ـ(540)ـ الأخلاقي.. المبحث الثالث: البناء الفكري والاجتماعي 1 ـ بناء الأُمة عقائدياً: تحتل المسألة العقائدية والفكرية موقعاً مهماً في حياة الأُمة. فكل مجتمع لـه تركيبة عقائدية، وقاعدة فكرية ينطلق من خلالها في حياته وحركته، وهذه العقائد أو الأفكار هي التي يتكون منها تاريخ وحضارة الأُمة. والإسلام أراد أن يعالج واقع الإنسان على ضوء ما آمن من المثل والقيم في منهجه كطريق للحياة، ودون الاعتماد على الأفكار الأخرى، كي يحافظ على سلامة المجتمع من الأفكار الأخرى، فيسعى إلى تأطير المجتمع بسياج فكري متين للتخلص من مشارب الأفكار المادية الضالة. ولهذا أخذ الإسلام يهتم ببناء المجتمع الإسلامي بناءً عقائدياً وفكرياً من خلال مؤسساته ومعاهده الفكرية التي تخضع لسلطة الولي الفقيه، والقائد الإسلامي النموذجي لهذا فالإسلام لم يعمل لإصلاح الإنسان دون إصلاح المؤسسات الاجتماعية.. كما فعلت المذاهب والدعوات الحديثة ففشلت وإنّما أصلح الواقع والإنسان معاً(66). لذا ركزت كل دعوات الأنبياء على مسألة الإصلاح الفكري والعقائدي. قال تعالى: ?قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?(67). وقولـه تعالى: ?وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ?(68). وعن الإمام الحسين عليه السلام قال: "اللهم انك تعلمُ انه لم يكن الذي كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك.."(69). ولهذا تظهر فلسفة بعث الأنبياء والمصلحين في تاريخ البشرية، ان هناك وضعاً اجتماعياً وعقائدياً فاسداً بحاجة إلى التغيير والإصلاح وهذا يتم من خلال قطبين أساسيين في العملية التغييرية. القطب الأول: وهو عملية هدم الأفكار الفاسدة، والقضاء على كل ألوان التخلف الفكري والاجتماعي، والثاني هو ممارسة العمل الفكري من خلال وضع المناهج الدراسية الواعية، لأن المجتمع لا يمكن أن يكن يعيش في فراغ فكري، والإسلام كعقيدة تملك مقومات ملئ هذا الفراغ، ومن الطبيعي إنّ العمل العقائدي والبنيوي يواجه مشاكل فكرية واجتماعية كبيرة وشاقة. لأن عملية هدم الأفكار والمخلفات الاجتماعية قضية ليست بالسهولة القضاء عليها، كذلك وضع الأدوات العقائدية الجديدة بحاجة إلى النفس الطويل الذي تتمتع بها القيادة الإسلامية التي تمتلك الدولة فتعمل من خلال مؤسساتها الثقافية الواعية على ترشيد حركة الفكر والبناء العقائدي للأُمة، لهذا دعي القرآن الكريم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الصبر والاستقامة في طريق المعاناة: ?فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ?(70). ?إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا $ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ?(71). وقولـه تعالى: ?فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ?(72). وفي هذا الخطاب دعوة إلى النبي في الاستمرارية في خط الأنبياء والرُسل، لهذا يظهر من خلال ذلك ما للمشاكل من دور كبير في تثبيت القيادة، ومحاولة شل حركتها السياسية، لهذا فهي بحاجة إلى المواصلة في الطريق لتكوين بنية تحتية ذات بُعد عقائدي وفكري لتحصين المجتمع..