ـ(59)ـ الأول: إن دلالة الكتاب الكريم على الأحكام ظنية في الجملة. بمعنى أن بعض نصوصه تدل على الحكم دلالة قطعية، والبعض الآخر يدل عليها دلالة ظنية، فإذا كان لفظ النص لا يحتمل إلا معنى واحدا كانت دلالته على الحكم قطعية، ويبطل الاجتهاد فيه، وذلك كالآيات الواردة في المواريث والحدود، وان كان اللفظ يحتمل معنى آخر كانت دلالته على الحكم دلالة ظنية، وكان النص محلا للاجتهاد وذلك كلفظ (قروء) في قولـه تعالى: ?وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ?(سورة البقرة، آية 228). فإن هذا اللفظ يحتمل معنيين هما الحيض والطهر، فتكون دلالته على أحد المعنيين بخصوصه ظنية لا قطعية. الثاني: إن طريقة تشريعه للأحكام تتنوع إلى نوعين: النوع الأول: تشريع تفصيلي جزئي، وقد جاء هذا في تشريع أحكام العقائد والأخلاق، وبعض الأحكام العملية الثابتة كأحكام المواريث ونظام الأسرة، والسر في ذلك انها لا تتغير بتغيير الزمان أو المكان أو البينات، وان كثيرا من أحكام العقائد لا يستقل العقل بإدراكها وحده، ولذلك تولى الله سبحانه وتعالى بيانها بنفسه على سبيل التفصيل في الكتاب الكريم، ويلاحظ أن الأحكام العملية التي جاءت مفصلة في الكتاب الكريم قليلة بالنسبة لبقية الأحكام العملية وأحكام العقائد والأخلاق. والنوع الثاني: تشريع كلي إجمالي صيغ في مبادئ عامة وقواعد كلية يندرج تحتها كثير من الجزئيات، مثل قولـه تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ?(سورة المائدة، آية 1). وقال سبحانه وتعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