ـ(531)ـ لـه، فقد كان التعايش قائماً آمناً على شريعة الله بين المسلمين والاقليات المختلفة قبل الاستعمار، غير ان الاستعمار حرص على ان يؤلب ويوقع بين الطوائف، ويأخذ في كنفه الأقليات ليدفعها إلى الانقضاض الدائم، وفي أي وقت يريد. وألب الاستعمار وأثار الخلاف بين الدولة العثمانية وإيران وعمق خلافتهما، وألب الخلاف بين العرب والترك، وأوقع الثأر بينهما، وألب الخصومات بين الفرق الإسلامية، وفتح الاستعمار باب التبشير للإرساليات وساندها وضمن لها حرية الحركة والتمويل، وسهل الاستعمار استيراد اقليات دينية من الأرمن والآشوريين والنساطرة، وقدم أجناسا أخرى من مالطيين ويونانيين ويهود. ثم عمد الاستعمار إلى تمزيق الروابط التاريخية الفكرية بين قوميات المسلمين، وعمق هذه الخلافات بينها حرصا على الانفصالية والحيلولة دون الوحدة الفكرية، أو الاخوة الروحية، وانبثقت الغزوة الاستعمارية عن الحركة الصهيونية، وتجمعت مطامع أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وهولندا كلها لتجتاح العالم الإسلامي، وكانت الصهيونية من وراء هذه القوى، ثم أسفرت عن هدف واضح، وإذا كان للاستعمار أثره البعيد في تمزيق وحدة العالم الإسلامي، وإقامة الكيانات الإقليمية والتي تدار بالفكر العلماني والقومية الضيقة. وهذه الدراسة تسلط الضوء على الفكر الاستعماري نشوءه وأهدافه، ووسائله وغاياته، وتميط اللثام عن أخطر سلاح وجهه الاستعمار إلى الأمة الإسلامية ألاّ وهو العلمانية وما نجم عنها من نزعات قومية وعرقية وقبلية ضيقة، إضافة إلى أنها تحدد منشأ العلمانية وأهدافها الخطيرة.