ـ(457)ـ أما الأمر الأول: ففي الديمقراطية العلمانية ـ بمختلف صورها ـ يكون مصدر السلطة والحكومة في التشريع والتنفيذ هو الناس أو مجموعة منهم، أما في الإسلام فمصدر السلطة والولاية هو الله تعالى، وهذا كما يشمل اصل الولاية والحكومة فهو يستوعب السلم الطولي لها من السلطتين التشريعية والتنفيذية ـ على فرض صحة هذا التقسيم على ضوء الإسلام ـ والله سبحانه يصطفي لتبليغ رسالاته وتشريعاته الناس والولاية عليهم من تمّحض الإيمان والإخلاص والعدالة على دينه وإرادته سبحانه وتأهل لمنصب الولاية الإلهية بجعله واعتباره مبلغا وإماما وحاكما يبلغ الناس رسالات ربه، ويمارس هذه السلطة والولاية عليهم وفق الأنظمة والتشريعات الإلهية المبلغة إليه منه سبحانه، كما لـه ان يجعلها ويعتبرها لمن يليه ممن تتوفر فيه مواصفات الولاية الإلهية بشكل خاص أو عام، حسب الظروف والعوامل التي تمر بها مسيرة المجتمع الإنساني. وفي هذا الأمر نقطة افتراق أساسية وجوهرية ـ كما هو واضح ـ بين الديمقراطية العلمانية والنظرية السياسية في الإسلام. وأما الأمر الثاني: فعلى أساس الديمقراطية العلمانية تبقى مشكلة تشخيص المصالح والمفاسد الواقعية للحياة الإنسانية في بعديها الفردي والاجتماعي مستعصية وقائمة تفتقر إلى حل واقعي يصدقه العقل والمنطق ويذعن لـه الوجدان وتطمئن به النفس. وعليه فإن معالم طريق تحقيق العدالة والسعادة للمجتمع الإنساني على أساس الديمقراطية العلمانية تبقى غامضة تاركة المجتمع يتخبط في مجال تشخيص التشريع والنظام الصالح واختيار السلطة والحكومة العادلة والمؤتمنة على مصالحه وأهدافه. وبتعبير آخر ان العقبة الكؤود في وجه الديمقراطية العلمانية هي مسألة الجهل بالمصالح والمفاسد وعدم إحراز العدالة كشرط في من يتم اختياره للسلطة والولاية، فهما نقصان جوهريان تعجز الديمقراطية العلمانية عن رفعهما بعيدا عن الدين الحق.