسان في الإسلام العدالة ومعناها الإنصاف وعدم تجاوز الحدود التي حدّها الله تعالى بحيث لا يميل المرء عن منهج الحق يمينا أو شمالاً ولا تعلو كفّة الميزان او تنخفض لداع الهوى والحب والبغض الذي يكنّه المرء تجاه غيره ولا تؤثر في ذلك القرابة أو الصداقة فصداقة الحق أقدم من صداقة كل أحد قال تعالى: (يا آيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون) وقال ايضا: (قولوا الحق ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فيجب على الحكام وأولياء الأمور أن يعاملوا الناس بالحق والانصاف ولا يظلموا احداً ولا يجعلوا المناصب والمراتب التي حازوها سلّماً للوصول إلى مقاصدهم ومآربهم الشخصية والإنتقام من غيرهم. والعدل بمعناه الإسلامي والشامل هو تحقيق التوازن في كل مضمار في مضمار الحكم بين الناس وفي العطاء والمنع وفي القضايا الاجتماعية والاقتصادية. ومن احسن الامثلة التي تدل على عدالة الإسلام قصة القبطي التى جرت في مصر وهي أن ابن الوالي عمرو بن العاص لطم احد الاقباط من غير ذنب اقترفه مفتخرا بذلك وقائلاً(خذها من ابن الأكرمين) فذهب هذا المظلوم الى المدينة المنورة عاصمة الخلافة آنذاك يشتكي ظلم ابن الوالي وعدم إنصاف أبيه في ذلك فأمر الخليفة بأن يحضر الوالي من مصر الى المدينة لكي يجري التحيق معه ولما حضر كلّمه في ذلك وتبين له أن القبطي محق في دعواه غضب الخليفة على الوالي اشد الغضب وقال من جملة ما قال: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا). ويقول الإمام علي (رضي) وكرم الله وجهه: إن الله فرض في أموال الاغنياء أقوات الفقراء. فما جاع فقير إلا بما منع به غني وأنتم عباد الله والمال مال الله يقسّم بينكم بالسوية لا فضل لاحد على أحد. ويقول الإمام علي (رضي): والذي نفسي بيده ما من احد احق به من احد وما انا فيه الا كاحدهم هو مالهم يأخذونه ليس هو لعمر ولا للآل عمر. الحق الرابع: من حقوق الإنسانية للإنسان في الإسلام المساواة أمام القانون والحكم والواجبات على اختلاف الاجناس والالوان، حيث ان الناس كلهم عباد الله وكلهم منحدرون من اصل واحد من ام واحدة واب واحد أبوهم آدم وأمهم حواء لا فضل لاحد على أحد إلا بالايمان والتقوى قال تعالى: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). وقال ايضا: (ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل). والنقطة الهامة التي تُجلب الانظار اليها في هذه الآية هو انّه تعالى يقول واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ولم يقل بين المسلمين. ويقول الرسول (ص) الناس سواسية كأسنان المشط. الحق الخامس: من الحقوق الاساسية للانسان في الإسلام الكرامة. فالإنسان مع قطع النظر عن عرقه ولونه ودينه مكرّم عند الله تعالى لأنه هو العمدة الاساسية في هذا الكون قال تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات). فمن يخدش كرامة الإنسان ويهينه فانه يكون قد اعتدى على من أكرمه الله وأعزه وتعدى الحدود التي حدها. ولا فرق في ذلك بين ان يكون المرء مسلما أو غير مسلم بعدما كان إنساناً. عن جابر عبد الله قال: مرّت بنا جنازة فقام لها النبي (ص) وقمنابه فقلنا يا رسول الله: انها جنازة يهودي قال: اذا رأيتم الجنازة فقوموا وفي رواية فقيل انها جنازة يهودي فقال أليست نفسا.