ـ(557)ـ كله، ومع منح امتياز إنشاء خطة سكة الحديد أعطيت لألمانيا امتيازات أخرى منها التنقيب عن منابع النفط. وعلى العموم لم تدع بريطانيا الاستعمارية أية فرصة للتدخل الاقتصادي بالعراق ان تمر دون استغلال، وكيف لا تفعل ذلك، وهي التي تعلمت وأتقنت أساليب السيطرة السياسية منذ نعومة أظفارها الاستعمارية.. وتدربت على أساليب النفوذ الخفي المغلف بمعاهدات الصداقة والتحالف والقروض والتحديث والخدمات قبل ان تصل يدها إلى العراق بثلاثمائة سنة، أي منذ وطأت أقدامها على أراضي القارة الهندية الغنية الخصبة. أما الوسيلة السياسية التي مهدت الطريق لاستعمار العراق فهي واحدة في كل أنواع الاستعمار وهي: شراء الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية الموالية للغرب وتقويتها في مواجهة القوى الوطنية والإسلامية. ولا نبالغ لو قلنا ان البريطانيين هم أذكى من استخدم هذا السلاح لمصالحهم، ذلك ان عملية التغلغل السياسي عملية دقيقة، فهي تجمع بين العمل الجاسوسي السري وبين العمل الفكري الإعلامي.. ومن ذا أكثر تغلغلاً من البريطانيين في الأعمال الجاسوسية ؟! ان النمو التدريجي للتيار الثقافي الاستعماري في البلاد الإسلامية، قسّم المجتمع فكريا إلى قسمين: ثم أنفرزت الساحة عن مواقف سياسية متباينة نتيجة الأفكار المتباينة.. وهكذا جاء صنع الأحزاب الموالية للاستعمار نتيجة طبيعية لانتشار فلسفة الغرب المادية، وأفكاره السياسية في المجتمعات التي تدعو إلى العلمنة في إدارة الحياة. وقد كانت القنصليات والسفارات الأجنبية تتكفل بتقديم المشورة اللازمة،