ـ(80)ـ الرومانية واليونانية وحضارات قوم عاد وثمود(1). وهي واضحة لدى الغربيين في حضاراتهم المعاصرة وأما خطوط اللقاء في الحضارات التي تمتلك أسساً ومقومات روحية فهو قائم فيها أيضاً كما في الحضارة الإسلامية التي ترى أن القيمة الصادقة في الحقيقة هو الله سبحانه وما ينبثق عنه; فانعكس فيها الاهتمام البارز بمعاني النبل وقيم الروح والفضيلة، وهذا التركيب العقائدي يجعل من الله سبحانه هدفاً للمسيرة وغاية للتحرك الحضاري، وهو الوحيد الذي يمد الحركة الحضارية للإنسان، وبهذا شجب الإسلام أي اتجاه إلى تحويل الأهداف النسبية والمرحلية إلى هدف مطلق لأنه يعيق الحركة عن الاستمرار وتجاوز الهدف النسبي في مرحلة تالية. وهذا النوع بعكس ما ينبثق عن رؤيا حضارية مادية صرفة، فالأول يتحرك ويستمد قدرته من هدفه الحقيقي الذي هو الله سبحانه ويستلهم وقود معركته ضد الظلم والظالمين منه سبحانه ولا يجعل إزالته هدفاً نهائياً ومطلقاً لـه. أو انه تخلق في نفسيته دوافع تنبع من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب، إذ ليس للإنسان المشدود إلى الدنيا وزخارفها القدرة على مواكبة البناء والحضارة لان المساهمة في كل بناء كبير تعني كثيراً من ألوان الجهد والعطاء وأشكالاً من التضحية والأذى والمعاناة في سبيل الواجب، ولكي تجند الطاقات الفردية للبناء الكبير لابد من تركيب عقائدي لـه أخلاقية خاصة تربي الفرد على أن يكون سيداً لا عبداً. ولأجل أن ينتزع الإسلام هذا التعلق الشديد بالدنيا من هذا الإنسان نراه يعطي لها حجماً طبيعياً ويزرع المفهوم الأخروي باعتبار أن المفهوم الدنيوي يتعارض مع عملية البناء العظيمة التي يدعو لها المفهوم الأخروي باعتباره ينمي الإنسان في إطار خبرات وجوده الحقيقي وسعيه المستمر في عملية البناء والإبداع والتجديد وتتحول النظرة إلى ______________________________________ 1ـ تفسير التاريخ لعبد الحميد صديقي ص 38.