(البخاري). الحق السادس: من حقوق الإنسان الاساسية في الإسلام حق التملك إن الله تعالى خلق الإنسان وزرع في قلبه حب المال والولد فهو يسعى دوماً لكي يحرث أرضه ويقوم بعمارتها ويبني قصره ويقدم له ما يلزمه من الاثاث والادوات المنزلية ويتجر ويسعى في سبيل سعادة اولاده واسرته وبذلك تكون عمارة هذه الدنيا التي هي مأوى الإنسان ومستقره وفي ذلك يقول بعض الصالحين: حياة الأرض بالناس وحياة الناس بالروح وحياة الروح بالعقل وحياة العقل بالعلم وحياة العلم بالعمل وحياة العمل بالاخلاص. ويقول احمد شوقي: أيها العمال افنوا العمر كداً واكتساباً واعمروا الأرض فلولا سعيكم أمست يباباً. فحياة الأرض لا تكون إلا بأن يعمل المرء في ماله وما يخصه لان المال هو الذي يحث صاحبه على ان يعمل ويكد بصدق واخلاص فحق التملك هو حق اساسي من حقوق الإنسان تقتضيه الفطرة البشرية واي نظام لا يعترف بهذا الحق الطبيعي فلابد وأن ينهار إن عاجلاً او آجلاً وقد شاهدنا منذ أمد غير بعيد كيف انهار الاتحاد السوفياتي وانهار معه من كان في فلكه وذلك بسبب عدم اعترافه بالملكية واغتصاب حق مواطنيه وجعلهم عبيدا للدولة وبعبارة اخرى ان النظام الشيوعي يذيب الافراد في بوتقة الدولة ويجعلهم عبيداً لها ويكون ذلك سببا للفوضى والفساد أما الإسلام فهو يقدر الفرد كما يقدر الدولة ويعطي كل ذي حق حقه وقد جعل الإسلام للمال قدسية وأحاطه بسياج يحميه من الأيدي الآثمة يقول تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). ويقول الرسول: من أخذ من أخيه قيد شبر من أرض طوّقه الله سبع ارضين يوم القيامة. هذا ولم يكتف الإسلام برعاية حقوق الإنسان فقط بل ذهب الى اكثر من ذلك فأمر برعاية حقوق الحيوان والاشجار والنباتات التي لها نوع من الحياة ايضا حيث امر بتقديم ما يلزم للحيوان من العلف والماء وايوائه في اماكن تقيه من الحر والبرد. والذي يؤذيه او يتركه فريسة للجوع والعطش فهو مسؤول عنه عند ربه والذي يرحمه باطعامه وسقيه فيرحمه برحمة من عنده يقول الرسول (ص): إن امرأة دخلت النار في هرة ربطتها ولم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الارض ويقول ايضاً: اذا قتلتم فاحسنوا القتلة واذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة. ويقول ايضا: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج واذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل فملأ خفه ماء ثم امسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله تعالى له فعفى قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم لأجرا قال: في كل كبد رطبة اجر. ويقول الرسول (ص): من قطع سدرة اكبه الله على وجهه في النهار. هذه هي الحقوق الاساسية للانسان في الإسلام ولا فرق في ذلك بين الأبيض والأسود والعرب والعجم والرجل والمرأة فالنساء شقائق الرجال فلها مالهم وعليها ما عليهم فلها حق الحياة وحق الحرية وحق التربية والتعليم وحق التملك والتصرف في مالها وما يخصها وحق الميراث والعمل قال تعالى:(إني لا أُ ضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أُ نثى بعضكم من بعض). والإسلام حينما يتحدث عن حقوق الإنسان وكرامته يتحدث بكل صدق واخلاص وليس له من وراء ذلك إلاّ احقاق الحق ونشر العدالة والمساواة بين جميع افراد البشر. حتى يعيشوا في ظل الامن والسعادة ويسود السلام فيما بينهم لا يظلم أحد أحداً ولا يتعدى على حقوقه يعيش كل في وطنه و بلده وبين قومه واسرته بكل حرية وطمأنينة وأما نظام الغرب فهو يتحدث ايضا عن حقوق الإنسان وكرامته ولكنه بعيد كل البعد عن الصدق والاخلاص بعيد عن العدالة والمساواة والاخلاق الفاضلة لا يقصد من وراء ذلك إلاّ الوصول الى مآربه ومنافعه وتمكين سيطرته على رقاب المجتمع المتخلف كلّ همه أن يعمل عن طريق الغزو الثقافي والفكري حتى يفتح المجال أمام شركاته ومصانعه ويمص دماء غيره يفعل ذلك تحت شعار حقوق الإنسان والرخاء الاقتصادي وحرية التجارة اي انّه يتخذ هذه الشعارات سلماً للوصول الى مقاصده يتحدث عن حقوق الإنسان وهدفه التفكيك بين عناصر الأمم والشعوب الضعيفة وتحريش بعضهم على البعض والسيطرة عليها عن طريق (فرق تسد) ومص دمائها وسلب خيرات بلادها. وما زال ما فعله