ـ(232)ـ جمة والتي بدت وكأنها في عزلة وانفصال عن بعضها من خلال الحواجز الإقليمية والسياسية والمتباينة بل والمتناقضة والدولة ليست أمراً مستحدثا وإنّما المستجد هو شكلها وليست القضية تنوع أنماطها في هذه الجماعة البشرية أو تلك. ولأن قضية الدولة مرتبطة بتراث الأمة فأنه يتوجب قراءة معنى (خلودها) بتطور الشريعة والأنماط السلوكية والعقائدية التي كرستها عبر تطور الفكر السياسي الإسلامي وقدرته على بسط أنواع الدولة التي طرحها على الجماعة الإنسانية ـ الإسلامية والتفرد عن غيرها الذي لازمها في حركيتها وانفصالها مع هذه الجماعة. إن الفارق بين الدولة في الإسلام وخلودها عن غيرها من الدول ومفهوماتها يكمن في تصورنا بالفارق العقائدي أي السقف الفكري والقاعدة الأيديولوجية والفلسفية التي تحتضنها وتوظف أشكالها وممارساتها في الحياة الاجتماعية في الإسلام ففي حين أحدثت التحولات الديمغرافية في الغرب خبرتها وبشريتها في الأنماط السياسية للدولة منذ عقد جان جاك روسوا الاجتماعي وتغيرت طبائعها وقوانينها ونظرتها للدستور والحريات وهي تحولات مرتبطة بتوق الخبرة البشرية في رؤية الدولة خالية من الوصايا الكنسية بقيت «الدولة» في المفهوم الإسلامي «خالدة» لجوانب تتعلق بفلسفتها وماهية المعرفة التشريعية التي كانت على الدوام تعمق العلاقة بين معرفة التشريع والسلوك السياسي البشري الذي يلازمها، بين واقعية الفكر الإسلامي الذي يشيد دعائم السياسة وممارساته على أسس واقعية ومنطقية تدفع الإنسان إلى ريادة الممارسة إيمانا به في العقل التطبيقي وبين «بشرية» القيادة التي تلازم التشريع حسب ما يتطلبه موقف المصلحة من تطبيقه.