ـ(182)ـ الاخوة الأولى ترسي قواعد جيدة لمجتمع عالمي متعاطف فيما بينه، ومع ان الإسلام قد أكّد هذه الاخوة وحفظ للإنسان حرمتها ودعا إلى صلة الرحم ورغب مكانة القرابة في المجتمع، إلاّ أنه مع ذلك وانطلاقاً من نظرة متوازنة دقيقة يرفض أن يجعل النسب والروابط النسبية محوراً في بناء المجتمع، ولذا اختار الاخوة الإيمانية محوراً في بناء المجتمع الإسلامي. ولكي تكتمل الصورة أكثر أضاف إلى الاخوّة الإيمانية الأبوة الإبراهيمية حيث قال الله تعالى: ?وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ?(1). فكما ان الاخوّة النسبية العامة ترجع إلى أب هو آدم عليه السلام كذلك الاخوة الإيمانية ترجع إلى أب هو إبراهيم عليه السلام الذي أطلق تسمية المسلمين على المجتمع الإيماني كما هو شأن الآباء الذين يضعون الأسماء لأبنائهم. وبعد ذلك تضاف الاخوة العامة إلى المجتمع الإسلامي لتكون قوة إضافية من شأنها دعم البنية العالمية في هذا المجتمع العقائدي من خلال رابطة النسب الآدمي التي جعلت في امتداد المحور الإيماني. لقد عنى الإسلام عناية خاصة بالنسب حتى جعل قطع صلة الأرحام من الكبائر، قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا?(2). لكنه لا يقبل بطغيان النسب بحيث يكون محوراً في بناء المجتمع، لأن محورية النسب تعني أن يكون المجتمع متعصباً قبلياً أو قومياً على غرار ما كان عليه المجتمع _____________________________________ 1 ـ سورة الحج: 78. 2 ـ سورة النساء: 1.