الاستعمار الروسي والفرنسي والايطالي والانجليزي ماثلا امام اعيننا لقد عرفناه وعرفنا كيف سفك المستعمرون دماء المسلمين وقتلوهم وشردوهم فروسيا المستعمرة قتلت ما يزيد على عشرين مليون مسلم من تلك الاقطار المسلمة وفرضت سيطرتها عليهم وحرمتهم من جميع حقوقهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية وجعلت الإلحاد والكفر ديناً لهم وها هي ارض الشيشان في ايدي هؤلاء الطغاة تفتك بهم وتسفك دمائهم وتحرق بلادهم الاخضر واليابس على مرأى من الدنيا ومسمع وما بقي منهم يتضوعون جوعاً ويذوقون البرد القارص في البراري والقفار. يفترشون الارض ويلتحفون السماء يستغيثون بالمسلمين ولكن ليس من احد يسمع صوتهم ولا يتألم لحالهم. كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى واسرى فما يهتز إنسان لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** ان كان في القلب إسلام وإيمان وفرنسا التي تدعي بأنها أم الحرية والديمقراطية قتلت من الجزائر المسلمة ما ينوف على مليون ونصف مليون منهم. ومازالت تشعل نار الفتنة بينهم. وها هي فلسطين منذ اثنين وخمسين سنة فريسة في أيدي اسرائيل التي صنعها الإستعمار تفتك بهم وتقتلهم وتشرّدهم وتستولي على اراضيهم التي ورثوها عن آبائهم واجدادهم قرنا بعد قرن هذه هي حقوق الإنسان التي يتحدث عنها الغرب. بحثنا عن الإسلام وكيف انّه يكرم الإنسان ويعتبره ثمرة هذا الكون ولبّه وانّه يراعي حقوقه ويجعله في المستوى اللائق به. كما بحثنا على سبيل العجالة عن نظام الغرب والطريقة التي يسلكها تجاه العالم الثالث من استغلاله ومص دمائه وغزوه اياه بثقافته واستيلائه على عقوله واذابته في بوتقته وسفك دمائه. ولكن كيف حال المسلمين وهل تراعي الدول التي تسمى بالدول الإسلامية والتي يبلغ عددها اكثر من خمسين دولة حقوق الإنسان وحقوق مواطنيها؟ كلنا يعرف بأن الجواب هو «لا» فإن اكثر هذه الدول لا تولي اهمية لمواطنيها بل تحرمهم من كثير من حقوقهم يعيشون وكأنهم ليسوا بمواطنين فالنظم المتبعة لديهم ليست بنظم إسلامية تعطي كل ذي حقه ولا بنظم ديمقراطية تراعي بعض الحقوق لمن يعيشون تحت مظلتها. بل انما هي نظم هوائية مستبدة تحكم الناس بالحديد والنار. فيمكن للشرطي في كثير من هذه البلاد ان يخرج الى الشارع أو إلى السوق ليقبض على من يريد القبض عليه من غير ذنب يقترفه ويذهب به ليزج به في غياهب السجون ويبقى شهوراً بل اعواماً يقاسي العذاب المهين في السجن بدعوى مخالفة النظام دعوى مجردة من غير حجة. وكثير من الناس الذين يعيشون في مثل هذه البلاد معرّضون للقمع والارهاب بدعوى الرجعية وبدعوى انهم يعملون لكي يعودوا بالناس الى العصور المظلمة ويأتوا بشريعة الغاب او شريعة الخيام. وهذه حقيقة لا يمكن انكارها حتى ان الأمم المتحدة أو منظمة اوروبا المتحدة تعاقب كثيراً من هذه الدول بالحصار الإقتصادي من جرّاء هذه المظالم التي تجري فيها. وانّه ليندو جبين الإنسانية حين تدّعي هذه المنظمات التي تمارس الظلم بان كثيراً من الدول الإسلامية ظالمة لا تراعي حقوق الإنسان. أي إنها ظالمة لا تتحمل هذا الظلم الذي يجري بين المسلمين فعلى المسلمين الذين يعترفون بان دين الإسلام هو دينهم وانّه دين الهي وخاتمة الاديان كلها. وانّه دين الرحمة والحق والعدالة عليهم أن يصححوا أوضاعهم وينصفوا الناس ويزنوا انفسهم وانظمتهم بالموازين الحقّة. فيميزوا الخبيث من الطيّب. وعليهم أن يعلموا ان الناس كلهم متساوون في الحقوق والواجبات وإنهم اخوة منشعبون من أصل واحد. وقد جاء الإسلام ليعطي كل ذي حقّ حقّه ويجعل الناس في مستواهم اللائق بهم. جاء الإسلام ليخرج الناس من عبادة العباد حتى يتنعموا في ظل الحرية والكرامة. هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته