ـ(523)ـ فظاهر لأنه إنّما يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها، وما لا يعلمها لا يصح تقديمه لها. ولا يكفي من العلم إلاّ أن يكون مجتهداً لأنّ التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال...(10). وقال عبد القادر البغدادي: "أحدهما العلم، واقل ما يكفيه من أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام..."(11). أما أبو بكر الباقلاني فيرى: ".. ان يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين.. وأما ما يدل على أنه يجب أن يكون من العلم بمنزلة ما وصفناه فأمور. منها: إجماع الأُمة على ذلك ممّن قال بالنصّ والاختيار. ومنها: أنه الذي يولي القضاة والحكام وينظر في أحكامهم، وما يوجب صرفهم وجرحهم ونقض أحكامهم، ولن يملك علمه بذلك وتمكنه منه إلا بأن يكون منهم في العلم أو فوقهم. ومنها: إجماع الأُمة على أن للإمام أن يباشر القضاء والأحكام بنفسه، ولا يستخلف قاضياً، ما استغنى بنفسه ونظره..."(12). وقد تمت الإشارة إلى هذه الخصوصية وأهميتها عند الكثير من الفقهاء والمفكرين المسلمين، وقد أشار القرآن على ذلك عند وصفه للرسول القائد صلّى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى:? الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?(13). وقد أشار العلامة الطباطبائي في تفسير هذا النص على أن الدين الذي جاء به الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، هو الدين الوحيد الذي أحصى جميع ما يتعلق بحياة الإنسان من الشؤون والأعمال التي قسمها إلى طيبات فأحلها وإلى خبائث فحرّمها، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرعة أي شريعة دينية وقانون اجتماعي(14).