ـ(522)ـ وما تذرع البعض من المسلمين بصلح الحديبية الذي عقده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع قريش فهو من دلائل نبوته وليس نوعاً من أنواع السياسة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مع أصحابه في وضع لم يكن بحاجة إلى مثل هذا الصلح. تلك هي الأسس الموجزة والخطوط العريضة في مجال السياستين الداخلية والخارجية. ومن خلال هذه الخطوط العريضة يستطيع المرء أن يستخلص وجهاً آخر من أوجه العلاقة بين الدين والسياسة وهو وجوب أن يوجد رائد للأمة يتمتع بكامل الصفات التي تؤهله لقيادتها ورعاية شؤونها ويكون مسؤولاً عن تنفيذ أحكام الدين التعبدية والتعاملية ونجد ذلك واضحاً في كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم». فنرى بأن الرسول أوجب تأمير واحد في الاجتماع القليل. ونرى أن الله تعالى قد أوجب الكثير على المسلمين ونهاهم عن الكثير وهذا لا يتم إلاّ بالقوة والامارة ومن هذا المنطلق نجد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مطلع الإسلام إلى جانب تبليغه الرسالة كان هو الحاكم المشرف على تنفيذ أوامر الله وكان يساعده في ذلك مجموعة من الصحابة، ومن هؤلاء كانت تتكون الحكومة الإسلامية. ولم يقف اهتمام الإسلام بالصفات التي يجب أن يتمتع بها الحاكم بل يجب عليه أن يعمل لخدمة الشعب، وأن يضمن له الأمن في الداخل وفي الخارج وأن يعد العدة لحماية الدولة من أي اعتداء. وكل ذلك نجده ضمن إطار مواد الصحيفة والتي تشكل كما ذكرت سابقاً دستور دولة متكامل يجمع بين السياستين الداخلية والخارجية. وأي تعطيل لأي وجه من وجوه الشريعة أو إهمال منهج من مناهجها هو خروج عن الدين وقد أنحى الله تعالى باللائمة على من يسلك مسلك الفصل بين مناهج هذا