ـ(187)ـ عن الجماعة كلاماً نظرياً بحتاً. وما ظهور القومية كأساس في الحياة السياسية والدولية خلال القرنين الأخيرين إلاّ دليلاً على طغيان الأنانية وغلبتها على الجماعة بمستواها البشري الدولي العام. وقد حاولت الماركسية عبثاً الانتصار للجماعة ودحر الأنانية بمستواها الفردي والقومي، تحت شعار الأممية وعلى أساس إعطاء الأصالة للمجتمع بدلاً عن الفرد، لكنها كانت محاولة محكومة بالفشل لأن الفكر المادي عاجز بطبيعة الحال عن الانتصار للجماعة ولأنه ينسجم مع الاتجاه الفردي فقط. ومن هنا أفرز الفكر المادي بمستوييه الأكاديمي والفلسفي فكرة بديلة عن فكرة الجماعة ومعاكسة لها تماماً ألا وهي فكرة الصراع التي تلقى ترحيباً وتمجيداً متواصلاً في الفكر الغربي الحديث بكل مدارسه واتجاهاته. فالصراع بين الأضداد هو الفكرة الفلسفية التي أُسست الماركسية عليها وجرى تطبيقها والتنظير لها في مختلف مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والتي أسقطت الاتجاه الجماعي في الماركسية المعبر عنه سياسياً بالأممية واجتماعياً بأصالة المجتمع. والصراع بين الأنواع هو الفكرة التي جاء بها داروين ضمن نظريته عن تطور الكائنات الحية والتي أوجدت إطاراً نفسياً وثقافياً مساعداً لظهورها في الساحة الإنسانية فبدا المجتمع الإنساني وكأنه مجموعة أنواع متصارعة بحثا عن التطور وأخيراً جاءت النازية لتقول بأن التاريخ الإنساني هو تاريخ الصراع بين العنصر الجرماني والعناصر المنحطة. كما ظهرت موجة «الهيبز» لتعبر عن صورة جديدة من صور التحدي للجماعة والاستخفاف بها. إن الأسرة التي لا ربّ لها يضمحل لديها الشعور بالجماعة ويطغى لدى أفرادها الشعور الفردي الأناني، ويصبح الجو مهيئاً لظهور مشاعر الصراع بينهم، وهكذا فإن