ـ(54)ـ على هذه النظريات من جيل لجيل، ومن جماعة إلى جماعة أخرى، ومن فترة حضارية إلى فترة حضارية مختلفة. فالتشريعات التي تناسب أصحاب الإقطاع غير تلك التي تتناسب مع أصحاب رؤوس الأموال. والتي تتناسب مع ازدهار الصناعة وانتقال الثقل السياسي والاجتماعي إلى أصحابها تختلف عن سابقتها، وهي في الوقت نفسه تختلف عن تلك التي تناسب التطور الاجتماعي في البلاد الصناعية وحصول الطبقات العاملة على حقوق ضمنتها التشريعات التي وقفوا وراءها مؤيدين ومطالبين. وهكذا تختلف التشريعات لأن مصدرها الإنسان المحدود بحدود الزمان والمكان والوضع الاجتماعي. التشريعات الإلهية: أما التشريعات الإلهية فهي تصدر عن الخالق جل وعلا. وقد شاءت إرادته تعالى ان تتدرج هذه التشريعات مع التدرج البشري، وانتشار المجتمعات البشرية. وهي وان كانت واحدة في أصولها: وحدانية الله تبارك وتعالى، وقانون الأخلاق الكريمة التي يلتزم بها الناس جميعا، واليقين بمصير الإنسان إلى ربه، وبين ذلك شؤون الحياة وتنظيماتها، إلا انها كانت تراعي التطور الإنساني سعة وانتشارا ومعرفة. ولذلك كانت شريعة آدم كافية للوضع الاجتماعي الذي صاحب رحلة الإنسان الأولى على وجه البسيطة ثم جاءت شريعة نوح عليه السلام ناسخة التشريعات المؤقتة في شريعة آدم، موسعة نطاق الالتزام فيها متعددة الجوانب، وهكذا تدرجت التشريعات الإلهية حتى وصلت إلى مرحلة النمو الإنساني الكامل عند نزول الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، فخوطبت فيها الإنسانية