ـ(481)ـ إمكانية الاستجابة أو الإجابة الواقعية على التطلعات الرئيسية لمجتمعاتها في(أيجاد الأمن والعدل والحرية والتوازن الخلاف). وليس اكثر تجسيداً للانهيار الشمولي الذي تعانيه هذه المجتمعات وعلى جميع الأصعدة والمستويات ما تعانيه في هذه الحقبة ذاتها(ففي الوقت الذي تتعرف فيه الجماعات العربية والإسلامية على بعضها البعض كما لم يحصل من قبل، ويندمج مصيرها التاريخي في سياق واحد، تتفاقم الحروب والنزاعات المدمرة فيما بينها ويعم الانقسام وعدم الثقة والأمن. وفي الوقت الذي تتراكم فيه الثروات وتتعزز الإمكانات المادية والمعنوية والبشرية كما لم تعرفها البلاد الإسلامية في أي حقبة سابقة، تستعر الخلافات بين الفئات والطبقات والأفراد، وتترسخ آليات اللجوء للقوة والقهر على جميع المستويات وفي كل يوم يقتل عشرات الأفراد ويسجن ويعذب الآلاف في معتقلات لا إنسانية ويطرد مئات الألوف من مقر إقامتهم وأوطانهم، وتنهب ممتلكاتهم وأرزاقهم، ويُعامل ملايين المسلمين معاملة العبيد في بلاد إسلامية... لقد أصبح القتل والتعذيب والاضطهاد والقمع من الظواهر العادية والطبيعية في الاجتماعات المدنية العربية، يحصل كل ذلك على أيدي مسلمين ولدوا وعاشوا في بلاد إسلامية)(1). هذا ما يحدث على أيدي النخب الحاكمة، وناهيك عما يحدث على أيدي غيرهم مما يندى لـه الجبين، وتغور إمامه القيم. وإذا كان يمكن إلقاء تبعات كل ذلك على القوى الاستكبارية وسعيها الحثيث لامتصاص دماء وحقوق المستضعفين، وكذلك على النخب العلمانية الحاكمة في بلادنا، والتي شكلت الأدوات الفعلية لتلك القوى الغاشمة، فإن عجز الفكر الإسلامي التقليدي عن عدم محاولة اندكاكه مع الواقع والتواصل معه وإبداع الوسائل اللازمة ___________________________ 1 ـ نقد السياسة ـ الدولة والدين ـ برهان غليون ـ ص 405.