ـ(150)ـ أوارها وتضطرم نارها والله تعالى يقول: ?وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ?(1) ويقول جل ثناؤه: ?وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ?(2) وقد تنزل القارعة بطائفة من المسلمين فيفرح بها بنو جلدتهم في حين تبكي عدوهم، ويشمت بهم إخوانهم ويغيثهم أعداؤهم، وهذا من بلاء الزمان وذهاب الريح والرضا بالقليل، لم نعد أمة وسطا كما أرادها الله تعالى ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا?(3). وللحق هذا الأمر لم يكن وليد الساعة، ولا كله نتيجة المؤامرات الخارجية، فهذا الواقع الذي وصلنا إليه(4) ضارب في القدم، متشعب في المراجع، واصله ـ ولا ريب ـ الفتنة التي حدثت بين المسلمين في الصدر الأول بعد العهد النبوي والراشدي، وليس لنا ان نحاكم التاريخ فالأحكام التي ستصدر فيه لن تطبق عليه بل سيكتوي بنار شدّتها واقعنا المرير، وسيزداد الأمر سوءاً والرمضاء لهيباً والعطش سعاراً، وإنّما علينا ان نطوي تلك الصفحات المؤلمة ونقيل عثرتنا بالأخذ من علمهم وأقوالهم وآرائهم التي تخدم الدين في عقيدته وفكره وشريعته. لقد نزلنا من جراء هذه الفتنة من الحركة الفاعلة للإسلام بقرانه العظيم وسنته المطهرة إلى الجدل والنقاش الحاد والردود المتكررة التي لا تغني ولا تسمن من ­­­­_________________________ 1 ـ سورة البقرة: 191. 2 ـ سورة البقرة: 217. 3 ـ سورة البقرة: 143. 4 ـ هذا ما هو طاف على السطح، ولا يتنافى مع الدعوات الموجودة إلى الوحدة الإسلامية، فهي أصبحت من القلة بحيث لا تكاد ترى، وأنا آسف على هذا المدخل الذي قد يجعلني في عداد المتشائمين، فتصرفات المسلمين الحاضرة تزرع عدم التفاؤل في القلوب، ومع هذا فستجد في ثنايا البحث ما يعالج الموضوع، وستجد ما يدعو إلى التفاؤل أيضاً إن شاء الله.