ـ(159)ـ فإن جوهر العبادة يتمثل بتحويل التوحيد من اعتقاد نظري إلى ممارسة روحية عميقة ذات تأثير جذري في سلوك الإنسان بنحو يكرّس في ذاته روحية الانتماء للمحور الكوني المطلق ويعمق حالة التبعية لـه ويصادر تمحور الإنسان حول ذاته، وحينما تقوم العبادة بهذا الدور فإنها تجفف منبعاً مهماً من منابع العصبية، ذلك ان العصبية تقوم على أساس شعور متضخم بالذات إلى حدّ تصبح معه النفس هي المحور الذي يدور الإنسان حوله، وهي الحالة التي يعتبرها القرآن حالة عبوديّة الإنسان لذاته، قال تعالى: ?أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ?(1). وحينما تقوم العبادات الإسلامية بتذويب هذه المحورية وتعبئة الإنسان في المحور الكوني المطلق فإنها تقوم بمعالجة أهم أسباب العصبية، وبزرع أهم بذور الروح العالمية الإيجابية المتفتحة لـدى الإنسان. ان التكبيرات المتكررة في الصلاة هي تذكيرات مؤكدة بالمحور الكوني المطلق وان سجود الإنسان لله سبحانه وتعالى يدلل على فناء محورية النفس واندحارها أمام الخالق العظيم. كما ان سجود الإنسان على التراب وأمثاله إشعار دقيق بالمنشأ الإنساني الواحد بوصف ان التراب هو المادة الخام التي خلق منها الإنسان، والمنشأ الواحد الذي يتآخى البشر عنده وهكذا تتصاغر النفس وتفقد محوريتها وتذعن بانحطاط منشأها المادي وتشعر بالمساواة التامة مع باقي أفراد العائلة الإنسانية وهذه المعطيات العالمية التي تقدمها الصلاة، يقدمها الحج أيضاً، ويقدمها الدعاء كذلك. بكيفيات وأنحاء أخرى. _____________________________________ 1 ـ سورة الفرقان: 43.