وإنما أرسوا أسس العداء بين الشعوب. فلماذا يقول الرب لإبراهيم (ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لأن جميع الأرض التي أنت ترى لك أعطيها ولنسلك إلى الأبد) (تكوين 12/14) ولماذا يكرر الرب القول: (أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها)...(لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات). ولماذا غرب الرب شعب إبراهيم في أرض مصر وفرض عليهم بأن يكونوا عبيداً أذلاء للمصريين مدة أربع مئة سنة مادام وعدهم بأرض كنعان ملكاً أبدياً ولماذا لم يترك يهوه قومه في مابين النهرين ويدفق عليهم الخيرات؟؟!! فهل العدالة الإلهية تقتلع جذور شعب من أرضه بالفتك والإبادة لتهب الأرض لشعب آخر وهل هذه عدالة أم ظلماً؟! تقول التوراة أنهم كفروا في حين أن المعتقدات التي خلّفها الكنعانيون والمحفورة على جدران معابدهم فيها دلالة على سمو نظرتهم إلى اللّه والإنسان ونضجهم الروحي المبكر. فقد عرفوا (إيل) اللّه واسكنوه في السماء البعيدة فرفعوا القيم الأخلاقية من المادية إلى الروحية (فملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزاً وخمراً وإن كاهنا لله العلي وبارك ابرام قائلاً: (مبارك ابرام من الله العلي مالك السموات والأرض) (تكوين 14/8) . فلا يمكن ان يكون هناك دين سماوي يأمر بإبادة الجنس البشري والفتك بالشعوب المسالمة البريئة»([197]). وان كل ماورد في توراتهم من وعود بمنحهم فلسطين باعتبارهم الشعب المختار وما شابه من أساطير إن هي إلاّ من نسج الخيال ومن ترتيب كتب التوراة([198]).