ـ(98)ـ مباشرة، وبشكل مجمل، ليركز عليه ـ ولو من خلال مسيرة الأجيال، بحيث لا يشكل هو إلا خطوة من هذه المسيرة ـ ثم يرسم بعد ذلك أمامه الصورة التفصيلية والتشريعية، فيضمن بذلك اندفاعا للعمل من جهة، وأداءً أروع لـه بعد ان تركزت في نفس العامل كل أبعاد الصورة والإطار الذي يجب ان يتم فيه من جهة أخرى. ونلحظ لهذه الحقيقة الكثير من المصاديق، ومنها مسألة التوازن الذي يعمل الإسلام على تركيزه في النفس الإنسانية بشتى الأساليب، كما نرى. الثانية: التوازن العادل الحكيم: قبل كل شيء يجب ان نركز على ان المقصود بالتوازن ليس ما قد يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة من التساوي بين الجانبين أو ما إلى ذلك، وإنّما يقصد منه ملء الواقع بالشكل العادل بحيث يوضع الشيء في محله دون ان يلحق حيف بأجزاء الواقع، وبحيث يشكل هذا الملء، افضل حالة لصالح الكمال، وهو ما يمكن ان نطلق عليه اسم: (التوازن الحكيم) أو (التوازن العادل) فمثلا لو اننا لاحظنا جانب الغرائز الإنسانية فإننا نجد أنها تحتاج إلى إشباع معين، وهي قد تتطلب ما يزيد على إشباعها الصحيح فيؤثر هذا على إشباع الغرائز الأخرى. فإذا أعطيت أكثر مما يتطلبه واقعها وهدفها فقد اختل التوازن في إشباع الغرائز فالتوازن لا يعني ان تشبع كل غريزة بالمقدار الذي تشبع به الغرائز الأخرى. وعندما يتضح هذا المفهوم، نستطيع القول بأنه لا يحتاج في إجماله إلى استدلال فإن نظرية خلق الكون بحكمة وأحكام، وكون التشريع حكمة تشريعية تنسجم مع الحكمة الكونية، هي من أوضح النظريات القرآنية التي يتكرر التصريح والإشارة إليها في مختلف الآيات القرآنية.